الأحد 20 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عالم ترامب الموازى ترامب يشعل «حرب التجارة العالمية» الأولى

منذ الأيام الأولى من توليه لفترة رئاسته الثانية، فى 20 يناير الماضى، انهال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بمئات الأوامر التنفيذية المتعاقبة المتسمة «بالجنون» والعجائب فى أغلبها، على رءوس الأمريكيين أولا، ثم على رءوس العالم أجمع. 



وفق محللين، فإن قرارات ترامب «العجائبية» تهدف الى تقليص دور السياسة فى التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلقة، كما أن رئيس البيت الأبيض الذى يتخذ مبدأ «أمريكا أولًا» اتبع تكتيكًا عسكريًا معروفًا بـ«السيطرة السريعة» وهو إنزال الصدمة والترويع باستخدام متلاحق لقوة هائلة تشل قدرة الخصوم على الإدراك وتحطم إرادة الاشتباك لديهم، الهدف منه السيطرة السريعة وبالتالى تحقيق النصر السريع للرئيس ترامب على من يعتبرهم خصومه الداخليين والخارجيين.

 

استراتيجية الرئيس ترامب وهى المستمدة من خطة عمل مفصلة تتجاوز التسعمائة صفحة رعتها مؤسسة «هريتاج» المحافظة، واشترك فى صياغتها عدد كبير من الباحثين والناشطين المعتنقين لأفكار التيارات شديدة المحافظة فى الولايات المتحدة. تكلفة الخطة كانت 22 مليون دولار، وهى نشرت فى سنة 2023 تحت عنوان «تفويض بالقيادة: الوعد المحافظ». وهى خطة تسعى الى أخذ العالم بالقيم وقواعد السلوك التى تريدها للولايات المتحدة وأن تطبقها سواء فى الداخل أو الخارج مع الحلفاء أو الأعداء.

استراتيجة ترامب - هريتاج

فى خطة «هريتاج» نرى تطابقًا واضحًا بينها وبين مبادئ واستراتيجة ترامب ومجموعته من المحافظين الأمريكيين بشكل واضح، فلا يوجد فصل فى هذه الخطة للعالم أو العلاقات الدولية، او المؤسسات العالمية، أو مكان للتعاون الدولى، فهذه الخطة تنصب حول وزارات الحكومة الاتحادية للولايات المتحدة ووكالاتها ومؤسساتها، ما يجب إلغاؤه منها وما ينبغى أن تفعله الباقية لخفض عدد العاملين بها ولإلغاء بعض برامجها، أو لاعتماد جديد منها. دول العالم وأقاليمه يرد ذكرها تحت الوزارات والوكالات والمؤسسات الأمريكية مثل «وزارة الخارجية»، و«وكالة التنمية الأمريكية»، و«الوكالة الأمريكية لوسائط الاتصال العالمية». التعامل مع العالم يستشف بشكل خاص من الفقرات المخصصة للمنظمات الدولية.

على سبيل المثال الصين موجودة فى الخطة كلها فهى المنافس للولايات المتحدة والخطر الرئيسى على مصالحها وتصدرها للمشهد العالمى. الدعوة تتخلل الخطة بضرورة أن تكون مواجهة الصين معيارًا لأى فعل يصدر عن الوزارات والوكالات والمؤسسات الأمريكية. أما روسيا فثمة منظوران لها، فى واحد منهما هى خصم يجب التحوط منه والاستعداد لمواجهته، وفى الآخر هى حليف يمكن استمالته للاستفادة من إمكانياته فى مواجهة الصين.

ليس  فى عالم ترامب والمحافظين الأمريكيين مكان للتعاون الدولى. الصراع هو أصل العلاقات بين الدول، وهو صراع يجب أن تنتصر فيه الولايات المتحدة. كل الوزارات والوكالات والمؤسسات يجب أن تكرس جهودها لتحقيق هذا الانتصار وأن تكف عن التعبير عن أى تفهم لحجج الآخرين. فى هذا التفهم مضيعة لموارد دافعى الضرائب الأمريكيين، وهو يخصم من قدرة الولايات المتحدة على تحقيق نصرها المنشود.

