الحكومات بين خيارى التهدئة والتهديد استجابة دول العالم لرسوم «ترامب» الجمركية

آلاء شوقى
بين ليلة وضحاها.. توالت ردود الفعل الدولية على قرار الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» بفرض رسوم جمركية بالتنديد تارة، والتهديد تارة أخرى من قبل كافة الدول المنافسة والصديقة للولايات المتحدة على حد سواء، فمنها من تلقت الصفعة الأمريكية ورد عليها – أو تحاول الرد- بأخرى، ومنها من تسعى للتفاوض مع «واشنطن» لتهدئة وطأة القرار أو تخفيفه والوصول لمنطقة حيادية. وبعيدًا عن الشد والجذب بين «الولايات المتحدة» والدول التى فرضت فيها الرسوم الجمركية، فأوضح عدد من المحللين الاقتصاديين أن تلك الرسوم ذات تأثير واضح على تلك الدول بنسب متفاوتة؛ ما دفع كل منها لاتخاذ قرارات وإجراءات مختلفة للتعامل مع تحركات «واشنطن».
الاتحاد الأوروبى
انتقدت رئيسة المفوضية الأوروبية «فون دير لاين» فرض التعريفات الجمركية، متعهدة بأن تظل «أوروبا» موحدة؛ فيما دعا الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون» شركات «الاتحاد الأوروبى» للتوقف عن الاستثمار فى «الولايات المتحدة»؛ بينما وصفت رئيسة الوزراء الإيطالية «جورجيا ميلونى» التعريفات بأنها (خاطئة)، داعية لبذل جهود لتجنب حرب تجارية.
وجاء ذلك، بعد تعرض الكتلة الأوروبية لصدمة مزدوجة (صدمةً اقتصاديةً، وأخرى سياسيةً). فمن الناحية الاقتصادية، سيؤثر فرض رسوم جمركية متبادلة بنسبة %20 على تجارة السلع والخدمات بين «الولايات المتحدة»، و«الاتحاد الأوروبى»، بما يُعادل تريليونى دولار، مما يُلغى ما يصل إلى %0.3 من توقعات نمو الناتج المحلى الإجمالى لمنطقة اليورو خلال العامين المقبلين، وفقًا للتقديرات الأولية.
ومن الناحية السياسية، تُضاف رسوم «ترامب» الجمركية إلى قائمةٍ متزايدةٍ من الإجراءات السياسية التى اتخذتها هذه الإدارة الأمريكية، والتى يبدو أنها تُهدد وتُقوّض مصداقية «الولايات المتحدة» والثقة بها، باعتبارها أقدم حليفٍ للقارة العجوز.
ومع ذلك، لم يحدد «الاتحاد الأوروبى» كيفية ردّه حتى الآن. ويتوقع محللون اقتصاديون أن يكون رد فعل «أوروبا» على مرحلتين؛ المرحلة الأولى: هى إعادة فرض الرسوم الجمركية المعلقة سابقًا على الصلب والألومنيوم، ورسوم جمركية انتقامية على صادرات أمريكية محددة القطاعات، وحساسة سياسيًا؛ أما المرحلة الثانية: قد تكمن فى رد المفوضية الأوروبية بحزمة أخرى قد تستهدف الخدمات الرقمية والمالية، وهو مجال تتمتع فيه «الولايات المتحدة» بفائض تجارى.
الصين
تعهدت «الصين» بعدم الرضوخ -لما وصفته- بابتزاز «الولايات المتحدة»، فى الوقت الذى انعدمت فيه مؤشرات على انحسار حرب تجارية عالمية، وفرض «ترامب» رسومًا جمركية بنسبة %20 بذريعة تجارة مخدر «الفنتانيل»، ثم فُرض عليها رسومًا جمركية متبادلة بنسبة %34، ثم رسومًا جمركية إضافية بنسبة %50 بعد ردها على الرسوم الأمريكية الأخيرة، ليصبح الإجمالى المفروض على «الصين» %104.
