الأحد 27 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الطريق الثالث.. حظر «الإخوان المسلمون» فى الأردن..  هل يضع نهاية لمؤامرة حسن البنا؟ «خلية الخيانة» تعصف بالجماعة

الطريق الثالث.. حظر «الإخوان المسلمون» فى الأردن.. هل يضع نهاية لمؤامرة حسن البنا؟ «خلية الخيانة» تعصف بالجماعة

بعد أن  تحولت  إلى  «تهديد أمنى»، إخوان الأردن خارج المعادلة السياسية الأردنية.. بالانتقال (الخشن) إلى خانة «غير المشروعة» التى تلاحق (الجماعة) فى سائر الأقطار العربية. قرار أجبرت عليه الحكومة الأردنية التى نفد صبرها بعد أن تنامى خطر الجماعة وباتت تمثل تحديًا لاستقرار المملكة (المسالمة) التى تجتهد كى تحافظ على وجودها فى ظل إقليم تعصف به المخاطر وتهدده الحروب والصراعات، فيما تضمد الحكومات الوطنية أوجاع شعوبها المحاطة حدودها فى وضع جغرافى معقد بحزام من النار، فيسدد المواطن الأردنى (ومثله الاقتصاد المصري) فاتورة البركان الذى أِججت حماس حممه، فتدفقت نيرانه تطارد الجميع فى الشرق الأوسط.



ولكن هل تكفى تهمة الانتماء إلى جماعة محظورة لمكافحة سرطان أخطر الجماعات الوظيفية فى التاريخ العربى المعاصر، أم أن نوم الخلايا سيتبعه يقظة مفاجئة، فى منطقة تلاشت دولها وتساقطت أنظمتها.. ويعاد تشكيلها وفق مصالح وأجندات تتجاوز إرداتها الوطنية؟

ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين!

وكان وزير الداخلية الأردنى مازن الفراية، قد أعلن الأربعاء الماضى «حظر كافة نشاطات جماعة الإخوان المسلمين المُنحلة واعتبارها جمعية غير مشروعة»، موضحًا: «إنه فى الوقت الذى أتاحت فيه الدولة الأردنية لكافة مواطنيها حرية تشكيل الأحزاب والجمعيات والتعبير عن الرأى وممارسة النشاطات السياسية وفقًا للقانون، فقد ثبت قيام عناصر ما يسمى بجماعة الإخوان المسلمين بالعمل فى الظلام، والقيام بنشاطات من شأنها زعزعة الاستقرار، والعبث بالأمن والوحدة الوطنية، والإخلال بمنظومة الأمن».

وقال: «ما تم الكشف عنه من أسلحة تُخزّن داخل الأحياء السكنية، والقيام بإخفاء صواريخ فى ضواحى العاصمة، وتدريب وتجنيد فى الداخل والخارج، أمر لا يمكن لأى دولة أن تقبل به»، مؤكدًا: «أن الجماعة حاولت تهريب وإتلاف كميات كبيرة من الوثائق من مقارها لإخفاء نشاطاتها وارتباطاتها المشبوهة»، مشيرًا إلى أنه تم «ضبط عملية تصنيع للمتفجرات من قبل نجل أحد قيادات الجماعة وآخرين، كانوا يريدون استهداف مواقع حساسة فى المملكة». 

وعلى نهج حسن البنا، الأب المؤسس للجماعة، ووفق طريقته الشهيرة «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين»، التى غسل بها يديه من دم محمود فهمى النقراشى باشا رئيس الوزراء المصرى الأسبق، عقب اغتياله من قبل أحد أفراد من التنظيم الخاص للجماعة بعد أيام من قراره التاريخى بحل جماعة الإخوان فى الثامن من ديسمبر سنة 1948.

أصدرت جماعة الإخوان فى الأردن بيانًا لتبرئة ساحتها فى محاولة استباقية لإنقاذ التنظيم، عقب القبض على 16 متهمًا منه، أعلنت الحكومة الأردنية فى الرابع عشر من أبريل الجارى أنهم أعضاء خلية تورطت فى عمليات تهدد أمن المملكة، وجاء رد الإخوان: «ما أعلنته الحكومة هى أعمال فردية على خلفية دعم المقاومة لا علم لنا ولا صلة، ونؤكد أن مصالح الأردن فوق أى اعتبار». 

خيانة الإخوان

وحظيت جماعة الإخوان المسلمين على دعم كبير من النظام الملكى الأردنى منذ أن أسسها عبداللطيف أبوقورة سنة 1945 والذى كان قد التقى قيادة الجماعة فى القاهرة وتبنى فكر مؤسسها حسن البنا، وخلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى اصطفت الجماعة مع النظام الملكى فى مواجهة المعارضة القومية واليسارية، خاصة التجربة الناصرية فى مصر المعروف تهديدها للإخوان ومشروعهم.

