الأحد 27 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أفكار على جسر الثقة

أفكار على جسر الثقة

قبل عامين وعندما كان الحوار الوطنى على وشك الانطلاق وجدت أن السؤال الأساسى الذى يجب أن نطرحه على أنفسنا هو:



هل يمكن أن يكون نقطة تحول  حقيقية تتناسب مع الهدف من الدعوة إليه وحجم الاهتمام به وتنوع التيارات والشخصيات المشاركة فيه؟

وكان تقديرى أن أول شروط تحقق ذلك هو أن ندرك جميعًا أنه فرصة لا يجب أن تضيع عبر توفر مجموعة من المحددات منها:

أن تدور وقائعه فى أجواء تدرك أهمية اللحظة، بين شركاء لا فرقاء، يقدمون رؤى وأفكارًا وبرامج وسياسات بديلة.. لا يغرقون فى تشخيص ما هو مُشَخَص ولا يستمرئون نصب المحاكمات أو المزايدة بالشعارات.. وأن تكون التيارات والشخصيات المعارضة جاهزة بمسارات عملية لتصحيح ما يرونه خطأ فى السياسة والاقتصاد وغيرهما.

أن ينتقل تأثيره من داخل قاعاته إلى عموم الناس، ويقنعهم بما يجرى فى جلساته من مناقشات حرة وعلمية أن هناك مواجهة مسئولة لمشاكلنا وتقييمًا منصفًا لما أنجزناه ولما نحتاج إلى إرسائه وتحقيقه، بحيث يشعر الناس أن حدثًا مهمًا وعامًا وفارقًا يتعلق بحياتهم ومستقبلهم يجرى أمامهم وأن لهم مصلحة أساسية فيه.

وهنا كان الأمر يتعلق بضرورة تنفيذ ما تم الالتزام به من علانية الجلسات ونقلها إعلاميًا بما يمكن أن يحمله ذلك من رسائل إيجابية مطمئنة، خاصة إذا تزامن مع تحليل معمق لجلساته والتعليق عليها عبر دوائر أوسع من المتخصصين والسياسيين ورجال الاقتصاد والعلماء المعتبرين ممن لم يشاركوا فى وقائعه، وبما يسهم فى فتح المجال العام.

ولقياس الأثر كان ممكنًا تكليف أحد مراكز البحوث العلمية الموثوقة التابعة للدولة أو الجامعات بإجراء قياس رأى عام لاستطلاع رد فعل المواطنين تجاه ما دار فى الحوار الوطنى ومدى إدراكهم لأهميته وآرائهم فى محتواه، وإتاحة نتائج هذا البحث إعلاميًا ومناقشتها.

وكان من أهم المحددات التى أراها ضرورية أن تستغل الحكومة فرصة الحوار الوطنى لتفتح صفحة جديدة مع الرأى العام، فيظهر وزراؤها ومسئولوها إعلاميًا بعدما طال غيابهم.. يتحدثون للناس ويشرحون ويجيبون عن أسئلتهم، فإن نصف القلق العام كان – وما زال – يأتى من الغياب.. والبيانات الرسمية والردود المكتوبة وحدها لا تكفى.. ولعلها إشارة لافتة إلى أن رئيس الوزراء نفسه منذ ولايته الأولى فى منتصف 2018 ليست له حوارات تليفزيونية ولا صحفية إلا نادرًا، ولا يجب الاستناد هنا إلى مبدأ أن الفعل أهم من الكلام وأن الأعمال تتحدث عن نفسها، أو الاستناد إلى أنه فى المواقف والتحولات المهمة تكون هناك مؤتمرات صحفية  للشرح والتوضيح، ذلك أن المؤتمرات الصحفية فعليًا لا تكون مفتوحة بما يعطى فرصة حقيقية للصحفيين والإعلاميين لطرح كل أسئلتهم، وحتى إن أتيح ذلك فلا يتم نشره إلا فى حدود ضيقة، فضلًا عن أن الحكومة لا تعتمد ولا تتبنى فكرة وجود مؤتمر صحفى يعقب اجتماعها الأسبوعى يحضره رئيس الوزراء والوزراء المعنيون بالملفات الأهم التى نوقشت بالاجتماع للإجابة عن أسئلة الرأى العام حولها.. وهو تقليد ما زلت أتمناه وأدعو إليه وأرى أنه سيكون أهم جسور الثقة والطمأنينة والمصداقية بين الحكومة والمواطنين.

وأعتقد أنه كان من أهم محددات الاستفادة من الحوار الوطنى وتحقيق الهدف من الدعوة إليه أن تضع الدولة خريطة طريق واضحة تحدد مدى زمنيًا لمراحل تنفيذ مخرجات الحوار التى تم الوصول إليها والتوافق عليها، وآلية إعلامية لمتابعة ذلك، مع الوضع فى الاعتبار أهمية أن تدرك جميع القوى المشاركة أن الإصلاح لن يتحقق بضغطة زر لكنه تدريجى.. غير متعجل يدفع للتفلت، ولا متباطئ تسبقه الحوادث والأزمات.

تلك كانت بعض المحددات التى تصورتها.. تحقق بعضها ولم يتحقق البعض الآخر -وهو ليس قليلاً- لكنى ما زلت أرى أن الفرصة قائمة خاصة أن الحوار الوطنى فى كل ملفاته أسفر بالقطع عن مخرجات مهمة يمكن البناء عليها ولا يجب إهدارها وما زالت تستوجب الطرح والمناقشة على المستوى العام مع إضافة مستجدات الوضع فيما يخص كل ملف منها.

وفى ظنى، فإن ذلك قد يكون له أثر، حيث ستحل مناقشة قضايانا الكبرى فى السياسة والاقتصاد والمجتمع محل صغائر وظواهر وشائعات واختلالات وسائل تشغل الفضاء الاجتماعى والإعلامى.. ولو بنسبة.

ستصنع مناقشة تلك القضايا زخمًا، وتشغل فراغًا، وتبدد مساحات حيرة وغموض وتعطى ثقة وأملًا.

وقد تكون أيضًا خطوة نحو حل عقدة الإعلام الذى لا ترضى الدولة عن أدائه ولا يرضى الناس.. ولا يرضى صُنَّاعه أيضًا.