
رفيق جريش
انتهج أسلوبًا جديدًا فى إدارة الملفات بكل شفافية وحزم البابا فرنسيس أعطى للكنيسة وجهًا أكثر إنسانية وروحانية على البسطاء والفقراء
ظهر هذا الأسقف الآتى من أمريكا اللاتينية فى شرفة كاتدرائية القديس بطرس فى روما طالبًا بركة الشعب له، هذا الأسقف صار توه البابا فرنسيس مفتتحًا عصرًا جديدًا للكنيسة الكاثوليكية ليس فى العقائد ولكن فى الأسلوب، فهو الرجل الآتى من عائلة متواضعة من الأرجنتين من دول العالم الثالث لكى يعطى للكنيسة وجهًا أكثر إنسانية وحنونًا على البسطاء والفقراء والمرضى والمسجونين ربما تكملة ما قد بدأه القديس البابا يوحنا بولس الثانى، هذا الحنو لم يمنعه من اتخاذ مواقف حازمة تجاه الفساد الأخلاقى والمالى الذى كان قد تسرب إلى الإدارة الكنسية ليس فقط فى الفاتيكان ولكن فى الأبرشيات الكاثوليكية فى العالم كله
ولكن فى فجر اليوم الثانى للفصح هذا العام وفى شبه مفاجأة أودع قداسة البابا فرنسيس روحه الطاهرة بعد أن ودع المؤمنين والعالم فى ظهر اليوم السابق، رقد الحبر الأعظم فى السنة التى أعلنها يوبيلية، أى الاحتفال بمرور 2025 سنة على ميلاد السيد المسيح والسنة التى أعلنها سنة «الرجاء» فربما استشعر أن الناس أصبحوا أكثر كآبة وحزنًا ليتمسك الإنسان بالأمل فى حياة أفضل خاصة وسط الحروب السياسية والعسكرية والتجارية التى يُعيشها السياسيون للعالم فى هذه الأيام.
بالنسبة لنا فى مصر سنتذكره لأنه أعاد الدفء للعلاقات الفاتيكانية والأزهر الشريف فور توليه السدة البطرسية فى مارس 2013 كما استقبل قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المصرية فى مايو من نفس العام وكان البابا المصرى فى أيامه الأولى على السدة المرقسية، كما لم يغلق له جفن ففى ليلة 14 - 15 أغسطس 2013 عندما تعرض أكثر من 85 كنيسة ومؤسسة فى مصر للحرق من قبل قوى الشر والتى أرادت أن تبث الفتنة بين أفراد الشعب المصرى الواحد، كذلك كان أول من استقبل السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى نوفمبر 2014 فى الفاتيكان وكذلك لا ننسى زيارته لمصر فى أبريل 2017 وزيارته لمشيخة الأزهر وإلقاء خطاب عن المحبة بين الناس فى القاعة الكبرى للمؤتمرات، ثم توقيعه مع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب وثيقة «الأخوة الإنسانية» فى أبوظبى فى 2019 والتى تُعد وثيقة تاريخية للعلاقات بين الأديان وغيرها من المواقف، كذلك دعوته للتسامح والانفتاح الفكرى والروحى على غير المسيحيين مثل غسل أرجل مسلمين ويهود ومسجونين فى خميس العهد، وتكلم مرارًا وتكرارًا عن تعليم الكنيسة «أن الله لا يحب الخطيئة ولكن يحب ويرحم الخاطئ»، كما صرح مرارًا أن نظرية التطور لا تتعارض مع الأمان والكتاب المقدس لأنه كتاب روحى وليس كتاب علم، كما سمح لأدوار أكبر للنساء فى الإدارة الفاتيكانية وقراءة نصوص الصلوات علنًا فى الكنيسة وعلى سبيل المثال اختار راهبتين حاصلتين على الدكتوراة فى اللاهوت وإدارة الأعمال لرئاسة دائرتين من دوائر الفاتيكان وهذه بمثابة وزارات إذا قُورنت بحكومات مدنية لتكون ثورة غير مسبوقة فى عالم تعود الرجال من رجال الدين على قيادته كما وضع مساعدات نساء فى دوائر أخرى فكان عهدًا جديدًا للنساء فى الكنيسة أن يخرجوا من تواريهن إلى العلن بل إعطائهن مراكز قيادة ليس فقط على مستوى الإدارة العليا للكنيسة ولكن أيضًا على المستوى المحلى. كما حاسب بصرامة رشيدة رجال الدين حتى من أعلى سلطات المتورطين فى اعتداءات جنسية على الأطفال والنساء وسمح بمحاكمتهم فى المحاكم المدنية ومعاقبتهم، هذا كان أسلوب الشفافية الذى اتبعه البابا الراحل، بجانب هذا كلل حبريته حبه للمهمشين والفقراء والبسطاء وعاش مثلهم منذ أن كان رئيس أساقفة بونيس أرنيس فى الأرجنتين رافضًا العيش فى القصر الرسولى مفضلًا أن يقيم فى فندق متواضع مع فريق العمل المرافق له ويتنقل فى سيارة صغيرة غير فاخرة للانتقال ولا يجد غضًا فيه بالاتصال التليفونى الشخصى مع بعض الكهنة مثل كاهن رعية غيره الذى كان على تواصل معه أو الخروج خارج أسوار الفاتيكان لشراء بعض الأشياء مثل الفطرات إلى آخره.
تألم البابا كثيرًا من أجل غزة وقتل الأطفال الأبرياء والنساء والظلم الواقع على الشعب الفلسطينى، وهذا هو الخط الذى تبناه الفاتيكان منذ نكبة 1948 وكانت العلاقات مع الكيان الصهيونى دائمًا متوترة وكان البابا يتصل مرارًا بكنيسة غزة للاطمئنان من الكاهن على شعبه.
اتخذ البابا موقفًا حاسمًا فى الحرب الأوكرانية- الروسية وطالب الرئيس بوتين بالعمل للسلام وتفادى قتل الأبرياء. كذلك طالب الحكومات خاصة الأوروبية الغربية والأمريكية بالرحمة تجاه المهجرين قسرًا من بلادهم لأسباب الحرب الأهلية أو الظلم الاجتماعى أو الفقر بل سكن بعض من العائلات فى مقرات تابعة للفاتيكان وكانت عائلات مسلمة، هكذا كان أسلوب المثلث الرحمات البابا فرنسيس (88 سنة) لذا دُعى «بابا البسطاء»..