كانت «بكين» أطلقت –بالفعل- أولى هجماتها الانتقامية ردًا على الرسوم الجمركية الضخمة الجديدة. فبعد أن أضافت «الولايات المتحدة» تعريفة جمركية بنسبة %34 على جميع الواردات الصينية، ردت «الصين» بإضافة تعريفة جمركية بنسبة %34 على السلع التى تستوردها من «الولايات المتحدة».
ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ حظرت «بكين» تصدير 16 عنصرًا من العناصر الأرضية النادرة إلى الشركات الأمريكية، وأدرجت 11 شركة أمريكية على (قائمة الكيانات غير الموثوقة)، مما منع هذه الشركات – فعليًا - من التعامل مع «الصين».
على كل، أوضحت التقديرات الفورية لتداعيات صدمة الرسوم الجمركية أن نمو «الصين» سيتباطأ بنسبة تتراوح بين %1 و%2.5، مع انخفاض حاد فى الصادرات إلى «الولايات المتحدة» يصل إلى %80. وربما يزيد إعلان «بكين» عن رسوم جمركية صارمة على السلع الأمريكية من غموض هذه التوقعات.
ومع ذلك، أعلنت «بكين» استعدادها للحوار، لكنها ترفض التفاوض تحت الضغط؛ فيما يرى محللون أن القادة الصينيين يعتقدون أن المواجهة مع إدارة ترامب حتمية.
الهند
قد لا تواجه «الهند» تهديدات جدية، أو فورية بالنسبة لصادراتها الرئيسية للولايات المتحدة؛ خاصة وأن التعريفات الجمركية الأمريكية فرضت بنسبة أعلى على العديد من منافسى «الهند» الرئيسيين فى قطاع المنسوجات، بما فى ذلك: «بنجلاديش» بنسبة %37، و«سريلانكا» بنسبة %44، و«باكستان» بنسبة %29، و«فيتنام» بنسبة %46، و«تايلاند» بنسبة %36.
وعليه، يتوقع المحللون السياسون أن يتجه اهتمام «نيودلهى» إلى جهود التفاوض على اتفاقية تجارية ثنائية؛ مرجحين أنه يمكن للهند التوصل لاتفاق مؤقت خلال الأشهر المقبلة، يمنحها بعض الإعفاءات الجمركية.
كما توقع محللون آخرون أن باحتمالية إتمام الدفعة الأولى من الاتفاقية التجارية الثنائية بحلول الخريف، عندما قد يزور «ترامب» «الهند»، وهى اتفاقية ربما تمتد مفاوضاتها إلى اتفاقية شاملة بحلول عام 2026، وربما حتى عام 2027.
إندونيسيا
بشكل عام، تعد التجارة ليست مجرد قضية اقتصادية فى منطقة جنوب شرق «آسيا»، بل هى مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالقضايا الأمنية فى المنطقة، وتعتبر حتميةً أمنية لبعض الحكومات التى تحتاج إلى استدامة نمو اقتصادى قوى، للحفاظ على الاستقرار المحلى، وتحسين سبل عيش سكانها الشباب المتزايدين؛ وهو ما ينطبق على دولة مثل «إندونيسيا».
يتوقع المحللون الاقتصاديون ظهور التأثير النهائى للرسوم الجمركية على «إندونيسيا» خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة. ومع ذلك، أوضحوا – فى الوقت ذاته - أن التأثير الأكبر للرسوم سيظهر فى مسار المنافسة الجيوسياسية بين «الولايات المتحدة»، و«الصين» فى منطقة جنوب شرق «آسيا»، التى تقع على الخطوط الأمامية للتنافس على النفوذ بين أقوى دولتين فى العالم.
ففى الوقت الذى تسعى فيه «جاكرتا» إلى علاقات تجارية أوثق مع «واشنطن»، إلا أنها لا ترى «الولايات المتحدة» الخيار الوحيد أمامها مثلما يرى نظراؤها الإقليميون، إذ من المتوقع أن تسعى «إندونيسيا» إلى خلق مجموعة متنوعة من العلاقات التجارية مع شركاء آخرين، بما فى ذلك: «الصين»، و«أوروبا».