وتاريخيًا، وفرت المملكة للجماعة (الأم) خلال سنوات التكوين والتهديد ملاذات آمنة ورعاية كريمة لأعضائها، خاصة فى مراحل مطاردتها فى حكم الرئيس جمال عبد الناصر فى مصر (حادثة المنشية سنة 1954 وصولا إلى إعدام سيد قطب ورفاقه سنة 1966) وفى مراحل اضطهادها خلال حكم حافظ الأسد فى سوريا (مذبحة حماة سنة 1982).

وحديثًا نجت الجماعة فى الأردن من طوفان «الربيع العربي» الذى أطاح بمراكز ثقل تنظيم الإخوان فى مصر والسعودية والإمارات فى أغلب الدول العربية، وتجحيم تأثيره ومراقبة تحركات قياداته ومحاصرة أنشطتهم الاقتصادية وما صاحبها من أدوار صنعت نفوذًا مجتمعيًا لرأس المال الإخوانى. وبقيت المملكة الأردنية الهاشمية أكثر الأنظمة العربية صبرًا على جماعة الإخوان المسلمين، وتبنت سياسة دمجهم فى المكون السياسى للدولة، وغضت الحكومة الأردنية الطرف عن حزب «جبهة العمل الإسلامى»، الذى يعرف بأنه الذراع السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين فى الأردن. 

العلاقة الملكية للإخوان

وكانت الجماعة قد توسعت فى أنشطتها تحت غطاء العمل الخيرى، وتسللت داخل البنية المجتمعية، حتى أصبحت جزءًا من المكون السياسى والمدنى فى المملكة، لكنّ ولاءها كان مزدوجًا، رغم أنها تخفى دائمًا إخلاصها للتنظيم العالمى للإخوان ومصالحه وتحالفاته، وأجندته السياسية التى دائما ما ترتبط بمصالح وخدمات مع دول أخرى، فالجماعة منذ نشأتها على يد حسن البنا تلعب دورًا وظيفيًا لصالح الدول التى تدفع وتمول أنشطتها، وهو ليس سرًا، بعد أن كشفت عنه تقارير للعديد من أجهزة المخابرات.

وفى مقال سابق نشره (CNN) الأمريكى، للسياسى والسفير السابق محمد داودية، عضو مجلس الأعيان الأردنى، رصد فيه بالتحليل موجز تاريخ إخوان الأردن خاصة فى عهد الملك الراحل الحسين بن طلال (والد الملك الحالي)، حيث ذكر فى مقاله أن «العلاقة بين النظام الأردنى وجماعة الإخوان المسلمين شهدت حالات مد وجزر لا تحصى، وتميزت بانطباق (جدلية الوحدة والصراع) عليها، وخاصة فى العقود الأربعة الأخيرة»، حيث «طغى الموضوع السياسى على الموضوع المطلبى الطبقى المعيشى فى برنامج الجماعة وعلى الهموم الوطنية الأردنية لها إلى منتصف الثمانينيات عندما أخذت الحركة تقارب الانتخابات النيابية والبلدية والمهنية والطلابية وتحقق فيها مكاسب متنامية». 

ويضيف الكاتب الأردنى قائلًا: «كان ثمة صلة متميزة بين الملك الحسين وبين قيادات الجماعة، تفاوتت بين التنسيق وتوزيع الأدوار والتصدى لخصوم النظام وتشكيل مصدات صلبة لحمايته وكذلك الاستعداد للتفاهم وعقد الصفقات والتمتع التام بثمار ذلك». ويختم موضحًا: «ولأن الماء من شكل الإناء ولأن النظام الملكى الهاشمى الأردنى ظل نظامًا متزنًا بعيدًا عن العنف والدم فى إدارة الحياة فى بلاده، فقد ظل الإخوان المسلمون متناسبين فى ردود فعلهم مع طبيعة النظام وخصائصه وتحقق رشد متبادل أدى الى حالة التعايش التى نشهدها والمرشحة للاستمرار طويل المدى».

خسر الإخوان آخر معاقلهم الدافئة، وحاصرت الشرطة الأردنية مقارهم وصادرت أموالهم وتطارد أعضاءهم، فى مشهد كان قبل أسابيع يصعب تخيله على أعضاء جماعة رسخت من وجودها فى مفاصل الدولة الأردنية، بحيث أصبح اقتلاعها من جذورها دربًا من دروب الخيال، وظنى أن هذا التعامل الغاشم الذى اضطرت إليه الحكومة الأردنية لن يمر بسهولة على جماعة عتية وعتيدة فى العنف والإجرام. 

ويبقى السؤال معلقًا، هل ستكون نهاية (إخوان الأردن)، الصفحة الأخيرة فى ملف الإخوان المسلمين؟، منطقتنا حبلى بكل الاحتمالات، وتستوعب أقوى التغييرات، فاسحبوا الأقلام واستعدوا، الخرائط القديمة تتلاشى ومن يجيد الرسم (الجيوسياسي) هو ملك الجغرافيا الجديدة.