خاص.. حسم أيديولوجية تكفيرية بعيدة المدى
وثائق تجميع «شتات الإخوان»

ماهر فرغلى
تنطلق الرؤية الاستراتيجية للجناح العسكرى الإخوانى (حسم) من أيديولوجية قطبية بعيدة المدى، وضاربة فى الأصول الفكرية للجماعة، التى لم تتخل عنها يومًا ما، ولم تفكر فى مراجعتها ولو مرة واحدة، ما يشير إلى أن المسألة أعمق بكثير من صدور فيديو يهدد بعودة العمليات الإرهابية، أو يدعو لما يطلقون عليه (الثورية المسلحة المبدعة).
فى البداية ومع سقوط وعزل الإخوان عن حكم مصر، والذى دام عامًا بصعوبة، تم تشكيل ما يعرف باللجنة الإدارية العليا لكى تقود التنظيم، وهى التى وضعت استراتيجية جديدة عُرفت لاحقًا بخطة «الإنهاك والإرباك – الإفشال – الحسم» حيث طُرح فيها اللجوء إلى ما سُمى بالعمل النوعى أو السلمية المبدعة والتى كانت تعنى استخدام مستوى أعلى من العنف، وبشكل أكثر منهجية من ذلك العنف المحدود والعشوائى، الذى كان يُمارَس من قِبل أعضاء الجماعة فى المرحلة السابقة.
تم تكليف القيادى «عليّ بطيخ» بإعداد استراتيجية للحراك المسلح أطلق عليها (القيادة العامة للجان الحراك المسلح) حيث اعتمدت هذه الخطة على المناهج المسلحة للجماعات الإيرانية، وأخذت نفس الهيكل التنظيمى للحرس الثورى الإيرانى وطبقته حرفيًا، وتوفرت وثائق مهمة تثبت ذلك وهى محضر اجتماع للتنظيم الدولى بإسطنبول فى أواخر عام 2013 قرروا فيه ما يلى: تشكيل لجنة إعادة أفكار قطب تشكّلت اللجنة التى عُرفت باسم «الهيئة الشرعية لعلماء الإخوان» فى سبتمبر 2014، والتى أصدرت فى أوائل عام 2015 عدة وثائق وكتب منها: الرسالة التى تم نشرها بعنوان (رُؤْيَتُنَا)، والتى جاء فيها أن الدعوةُ التى تربى عليها أجيال الجماعة هى دعوةُ الحقِ، والقوةِ، وأن العودة للحكم ضرورة تستوجب تفكيكِ منظومةِ الدولة الاقتصاديةِ، عن طريق (قيادةٌ مبدعةٌ – فرقٌ جريئةٌ – جماهيرٌ عريضة).
تحدثت الرسالة عن قتال الفئة الباغية: وهو قتال أهل البغى من الأمة الإسلامية، وعلة قتالهم هو «البغى» لا «الكفر»، وقتال غير المسلمين من أهل الملل الأخرى، وعلة هذا القتال هو «العدوان» لا «الكفر»، وعلى إزالة الحواجز من طريق الجماعة، ومن هذه الحواجز الدولة والسلطة فيها.
بعدها بعام تقريبًا صدر كتاب «فقه المقاومة الشعبية» الذى وضعوا فيه الضوابط لاستهداف الأفراد والمنشآت العامة، وفقه «دفع الصائل»، وتحدثوا فيه عن إلغاء «شعار سلميتنا أقوى من الرصاص» ليصبح «سلميتنا أقوى بالرصاص».
من أهم ما ورد بالكتاب، هو إجازة قتال الشرطة والجيش، على أساس أنهم محاربون، وعلى أن الإسلام أجاز استخدام القوة لمجابهة الأعداء، وأن هذه القوة هى التى من وجهة نظرهم تحافظ على السلم الاجتماعى، وأنه لا سلم بدون إعداد القوة أو المضى فى طريق إعدادها.
