
أحمد إمبابى
من يضغط على مصر؟
حملات ممنهجة من التشكيك والتشويه للدولة المصرية.. لماذا الآن؟
أريد أن أخاطب أولئك الذين لا يزالون لا يرون في كثيرٍ مما يحدث في المنطقة - خلال الأشهر الماضية - استهدافًا منظمًا لمصر ومؤسساتها.. وأريد أن أناقش أولئك الذين تضيق صدورهم بحديث الاستهداف الخارجى، ومخطط إشاعة الفوضى داخليًّا.. وأريد الحديث إلى الذين يستهويهم «لهو» السوشيال ميديا ومنصات التواصل الاجتماعى، بما فيها من تشكيك، ومزايدات ومساومات، ويغضون أبصارهم وعقولهم عن الحقائق التى لا تنكرها أى عيون منصفة.
إلى هؤلاء وغيرهم، نطرح أولًا تساؤلات يفرضها منطق أى متقصٍ لحقيقة ما يحدث من تطورات في المنطقة، ليس فقط للحديث عن أسباب حملات التشويه والتشكيك الأخيرة، في الدور المصري بغزة؟، لكن أيضًا، من يقف خلف كل هذا الاستهداف؟، ولماذا الآن هذا الضغط؟، وهل الأمر يتعلق بالضغط واستهداف مصر بسبب مواقفها الصلبة، الداعمة للقضية الفلسطينية، وأهمها رفض كل دعوات وصور التهجير؟.
لا نبالغ فى طرح هذه التساؤلات، وبينما محاولات هندسة الفوضى والاضطراب الداخلى لم تتوقف خلال الأسابيع الأخيرة، بداية من سيناريو «قافلة صمود» المريبة بعناصرها، وما تبعها من ظهور لتدريبات تنظيم «حسم الإرهابي» متوعدًا بعمليات داخل مصر، ومع إفشال إحدى محاولاته الداخلية، سرعان ما ظهرت دعوات كوادره الهاربة فى الخارج، للتحريض ضد السفارات المصرية بالخارج، وبالتزامن تتكاثر أبواق التشكيك والدعاية المسيئة لمؤسسات الدولة؛ خصوصا المؤسسة الأمنية، وأيضًا لموقف مصر الداعم لغزة وشعبها، بمزاعم أنها من تمنع المساعدات عن القطاع، رغم أن الحقائق بيّنة، ولا تخطئها العيون المنصفة.
والواقع أننا لا نستطيع أن نفصل كل هذه الشواهد عن بعضها، فإذا كان الرابط في الهدف وهو استهداف الداخل المصري وتأليب الرأى العام داخليًا وخارجيًا بدعاية كاذبة تسىء للدور المصري، فإن كثيرًا مما يحدث تحركه نفس الأطراف، لاسيما التنظيمات المعادية للدولة، خصوصًا الإخوان الإرهابية ومن يحركهم.
هندسة الفوضى
وإذا كنا نتحدث عن استهداف ومخطط، تتعرض له الدولة المصرية، فيجب الحديث عن شواهد هذا الاستهداف والأطراف التي تقف خلفه، حتى نستطيع تقدير خطورة ما يحدث لإثارة فوضى داخلية، وهنا نتوقف أولًا أمام شواهد ما يحدث خلال الأسابيع الأخيرة: > ظل الموقف المصري «الشريف» تجاه العدوان الذي يتعرض له قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر 2023، موضع مزايدة ومساعى تشويه من أطراف عديدة، ورغم ذلك، كان النهج الذي اتبعه نشطاء أجانب، في تسيير قوافل لفك الحصار عن غزة، مختلفًا في الطريقة التي يراد بها إحراج الدولة، فتحت ستار «قافلة صمود»، أطلق عناصر، اتضحت علاقتهم بتنظيم الإخوان الإرهابي في أوروبا ودول المغرب العربي، قافلة دعم لغزة تخرج من تونس مرورًا بليبيا، بهدف الدخول لمصر، على أن تنضم عناصر أجنبية تصل جوًا مع عناصر من الداخل المصري، إلى معبر رفح الحدودى.
كانت فكرة القافلة مريبة فى كل تفاصيلها، بداية من العناصر المشاركة فيها من دول عربية وأوروبية، والرابط بينهم، وطريقة دخولهم البلاد، جوًا وبرًا، وأيضا في غايتهم من التوجه لسيناء على الشريط الحدودى مع غزة، والأهم إصرارهم على التوجه للحدود المصرية، رغم رفض السلطات المصرية عبور القافلة قبلها بعشرة أيام، ومع احتشاد عناصر أجنبية عند نقاط تفتيش بمدينة الإسماعيلية، بعد دخولهم البلاد بتأشيرات سياحية، نجد أن القضية أبعد من تسجيل موقف داعم للفلسطينيين، وإنما الهدف هو مصر!.
