الأحد 13 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
متى تنتهى فوضى الشارع المصرى؟

متى تنتهى فوضى الشارع المصرى؟

عبر سنوات كثيرة كانت الشوارع فى مصر تغسل بالماء حتى تظل نظيفة، مشهد متكرر كنت شاهد عيان عليه شخصيا حين كنت صغيرا وأنا أقف أمام محل والدى فى حى السيدة زينب، وعندما كبر العمر سرعان ما ذهبت هذه الميزة مع الريح ولم يعد لها وجود، بعد أن تحول الشارع المصرى وبقدرة قادر إلى فوضى تحكمه عشوائية وبلطجة من قبل سيّاس وباعة جائلين وأصحاب مقاهٍ وكافيهات احتلوا أرصفته دون حسيب أو رقيب، شارع احتلته الحيوانات الضالة لتصول وتجول فيه من جراء تلال القمامة التى أصبحت مثل الديكور الثابت فى الأعمال الفنية، ليصبح المواطن مجبرا على السير فى نهر الطريق لتفادى تلك القمامة، معرضا حياته للخطر من سيارة شاردة يقودها شخص لا يحمل رخصة قيادة، أو من موتوسيكل لشاب يعمل على توصيل الطلبات للمنازل، جل همه أن يصل سريعا للزبون لضمان الحصول على أوردر جديد ليحقق نسبة من الربح، تضمن له الذهاب إلى منزله بحصيلة لا بأس بها من «البقشيش» للتغلب على سوء وضع أغلب من يعمل فى هذه المهنة ماليا، وهنا يحضرنى مشهد أعانى منه كثيرا، وتحديدا فى شارع جمال عبد الناصر بمحافظة الإسكندرية، حين تقف عربات جمع القمامة ليلا فى وسط الشارع لتتسبب فى إعاقة حركة المرور المختنق أصلا من كثرة السيارات وعربات السرفيس «المشروع» التى تعمل وفق منهج خاص بها يضاهى منهج القطار القشاش الذى كان يقف فى جل المحطات، ناهيك عن حركة سير الأفراد ووسائل المواصلات الأخرى، التى تتطلب خريطة لتفادى هذه المعوقات المضاف إليها تلال القمامة المنتشرة على الرصيف أو الملقاة على الجزيرة الوسطى للشارع، يحدث هذا فى الشارع المشار إليه وفى أغلب شوارع مدننا المصرية، وللأسف يشارك فيه البعض من المواطنين «طبقا لثقافة كل واحد منهم» وتقاعس وإهمال قد يصل إلى حد التعمد من إدارات الأحياء، رغم أننا كمواطنين ندفع عن طيب خاطر رسوم نظافة مع إيصالات الكهرباء شهريا، بخلاف ما يتم دفعه لجامع القمامة التقليدى من المنازل. حتى صناديق جمع القمامة التى تم وضعها فى الشوارع، والتى جعلتنا نستبشر خيرا للقضاء على مشكلة القمامة، تمت سرقتها من قبل البعض لكونها مصنوعة من الحديد، مثلها فى ذلك مثل أغطية بالوعات الصرف الصحى الحديد، لبيعها لتجار الحديد الخردة، الذين يبيعونها بدورهم لمسابك صهر الحديد.. لنتأكد بدورنا أن معضلة القمامة باتت مستحكمة فى حياتنا، لنقول بعلو الصوت «مفيش فايدة» كما سبق أن قالها الزعيم الراحل سعد زغلول، الذى بات رصيف متحفه وضريحه «مقلبًا» رئيسيًّا لقمامة الباعة الجائلين وبعض محدودى الثقافة من سكان هذه المنطقة.



بعيدا عن القمامة والباعة الجائلين واختفاء دور الرصيف من حياتنا اليومية، وسطوة وتحكم أصحاب المقاهى والمحلات ومهنة من لا مهنة لهم من السياس، الذين يفرضون إتاوات على ملاك السيارات، تعانى شوارعنا من فوضى وأزمات مرورية مستحكمة، بعضها نحن كمواطنين السبب فيه بحكم غلبة ثقافة «أنا وبعدى الطوفان» على حياتنا بفعل غياب دور الأسرة التربوى التى يبحث ولى أمرها عن لقمة العيش، وغياب دور المدرسة التى تعتمد على مناهج جار عليها الزمن، بات عدم الالتزام بقواعد المرور أمرًا طبيعيًّا، خاصة فى الشوارع غير الرئيسية التى يغيب عنها رجال المرور «علما بأن شارع مثل شارع جمال عبد الناصر يعد من الشوارع الرئيسية، خاصة فى الجزء الذى يبدأ من ميدان محمد نجيب وصولا إلى ميدان الجامع فى المندرة».

 

أما عن فوضى ركن السيارات فى الشارع، فحدث ولا حرج خاصة بعد إغلاق الكثير من الجراجات التى لم يجد أصحابها منها فائدة، فقرروا بيعها أو تحويلها إلى محلات تدر عليهم دخلًا أكبر، فكاد من المستحيل أن يجد المواطن مكانًا لسيارته، لنشهد شجارات ومشاحنات يومية بين الجيران بسبب ركن السيارة، وهى المشاحنات التى استغلتها إدارات الأحياء لزيادة دخلها، عندما قررت إيجار أماكن انتظار أمام العمارات لمن يدفع، شريطة أن يقدم صاحب الطلب ما يثبت أنه مقيم فى البناية التى يطلب الوقوف أمامها مقابل رسم 340 جنيها فى الشهر، ورغم أن هذا الشرط أساسى، إلا أن هناك من استفاد به رغم أنه غير مُقيم أو له وجود يذكر فى البناية أصلا، أمثال هؤلاء استأجروا من الأحياء مساحات كبير فى بعض الشوارع، ثم باستغلالها لحسابهم من خلال تأجيرها للغير بمبالغ تفوق بكثير ما يدفعونه للأحياء مقابل حق الانتفاع مستغلين فى ذلك عدم توافر أماكن انتظار كافيه، يحدث هذا نتيجة لتساهل البعض من موظفى الأحياء فى أداء دورهم، لأسباب أترك الإجابة عليها للجهات الرقابية التى تشرف على هذه المرافق.

أخيرا فوضى الشارع التى نعانى جميعا منها، يمكن القضاء عليها بسهولة، حال تغيير ثقافتنا السلبية التى جعلتنا لا نهتم سوى بنظافة شققنا من الداخل، ودون غيرها ليس بمهم، وبتطبيق القانون الذى يردع جل من تسول له نفسه أن يقوم بأى فعل أو تصرف مخالف يسىء من خلاله إلى النظام العام فى الشارع، حينها فقط سوف يختفى من قاموس حياتنا البلطجية والمستغلين لأزمات الناس ومن يفرضون الإتاوات على خلق الله، رغم إدراكى التام أن تحقيق النظام والأمن لا يجب أن يلقى على كاهل الحكومة والشرطة فقط، بل يجب أن يشارك فيه المواطنين والمجتمع ككل، لأن التخاذل عن مواجهة هذه الفوضى، ستفتح الباب لفوضى جديدة لا نعلم مداها وقد تكون أكثر خطورة.. وقتها قد يستحيل السيطرة عليها.