عضوية المنظمات الدولية يمكن أن تكون مفيدة طالما كانت هذه المنظمات «أدوات لتحقيق المصالح الأمريكية». إن لم تفعل هذه المنظمات ذلك، وإن هى انتهكت حقوق الإنسان أو روجت لما تدعى أنها حقوق وهى ليست كذلك، فعلى الولايات المتحدة أن توقف تمويلها لها بل وأن تنسحب منها. 

خطة عمل مؤسسة «هريتاج» صبت جام غضبها على منظمة الصحة العالمية وعلى المجلس الدولى لحقوق الإنسان. لا يلتفت واضعو خطة مؤسسة «هريتاج» إلى أن التنظيم الدولى نشأ لتحقيق مصلحة المجتمع الدولى برمته وإلى أن مصلحة كل دولة مستمدة من المصلحة الجماعية فى السلم والتقدم الاقتصادى والاجتماعى والثقافى. وهم يتجاهلون أنه على الرغم من الفلسفة الكامنة فى التنظيم الدولى، فالواقع هو أن الولايات المتحدة هى أكبر المستفيدين منه فهى دائمًا على قمة النظام الدولى.

اما فى الاقتصاد فكانت عاصفة ترامب التجارية هى الضربة القاضية التى يسعى من خلالها كسب المزيد من المليارات من الدول، الحليفة أو العدائية، فهى خطوة لن ينجو منها إلا كل من يذهب لتقبيل يد ترامب «على حد تعبيره»

تعريفات ترامب «التعجزية»

تضيف رسوم ترامب الجمركية تعريفة جديدة بنسبة %10 على جميع السلع المستوردة تقريبًا من جميع الشركاء التجاريين، فضلًا عن فرض تعريفات جمركية متبادلة على الواردات من عشرات البلدان.

وبالنسبة للواردات من الاتحاد الأوروبى، ستفرض الولايات المتحدة تعريفة جمركية جديدة بنسبة %20.

وبالنسبة للدول الفردية المدرجة فى القائمة، تختلف الرسوم: الصين 34 %، اليابان %24، فيتنام %46، كوريا الجنوبية %26، وتايوان %32.

وبالنسبة للصين، فإن نسبة %34 تضاف إلى المعدلات الحالية من الجمارك، ما يعنى أن السلع الصينية ستخضع لتعريفات جمركية تصل إلى %54.

كما ستُفرض تعريفة جمركية إضافية بنسبة %32 على البضائع القادمة من سويسرا و%17 على إسرائيل و%27 على الهند. أما روسيا وأوكرانيا، فليستا على قائمة التعريفات الجمركية المتبادلة.

وتتمتع بعض الأجهزة الطبية وأشباه الموصلات والأدوية والذهب أيضًا، حتى الآن، بإعفاء من الرسوم الجمركية المتبادلة.

وكان يفترض أن تدخل التعريفات الجمركية الأساسية البالغة %10 حيز التنفيذ فى الخامس من أبريل الجارى، قبل تعليقها من قبل ترامب 90 يومًا فى حين أن هذا التعليق يمثل مهلة مؤقتة لدول مثل كندا والمكسيك وكوريا الجنوبية واليابان، والتى كانت تواجه فى السابق رسومًا جمركية أعلى، كما اتجهت بعض الدول للتوصل الى اتفاقيات فردية مع إدارة ترامب لخفض هذه التعريفات منها فيتنام واليابان وكوريا الجنوبية وإسرائيل.

وتأتى الرسوم الجمركية الجديدة إلى جانب التعريفات الجمركية الحالية التى تفرضها الولايات المتحدة بالفعل على الصين والرسوم المفروضة على الصلب والألومنيوم والسيارات لتصل الضريبة المفروضة على المنتجات الصينية فقط الى %125.