البرازيل
لم تكن «أمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبى» بمنأى عن رسوم «ترامب» الأساسية البالغة %10، والتى شملت - أيضًا ـ «البرازيل»، التى ردت على الرسوم الجمركية الأمريكية بأسلوب مألوف دبلوماسيًا ومتزنًا، حيث أبدت الحكومة البرازيلية استعدادها للتفاوض مع إبقاء خيار حل النزاعات عبر منظمة التجارة العالمية مطروحًا.
قد تُشكّل الرسوم الجمركية الأمريكية على الصلب والألمونيوم مصدر قلق أكثر إلحاحًا بالنسبة إلى «برازيليا».. ففى عام 2024 وحده، صدّرت «البرازيل» أكثر من 5 مليارات و700 مليون دولار من الصلب والحديد، بالإضافة إلى 267 مليون دولار من الألومنيوم إلى «الولايات المتحدة»، مما يجعل هذه القطاعات أكثر عرضة للقيود التجارية.
وعليه، من المتوقع أن تسعى «البرازيل» إلى التفاوض مع «الولايات المتحدة».
كولومبيا
خرجت «كولومبيا» سالمةً نسبيًا من إعلان الرسوم الجمركية الأمريكة؛ إذ تُعانى «كولومبيا» -حاليًا من عجز تجارى مع «الولايات المتحدة» يتجاوز 1.2 مليار دولار، مما يجعلها أقل أولوية لدى إدارة «ترامب» فى سعيها لتحقيق التوازن فى العلاقات التجارية.
من جانبه، تجنب الرئيس الكولومبى «جوستافو بيترو» -حتى الآن- أى تهديدات بالانتقام؛ إلا أن آفاق العلاقات التجارية بين البلدين لا تزال متذبذبة هذا العام، فى ظل اختبارين مهمين، وهما: اهتمام «بيترو» بالانضمام إلى مبادرة (الحزام والطريق) الصينية، واحتمال سحب (البيت الأبيض) اعتماد «كولومبيا» كشريك فى مكافحة المخدرات.
كينيا
تعد «كينيا» من أبرز المستفيدين من (قانون النمو والفرص) - أحد القوانين التجارية التى أقرها الكونجرس الأمريكى عام 2000، بهدف تحفيز المصنعين الأفارقة، عبر السماح لأكثر من 1800 منتج أفريقى للوصول إلى الأسواق الأمريكية من دون ضرائب - فى «إفريقيا»، لا سيما فى قطاع الملابس.
ومع رسوم «ترامب» قد يتغير المشهد بنسبة كبيرة مما يثير مخاوف بشأن الاستقرار الاقتصادى وفقدان الوظائف؛ فعلى سبيل المثال بلغت قيمة صادرات «كينيا» من الملابس إلى «الولايات المتحدة» 510 ملايين دولار فى عام 2023، مما دعم آلاف الوظائف؛ وهو ما قد يواجه تهديدًا حقيقيًا مع الرسوم الأمريكية لهذا القطاع الحيوى.
وعليه، أشار المحللون الاقتصاديون إلى ضرورة تنويع «كينيا» لشراكاتها التجارية، وتعزيز جهودها الدبلوماسية، للتخفيف من هذه المخاطر.
ليسوتو
تعتمد هذه الدولة الأفريقية الصغيرة اعتمادًا كبيرًا على صادرات المنسوجات إلى «الولايات المتحدة» بموجب (قانون النمو والفرص فى أفريقيا).
ففى العام الماضى، صدّرت «ليسوتو» سلعًا بقيمة 237.3 مليون دولار أمريكى إلى «الولايات المتحدة». والآن، تواجه البلاد تعريفة جمركية بنسبة %50، ما قد يؤثر على نحو 30 ألف وظيفة فى صناعة المنسوجات بشكل مباشر، بالإضافة إلى العديد من الوظائف الأخرى المرتبطة بهذه الصناعة بشكل غير مباشر.