الأحد 13 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
لعبة الديناصور !

لعبة الديناصور !

بينما ينتظر الشرق الأوسط الفصل الأخير من «لعبة الديناصور» والذى سيحدد مصيره لسنوات طويلة قادمة، ويبدو أن الولايات المتحدة تكتبه منفردة.. فإن محللين ودوائر بحثية أمريكية منشغلون الآن بسؤال عكسى: ما هو مصير أمريكا نفسها فى ظل قيادة «ترامب»؟ وهل تبدأ سيناريوهات «عالم ما بعد أمريكا»؟



تسارعت هذه الموجة فى أعقاب التدخل العسكرى المباشر ضد إيران، وربطت بينه وبين ما كان واضحًا أنه اتجاه «ترامب» حين هدد عدة مرات مع بدء ولايته الثانية باستخدام القوة العسكرية للاستيلاء على أراض بما فى ذلك أن الولايات المتحدة قد تسيطر على غزة بعد طرد الفلسطينيين.

«كورى شاك» وهى مؤلفة كتاب «الممر الآمن.. الانتقال من الهيمنة البريطانية إلى الهيمنة الأمريكية» وشغلت منصبًا فى مجلس الأمن القومى والخارجية الأمريكية خلال إدارة «بوش» الابن، تعتبر أن تجربة أمريكا منذ عقود فى فرض النفوذ والهيمنة الكاملة على النظام العالمى «شاذة تاريخيًا» بمعنى أنها توحشت كونها لم تجد تحوطًا أو ممانعة كافية من القوى الأخرى كما حدث سابقًا مع إمبراطوريات ودول عظمى سعت للسيطرة وحدها على العالم.. ولكنها ترى فى مقالها المنشور بمجلة «Foreign Affairs» أن تلك التجربة تقف الآن على المحك بسبب سياسات «ترامب»  فى الأشهر الأخيرة والتى اعتبرت أنه «لا شىء يضاهيها فى سرعة تدمير القوة الأمريكية»، مشيرة إلى مسح حديث أجرته شركة أبحاث الرأى Cluster 17 ومجلة Le Grand Continent، أكد أن 51 % من الأوروبيين «يعتبرون ترامب عدوًا لأوروبا».

وبخلاف أن التراجع العالمى عن واشنطن سيكون له آثار ملموسة على الاقتصاد الأمريكى، فإن الأمن القومى أيضًا سيعانى إذا بدأت الدول فى الانفصال عن واشنطن، ففى مجال مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية يجب على أمريكا أن تتوقع تعاونًا أقل، «لأن شركاءها يحتاجون الثقة فى أن أى معلومات يشاركونها مع واشنطن لن تُستخدم ضدهم وأن مصادر وطرق الحصول على تلك المعلومات ستظل سرية»، بينما فى ولاية «ترامب» الأولى أدرك حلفاء الولايات المتحدة بسرعة أن الرئيس كان متساهلًا بشأن المعلومات السرية.. وفضلًا عن ذلك فهناك إشارات إلى ما يمكن اعتباره اتجاهًا لـ«شيطنة المخابرات» موجود لدى البعض فى إدارة ترامب ممن يعتمدون نظرية المؤامرة الداخلية، حيث يتبنون تصور أن المخابرات كانت طرفًا فى اختراقات وأعمال عدائية ضد الولايات المتحدة (منها أحداث 11 سبتمبر 2001) وهو ما سيضعف الثقة فيها لدى الرأى العام.

 كذلك فإن قدرة الجيش الأمريكى على تأكيد قوته فى جميع أنحاء العالم تعتمد على شركائه وحلفائه، «وإذا تراجعت ثقة هؤلاء تتراجع تلك القدرة فورًا»، فالبنتاجون لا يستطيع إرسال تعزيزات عسكرية إلى أى مكان فى العالم دون استخدام قواعده الخارجية ودون تفعيل التسهيلات العسكرية التى يمنحها له الحلفاء، وبالتالى لن تتمكن واشنطن من تنفيذ خططها الحربية بالسرعة والقدرة المطلوبة، والمعنى هنا أن القوة العسكرية الأمريكية ليست مكتفية ذاتيًا؛ بل تعتمد على الآخرين، وتنامى العداء للسياسات الأمريكية سيُنفّر شعوب الدول الأخرى، ويزيد من صعوبة دعم حكوماتها للعمليات العسكرية الأمريكية أو المشاركة فيها.

والخلاصة أن ترامب وفريقه يدمرون كل ما يمكن أن يجعل الولايات المتحدة شريكًا جذابا، وهى إن تخلت عن تلك الصفة تصبح لا قيمة لها.

النتيجة نفسها وصل إليها «روبرت كيوهان» الزميل المشارك فى مركز هارفارد للشئون الدولية و«جوزيف ناى» الذى شغل منصب مساعد وزير الدفاع ومدير مجلس الاستخبارات الوطنية فى إدارة كلينتون، وهما مؤلفا كتاب «القوة والترابط.. السياسة العالمية فى مرحلة انتقالية»، حيث اعتبرا أن السياسات الحالية لترامب من شأنها إضعاف الولايات المتحدة وتسريع تآكل النظام الدولى.. وبالتالى «قد يدخل العالم فى فترة من الفوضى»، لكن التدهور الحالى قد لا يكون مجرد انحدار مؤقت بل غرق فى مياه عكرة، ففى سعيه «المُتهوّر والمُضلّل» لزيادة قوة الولايات المتحدة، قد يُنهى ترامب فترة هيمنتها (التى أطلق عليها مؤسس «تايم» هنرى لوس «القرن الأمريكى») نهايةً غير احتفالية.

وقد توقفا فى مقالهما المنشور بـ«Foreign Affairs» أيضًا عند نقطة بالغة الأهمية وهى أن إفراط الرئيس فى استخدام القوة الصلبة وعدم إدراكه أن القوة الناعمة هى التى تجعل أمريكا شريكًا جذابًا وهى التى تسود فى النهاية، سيعجل من تراجع الولايات المتحدة وأشارا إلى استطلاع رأى حول ذلك أجراه معهد «جالوب» متزامنًا مع بدء ولاية «ترامب» الحالية.

أخيرًا.. فقد كان لافتًا أنهما استعادا مقولة منسوبة لـ«ستالين»: 

«كم فرقة عسكرية يملك البابا»؟ 

ليقولا: «فى النهاية سقط الاتحاد السوفيتى.. واستمرت البابوية».