أهداف ترامب

وفق تحليل لصحيفة «واشنطن بوست»، أوضح أن أهداف ترامب الغامضة عملت على قلب موازين التجارة العالمية، وإن هناك غموضًا حول الأهداف التى يريد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تحقيقها عالميا، لا سيما مع خطط الرسوم الجمركية.

ووفقا للصحيفة، لا يزال هناك غموض كبير حول الشكل المتوقع لاتجاه ترامب خاصة بعد إعلانه عن التواصل مع أكثر من سبعين دولة فى جولة مفاوضات منفردة لتحديد قيمة التعريفات الخاصة بها، إلا ان أهداف ترامب فى فرض التعريفات بهذه النسب المرتفعة ثم تعليقها لثلاثة أشهر، عجز حتى بعض مستشارى ترامب فى التعرف أو فهم ماذا يريده رئيس الولايات المتحدة.

على سبيل المثال، أكد ترامب مرارًا أنه يريد سد العجز التجارى الأمريكى مع الدول الأخرى، وقد لاقت هذه الفكرة انتقادات لاذعة من الاقتصاديين الليبراليين والمحافظين على حد سواء؛ إذ لا يعقل أن تصدر الولايات المتحدة إلى الدول الفقيرة بقدر ما تستورد، بل إن مجرد محاولة القيام بذلك قد يكون مرهقًا ومن المُحتمل أن يرضى ترامب بصفقات تضيق هذا العجز من خلال اتفاقيات تُلزم الولايات المتحدة ببيع المزيد لهذه الدول.

لكن هذا سيبقى على ضبابية معالم المفاوضات مع الاقتصادات المتقدمة التى تتمتع بفوائض تجارية مع الولايات المتحدة، مثل أستراليا وبريطانيا، كما أن الصفقات التى توافق فيها الدول الأجنبية على شراء المزيد من المنتجات الأمريكية الصنع لن تحقق التوازن التجارى العالمى الذى يسعى إليه ترامب، والذى غذته فى المقام الأول الممارسات التجارية لعدد قليل من الدول ذات الصادرات الكبيرة.

وكان الأمر الأكثر إرباكًا لبعض المسئولين الأجانب والأمريكيين هو تعليقات مساعد البيت الأبيض، بيتر نافارو، التى انتقد فيها استثمار شركة صناعة السيارات الألمانية BMW بمليارات الدولارات فى مصنع بولاية كارولينا الجنوبية، ووصفه بأنه «سيئ لأمريكا». ويبدو أن هذا المصنع يعكس بدقة نوعية التصنيع الأمريكى الذى يطالب به ترامب منذ سنوات.

ونقلت «واشنطن بوست» عن دوج هولتز-إيكين، رئيس منتدى العمل الأمريكى، وهو مركز أبحاث يمين الوسط يشكك فى تعريفات ترامب الجمركية: «ليس لدينا أدنى فكرة عما يريدونه من الدول الأخرى، والأسوأ من ذلك أن الدول الأخرى لا تعرف ما يريده ترامب منها»، مضيفا: «لا أعرف كيف تُجرى المفاوضات فى ظل هذه الظروف».

وقال دبلوماسى كبير من أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة إنه فى الأيام التى أعقبت إعلان التعريفات الجمركية فى حديقة الورود، لم يبد البيت الأبيض أى رد بشأن ما يمكن تقديمه لخفض التعريفات، والآن بعد أن تم إيقاف الرسوم الجمركية الأعلى، يبدو أن مسئولى ترامب مستعدون أخيرًا لإجراء مفاوضات طبيعية بدلًا من مجرد المطالبة بالتنازلات دون عرض، إنه لا يقدم أى شيء فى المقابل، لكن لا يزال من غير الواضح تمامًا كيف يريد البيت الأبيض المضى قدمًا، وفقًا للدبلوماسى.