مع تعامل السلطات المصرية، مع عناصر تلك القافلة بصيغة احترافية، تحفظ سيادتها وأمنها، خرجت «أبواق» التنظيم الإرهابى، في الخارج وعبر قنواتهم ومنصاتهم على السوشيال ميديا، للمتاجرة بمعاناة الفلسطينيين في غزة، والادعاء كذبًا أن ما يتعرضون له من حصار، سببه غلق معبر رفح من مصر، وغضوا الطرف عن كل الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلى من حرب تجويع وإبادة وتدمير للقطاع.
ولم تتوقف مزايدات أبواق الإخوان الإرهابية، على واحد من أكثر مواقف الدولة المصرية شرفًا، وهو الموقف الداعم للقضية الفلسطينية ولحقوق الفلسطينيين في غزة، وواصلوا دعايتهم بمزاعم تتحدث عن منع المساعدات من الجانب المصرى، رغم أن الحقائق الثابتة والمعترف بها أمميًا، أن أكثر من %70 من المساعدات إلى القطاع مقدمة من مصر، وأن آلاف الشاحنات تصطف أمام المعبر، دون السماح لها من الجانب الإسرائيلى الذي يسيطر على المعبر من الجانب الفلسطينى.
والأكثر من ذلك، حينما سُمح بدخول المساعدات الأسبوع الماضى، سرعان ما قام الاحتلال الإسرائيلي بتدمير المساعدات، وإعاقة وصول شاحنات أخرى، فى مشاهد رآها العالم أجمع، إلا «أعين الكاذبين والمدلسين»، من أبواق الإخوان الإرهابية، في مشهد يعكس مدى «الحرب الإعلامية» التي تستهدف بث دعاية كاذبة ضد الدولة ومؤسساتها، ولتوجيه الرأى العام لصالح أطراف بعينها.
ووسط حملات التشكيك والتشويه، يظهر التنظيم المسلح لجماعة الإخوان الإرهابية، وهو تنظيم «حسم»، في مقطع فيديو لعناصره داخل معسكرات تدريب في مناطق صحراوية بأحد البلدان المجاورة، يعلن فيه العودة لمشاهد الفوضى والعنف في مصر مرة أخرى، رغم تفكيك خلايا هذا التنظيم داخل مصر منذ سنوات.
غير أن مخطط هذا التنظيم، الذي يدير نشاطه من الخارج، للعودة للعنف مرة أخرى في الداخل، أثبته بيان وزارة الداخلية في 20 يوليو 2025، حينما كشفت عن ضربة استباقية لإحباط محاولة الإخوان لإعادة مشاهد الفوضى داخليًّا، بعمليات عدائية تستهدف المنشآت الأمنية والاقتصادية، من خلال أحد عناصرها الذى تسلل للبلاد بصورة غير شرعية.
> بإحباط الأجهزة الأمنية مخطط حركة حسم الإرهابية في الداخل، اتجهت لمخطط عدائي آخر، بإطلاق قيادات التنظيم في الخارج، دعوات لمحاصرة السفارات والقنصليات المصرية، بدعوى فك الحصار عن غزة، إذ ظهرت دعوات قيادات التنظيم، وعلى رأسهم يحيى السيد موسى، المشرف على الهيكل المسلح والعسكرى لحركة «حسم»، لحصار السفارات المصرية بالخارج.
وجاءت دعوات الإرهابي يحيى موسى، عبر «مؤسسة ميدان» التي أنشأتها الجماعة تحت ستار العمل الثورى، بالتحريض على حصار مليون مصرى بالخارج السفارات والقنصليات المصرية لتعطيل العمل بها ومنع دخول وخروج موظفيها، بدعوى الضغط لفتح معبر رفح وإدخال المساعدات.
ما نتحدث عنه، وقائع مثبتة، وليست نكتة قبيحة.. وقائع تعكس مدى عداء التنظيم الإرهابي للدولة المصرية، ليوجه دعوات لمحاصرة السفارات المصرية، بدلًا من أن يوجهها لمحاصرة الجانى الحقيقى، وهو الاحتلال الإسرائيلى!.
المزايدات مستمرة
ووسط هذه الممارسات الممنهجة، يخرج قيادي حركة حماس، خليل الحية، الأسبوع الماضي، ليواصل مسلسل التشويه للدور المصري، بادعاءات هو يعلم أنها كاذبة، يزعم فيها أن مصر هي من تمنع المساعدات عن قطاع غزة.
