
وفاء وصفى
حينما تتحول الأم من «مدرسة» إلى «أذى»..
«الأم مدرسة.. إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق».. هكذا قال شاعرنا الكبير حافظ إبراهيم، فهو كان يرى أهمية إعداد المرأة لدور الأمومة الذى لا يقف فقط عند دور تغذية بطون أطفالها بل يمتد لتغذية عقولهم وأرواحهم والأهم أخلاقهم.
تحدث حافظ إبراهيم عن أهمية إعداد المرأة لتصبح مسئولة مسئولية حقيقية عن تربية أبنائها فتُخرِّج للمجتمع علماء ومهندسين ومدرسين وغيرهم من مختلف المهن، لكن الأهم هو إخراج جيل سوى يعرف ما له وما عليه تجاه مجتمعه وتجاه الآخرين فيصبح لدينا أجيال لديها القدرة على تحمل المسئولية ومواجهة أخطائها وتحمل نتائج أفعالها سواء كانت إيجابية أو سلبية، وتصبح لدينا أمهات سويّات يستكملن مسيرة أمهاتهن فى إخراج أجيال أخرى، وآباء أصحاء يدركون واجباتهم الحقيقية تجاه أطفالهم وزوجاتهم ويستطيعون تحمل المسئولية الملقاة على عاتقهم فأمهاتهم ربينهم على أن يكونوا رجالاً عن حق.
هذه هى الصورة التى كان يريد أن ينقلها «حافظ» حينما قال هذا البيت الشعرى الذى تناقلته الأجيال من بعده من خلال الكتب الدراسية والمناهج العلمية والأقوال المأثورة. لكن للأسف فإن البعض لم يدرك أهمية دور الأم السوى، وهناك مليون خط تحت كلمة «السوى» فابتلى مجتمعنا مع الأسف بنماذج من الأمهات ترى أن دورها كأم هو فى حماية أبنائها بشكل أعمى، مهما فعل ومهما كانت نتيجة أفعاله ومهما كان الأذى الذى تسبب فى إحداثه.
الأزمة الأكبر فى هذه النوعية من الأمهات وهو للأسف نوع أصبح منتشرًا بكثرة حولنا، ليس فى الدفاع فقط عن أبنائها وبناتها بل إنكار ما قام به من خطأ والتصور بأن كل من حوله يريد إيذاء فلذة كبدها دون وجه حق، وفى طريقها لتجميل صورة أبنائها تجدها تكذب وترتكب الكثير من الأخطاء للوصول إلى هدفها وهو إلقاء الذنب الذى ارتكبه أبناؤها على الغير حتى تبرئهم، غير عابئة بالصورة التى تنقلها إلى أبنائها ولا الدروس التى تعلمها لهم، فهى لا تدرك حجم الأذى الذى تفعله فى أبنائها أولا حين يرون أمهاتهم قدوتهم وهى تنكر وتكذب وتشوه الحقائق لتبرئ ساحتهم، فماذا نحن ننتظر من هذه الأجيال بعد ذلك.
هل ننتظر أن نجد أمامنا رجالاً يتحملون مسئولية بيوتهم وأسرهم أم مثل هؤلاء المساكين سيبحثون عن بديل آخر لأمهاتهم لكى تنقذهم من مصاعب الحياة، هل سيكون لدينا رجال قادرون على مواجهة الحياة أم سيبحثون دائما عن من يدافع عنهم ام أنهم لن يجدوا سوى الكذب سبيلا لمواجهة أقدارهم وحياتهم.
وهل سنجد أمهات قادرات على تربية أبنائهن بشكل سوى وسليم أم سنجد من سيتخذ نفس الطريق الذى نشأ عليه سبيلا ونظل فى نفس الدائرة التى تفرخ أجيالاً معطوبة تؤثر فى من حولها.
مثل هذا النموذج لا يسبب أذى لأبنائه فقط بل يصعب دور الأم السوية التى تريد أن تبنى جيلا يعرف مسئولياته وحقوقه وواجباته لأنها بمنتهى البساطة هى تضع أبناءنا طوال الوقت فى مجابهة سلوكيات معطوبة لأشخاص غير مسئولة، الشىء الوحيد الذى تساعدنا فيه هذه الأنماط من الشخصيات الموجودة حولنا بكثرة مع الأسف هو أننا ننشئ رجالا أقوياء أشداء بدأوا المواجهة فى سن مبكرة فيكون لهم فى ذلك دروس مهمة يتعلمون منها.
إننى فى داخلى أشفق على مثل هذا النموذج لأنها لا تدرك حجم الأذى الذى تفعله بيديها فى فلذات أكبادها، فهى تهدم شخصيتهم بنفسها، تجعل منهم «وسام» جديدًا، تساعد على خلق شخص مستعد أن يفعل أى أذى معتمدا على أن هناك من يحميه دائمًا، غير مدركة أنها لن تظل معه طوال العمر وسيأتى يوم صادم له حينما يدرك أنه آن أوان مواجهته لأفعاله وتحمل نتيجتها ولا نعرف ساعتها هل سيكون ما عليه مواجهته يومها سجنا أم فضيحة تطال أهل بيته أم ماذا، لأنه كلما كبر، كبرت معه أفعاله، وكبرت معه طريقة المساءلة.
إن ما يحدث حولنا هو بمثابة «ناقوس خطر» لكل أم ولذلك أدعو كل أم لأجل أولادها أولا.. لا تكونى «أذى»، بل احرصى على أن تكونى «مدرسة».