وأوضح ريتشارد موخيكا، المحامى التجارى فى شركة ميلر وشيفالييه، والذى عمل سابقًا فى إدارة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية: «أعتقد أن الصين هى محور الاهتمام الرئيسي»، مضيفًا إنه يتوقع أن تتوصل المكسيك إلى اتفاق مع الولايات المتحدة جزئيًا من خلال الموافقة على الحد من واردات المنتجات الصينية المنشأ: «سيكون ذلك متوافقًا تمامًا مع فكرة زيادة وصول المنتجات الأمريكية إلى أسواق الدول الأخرى، وكذلك الحد من وصول المنتجات الصينية إلى الولايات المتحدة».

بينما قالت سارة بيانكى، ثانى أكبر مسئولة تجارية خلال إدارة بايدن، والتى تشغل الآن منصب المدير الإدارى الأول فى شركة إيفركور آى إس آي: إن العديد من هذه الدول ليس لديها حافز يُذكر لمعاداة بكين، لا سيما بعد أن أحدثت تهديدات ترامب الأحادية الجانب بفرض رسوم جمركية فوضى عالمية.

أراضى الحلفاء ورقة ضغط على الصين

وعلى صعيد متصل، نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريرًا غامضًا بعض الشىء، اذا أوضحت الصحيفة الأمريكية أن إدارة ترامب تخطط لاستغلال مفاوضات التعريفات الجمركية الجارية للضغط على شركاء الولايات المتحدة التجاريين للحد من تعاملاتهم مع الصين.

وأضاف التقرير إن المسئولين الأمريكيين يعتزمون استخدام المفاوضات مع أكثر من 70 دولة لمطالبتها بمنع الصين من شحن البضائع عبر أراضيها.

كما تابع أن المسئولين يخططون لمنع الشركات الصينية من التواجد فى أراضى تلك الدول لتجنب التعريفات الجمركية الأميركية.

أمريكا.. الضحية الأولى

يرى مراقبون، أن خطوة ترامب تعتبر بمثابة «القفز فى المجهول»، حيث أنه من المستحيل فى الوقت الحالى تقدير جميع التأثيرات التى ستخلفها هذه التعريفات الجمركية على الولايات المتحدة وشركائها التجاريين، لكن أغلب المراقبين يقولون إن النمو الاقتصادى سيكون بطيئًا ولن يكون هناك رابحون حقيقيون.

 

وربما يستغرق الأمر سنوات عديدة حتى نتمكن من تحديد بعض العواقب غير المقصودة لهذه السياسات الاقتصادية.

ومن شأن إخراج الولايات المتحدة من التوازنات التجارية الطبيعية، أو جعلها شريكًا أقل جاذبية، أن يؤدى إلى نشوء تحالفات سياسية واقتصادية جديدة. وبدأت كندا بالفعل فى النظر إلى الاتحاد الأوروبى باعتباره شريكًا أكثر موثوقية. وقد يميل الاتحاد الأوروبى أو المكسيك نحو الصين. ومن جانبها، أعلنت اليابان وكوريا الجنوبية والصين عن توثيق التعاون البينى فى الجوانب الاقتصادية.

والأمر الأكثر إلحاحًا الآن هو أن المستهلكين الأمريكيين سوف يعانون بسبب قيام الشركات برفع أسعار السلع المستوردة. وسيكون الأمريكيون الأكثر فقرًا، ممن ينفقون جزءًا أكبر من دخلهم على السلع الأساسية، الأكثر تأثرًا بارتفاع الأسعار. وقد يؤدى ارتفاع الأسعار إلى ارتفاع معدلات التضخم.

ومن المرجح أن تقوم الدول المتضررة من الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة بالرد بفرض رسومها الجمركية على السلع الأمريكية، وهو ما قد يؤدى إلى فرض المزيد من الرسوم الجمركية الأمريكية. وبناءً على مدى الألم الذى قد تتحمله هذه البلدان، فإن هذا الانتقام قد يتصاعد بسرعة إلى حرب تجارية أوسع نطاقًا.