وإذا كنا لا نستطيع أن نفصل حديث «الحية»، عن حملات التشكيك والدعاية الإخوانية التي تسىء للدور المصري تجاه القضية الفلسطينية، فإن المثير فيها أن تتناقض حتى مع مواقف حركة حماس المعلنة رسميًا خلال الأشهر الأخيرة، فمع جولات التفاوض التي شارك فيها ممثلو الحركة بالقاهرة، كانت البيانات الصادرة عن الحركة، تشيد بالدور المصرى في دعم القضية الفلسطينية، ورفع الحصار عن سكان القطاع، ورفض مخططات التهجير.
يتناقض حديث «الحية»، مع بعض مما جاء في بيان حماس، في 9 مارس الماضي، حينما سجلت تقديرها للجهود المصرية، خصوصا في إفشال مخططات التهجير، وبمخرجات القمة العربية الطارئة التي استضافتها مصر في 4 مارس 2025، ولاسيما خطة إعادة إعمار قطاع غزة، كما أبدت موافقتها على تشكيل لجنة إسناد مجتمعي من شخصيات وطنية مستقلة، تتولى إدارة شئون قطاع غزة.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تغير موقف حماس الآن، الذي عبر عنه «الحية»؟ إلا إذا كان يتحدث بلسان طرف آخر غير الحركة!، ولمصلحة من؟، وهل الأمر له علاقة بمواقف حماس في مفاوضات الهدنة ووقف إطلاق النار، التي قيل أنها ترفض التخلي عن إدارة القطاع؟.. كلها تساؤلات تطرح نفسها، خصوصا أن الموقف المصري في دعم القضية والشعب الفلسطيني، من الصعب مقارنته بأدوار أطراف أخرى، والشواهد على ذلك كثيرة، سياسيًّا وأمنيًّا وإنسانيًّا ودبلوماسيًّا.
من المستفيد؟
وإذا كنا نتحدث عن شواهد الحملات الممنهجة ضد الدولة المصرية ومؤسساتها أخيرًا، من المهم الحديث عن الأطراف التي تقف خلفها، وهنا يمكن أن نستند لقاعدة مهمة فى علم الإجرام، تتعلق بالبحث عن المستفيد مما يحدث، حتى نستدل بها على الفاعل.
والواقع أن كل حملات التشويه والاستهداف التي جرت خلال الأيام الأخيرة، لا يمكن فصل أطرافها، خصوصا أن هناك ممارسات يقف خلفها بشكل واضح أذرع تنظيم الإخوان الإرهابية، والتي لا تنفصل عنها حركة حماس بالتأكيد، كجماعة وظيفية، يبدو أنها لا تدرك الفارق بين دعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وبين الانحياز لفصيل بعينه.
وبعيدًا عن متاجرة هذا التنظيم بالقضية الفلسطينية، واستغلاله لحرب الإبادة التي تمارس بحق الفلسطينيين في القطاع، لإثارة الشكوك والأكاذيب تجاه أدوار تاريخية تقوم بها الدولة المصرية، فإن ما يجري ليس بعيدًا أيضا عن أهداف أطراف أخرى، في الإقليم أو خارجه، لم يحلُ لها مواقف مصر الصلبة، الداعمة للقضية الفلسطينية، وهي نفسها الأطراف التي حاولت كثيرًا عبر ضغوط ومساومات للتأثير على الموقف أو القرار المصرى دون جدوى.
الرد في 7 دقائق
الرد المصري على حملات التشويه والتشكيك، كان واضحًَا الأسبوع الماضي، حينما تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي، في كلمة لم تتجاوز مدتها 7 دقائق، فنَّد خلالها ثوابت الموقف المصري والأدوار التي تمارسها مصر بـ«إخلاص» على مدار الأشهر الماضية دفاعًا عن القضية الفلسطينية.
في الكلمة، أشار السيسي، إلى أن مصر لا يمكن أن تقوم بتصرف سلبي تجاه الفلسطينيين، وأن كل أدوارها إيجابية، وتعمل من اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي، على وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، ووضع حل شامل للقضية الفلسطينية بتنفيذ مشروع حل الدولتين، وشدد على أن مصر لم تغلق معبر رفح من جانبها، بل سبق أن أشارت إلى أن قطاع غزة يحتاج من 600 إلى 700 شاحنة يوميًّا.
والأهم من ذلك، تصدت مصر لكل دعوات التهجير، التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وفقًا لتقدير الرئيس السيسى، وبالتالي، جاءت تلك الكلمة لتضع الأمور في نصابها الصحيح، وتنسف كل حملات التشويه والتشكيك التي خرجت طوال الفترة الأخيرة، بحديث الحقيقة.