ولما أجرت مجلة السلفية الجهادية (كلمة حق) حوارًا مع المتحدث باسم حركة حسم، قال إن مسألة الظهور والاختفاء هى سياسية وحسب ما يقتضيه الظرف السياسى، وأن من قتل ضباط الشرطة فلا حرج عليه، لأن البغاة هم الخارجون على الإمام الحق بغير الحق، وهم طائفة لها قوة وشوكة، خرجت على الحاكم بتأويل سائغ فى تصورها، وأما هؤلاء فليسوا من البغاة.
قال المتحدث الإعلامى لحسم عن كيفية صناعة توازن نكايات لا إمكانات، وأنه لا يعنى عدم اشتراط العدة الإيمانية أو المادية فى جهاد الدفع التفريط فيها، بل يجب الدفع بما تيسر منها، لأنها واجبة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ومنذ شهرين ونصف أصدرت مؤسسة الميدان، وهى الغطاء السياسى والإعلامى لحركة حسم، ما يسمى، ملامح المشروع الإسلامى، الذى ورد فيه عدة أهداف منها: إعداد هيكل تنظيمى قوى من خلال بناء قيادة موحدة للتيارات المختلفة التى يتشكل منها التنظيم الجديد، والذى يُعدّ بمثابة النواة الصلبة التى سوف تكون قادرة بعد ذلك على تجميع القوى الوطنية الراغبة فى التغيير، ووضع وثيقة فكرية تتضمن الأفكار الأساسية، وتكوين مجموعات من الطلاب فى الجامعات المختلفة وإعداد كوادر وقيادات طلابية، وإنشاء شبكة من العلاقات وآليات للتواصل فيما بينهم، وتدريبهم وتنميتهم ثقافيًا وفكريًا وإكسابهم المهارات اللازمة للمشاركة فى الأنشطة التى يسعى التنظيم فيما بعد إلى القيام بها، ثم إعداد رموز مجتمعية فى كل المجالات الخيرية والخدمية والدعوية والسياسية، وتهيئة المجتمع للمشاركة فى التغيير وتقبله، ثم الضغط الخارجى وتحركات الإسلاميين، وبعدها يكون العمل الثورى وفق السيناريو الذى طرحه التنظيم فإنّ ما يتم التعويل عليه هو تفاقم الأزمات وتطور الأوضاع، بمساعدة الجماعة من خلال الآليات الخاصة بتهيئة المجتمع وتوسيع دائرة السخط العام، حتى تأتى لحظة مناسبة تسمح إمّا بحراك شعبى طبيعى، وإمّا أن يبدأ التنظيم من خلال المجموعات التى أعدها وتشكّل كتلته الصلبة فى عمل حراك وإشعال شرارة تربك النظام وتشجع الناس على الاندفاع إلى الشوارع.
وقد ورد فى هذا المشروع أيضًا بأنّهم سيعتمدون السيناريو المركّب، وهو خليط ما بين الانتفاضة والعمل الثورى، وكيف أنهم سيلعبون على عمل ثغرة تدفع إلى حراك شعبى واسع، تحت قيادة موحدة، والتوحّد على منظومة الأفكار، التى مجملها ورد فى كتاب سبيل الرشاد لمحمد إلهامى، والوثيقة التى ستصدر قريبًا عن استراتيجية التغيير، وكيفية خلق وعى شعبى، وعن شبكة لتنظيم الحراك وتهيئة الظروف بإشعال شرارة، وكسب الحلفاء فى الداخل، والضغط الخارجى، ومدّ شبكات العلاقات وإيجاد مصالح مشتركة، والاتفاق على مشروع الرموز المجتمعية، ومشروع الحركة الطلابية، وتدريب كوادر جديدة، والاستفادة، من مشروع المصريين بالخارج.
عمدة القول إن حركة حسم لم تأت من فراغ واسع، بل جاءت من إطار فكرى قطبى مغلق بامتياز، يبدأ من عدم الاعتراف بالدولة ونظامها، ثم ينتهى إلى تكفير المجال المجتمعى، والانعزال الشعورى، وعمل تنظيمات موازية تستهدف الوصول للحكم، حتى لو كان على غير رضا الشعب والمواطنين.