
محمد جمال الدين
أين ضمير العالم من سياسة التجويع؟
وكأن ضمير العالم لم يكتف بما ترتكبه العصابة الإسرائيلية فى حق الشعب الفلسطينى من مذابح وإبادة، قررت نفس العصابة اتباع سياسة التجويع ضدهم فى قطاع غزة المحاصر الذى يقطنه 2.3 مليون شخص، لتستخدم كسلاح حرب، يتزامن مع جرائم القتل العمد، ومنع الإنجاب، والتدمير الواسع للبنى التحتية المدنية الأساسية للحياة فى القطاع، مرتكبا بذلك جرائم حرب وقصف مستشفيات ودور عبادة وإبادة جماعية، وفقا لإرادة سياسية واضحة ونية معلنة، لا خلاف عليها بين قادة هذه العصابة، التى سبق أن صرح وزير دفاعها السابق ومجرم الحرب الحالى (جالانت): (سوف نفرض حصارًا كاملاً على غزة لا كهرباء ولا طعام ولا ماء أو غاز. سنغلق كل شىء لأننا نقاتل حيوانات بشرية، وبالتالى سنتصرف وفقًا لذلك)، تصريح يثبت، بل يؤكد عنصرية وإجرام قائله، إلا أنّه لم يحرّك ضمائر قادة دول العالم، التى اكتفت فقط برؤية وحرمان المدنيين من أبسط أساسيات الحياة. وهذا ما شجع مجرم الحرب نتنياهو بأن يأمر بوقف دخول جميع المساعدات الإنسانية إلى القطاع، فى خطوة تهدف إلى الضغط على حركة حماس للرضوخ لشروط كيانه العنصرى.
وللأسف يحدث هذا على مرأى ومسمع من العالم جله، فى الوقت الذى طالب فيه قادة الدول الكبرى بمجرد رد أو على الأقل بتفسير على اتباع هذه السياسة، خاصة بعد أن بات شبح المجاعة والمرض يخيم على سكان القطاع، رغم جميع النداءات والدعوات التى وجهت إلى تل أبيب، إلا أنها ما زالت مصرة على المضى قدمًا فى تبنى هذا النهج الذى أدى إلى تفاقم حدة الأزمة الإنسانية داخل القطاع، خصوصا بعد استئناف العمليات العسكرية من جانبها، ولذا أصبحت صور الأطفال وهم يلتهمون الحشائش الخضراء لسد جوعهم أمرا معتاد، لدى شعوب العالم التى تدعى أنه حر، رغم أن الواقع يثبت عكس ذلك، إذ يعتبر تعمد تجويع المدنيين كوسيلة حرب، بحرمانهم من المواد الأساسية للبقاء، جريمة حرب وفقًا لمادة 8 (2) (ب) (25) من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية ومادة 54 (1) من البروتوكول الإضافى الأول لاتفاقيات جنيف. تحظر هذه المواد التجويع كوسيلة حرب، ويُعد استخدامه ضد المدنيين جريمة إبادة جماعية إذا كان يهدف إلى تدمير مجموعة قومية، أو أثنية أو دينية كليًا أو جزئيًا. وهذا تحديدا ما أكدته لجنة التحقيق المستقلة التابعة للأمم المتحدة حين ذكرت فى تقريرها، أن إسرائيل ارتكبت جريمة حرب حين استخدمت سياسة التجويع فى قطاع غزة، واعتبرت الحصار الكامل عقابًا جماعيًا، لدرجة يصل معها الأمر إلى درجة الإبادة الجماعية، وهذا أيضا ما سبق وأن أكده المقرر الخاص للأمم المتحدة المعنى بالحق فى الغذاء حين قال فى إحدى جلسات مجلس حقوق الإنسان: (عندما اندلعت الحرب، رأينا الناس يعانون الجوع بطرق غير مسبوقة. لم نر قط أى مجتمع يعانى الجوع بهذه السرعة. والآن، ما نراه هو المجاعة، ويموت الأطفال بسبب سوء التغذية والجفاف)، وطبقا لنصوص ومواد القانون الدولى الإنسانى، تعد إسرائيل بوصفها دولة احتلال مسؤولة عن الشعب الموجود على الأرض التى تحتلها، وبالتالى من المحظور تجويعهم أو حرمانهم من الحق فى الغذاء. ورغم وضوح النص حول حظر تجويع المدنيين ووجوده فى القانون الدولى لحقوق الإنسان، إلا أنه ليس هناك من يجرؤ على محاسبة قادة هذه العصابة المجرمة، التى تفوقت فى إجرامها على النازى وعصابته، مادامت تجد الدعم والعون والمساندة من بلطجى العالم الحديث، المدعو ترامب الذى لا يجيد سوى التهديد والوعيد، منذ أن وطأت قدماه البيت الأبيض قبيل أشهر لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، الذى يعشق التعامل مع الجميع بعقلية رجل الأعمال «البلطجى» والتاجر الوقح المرابى وسمسار العقارات وقناص الصفقات مع كل دول العالم، لينال عن جدارة واستحقاق لقب صانع التعاسة الأول والأبرز لمعظم الشعوب والتى من ضمنها بالطبع الشعب الأمريكى الذى نال من شطحاته وبلطجته الكثير. ورغم أنه دائم التحدث عن الحقوق والإنسانية، إلا أن ما يفعله ويسعى من خلاله إلى الحصول على ما ليس له طبقا لقانون الغاب الذى لا يعرف غيره، سوف يكشف أكاذيبه وخداعه قريبا، مثلما كشف العالم أكاذيب وخداع ربيبته إسرائيل، لأن الشعوب التى دفعت ثمن حريتها دما، لم ولن تجوع أو تسقط حقوقها بالتقادم أو بالقوة، حتى ولو غاب الضمير والإنسانية.