الأربعاء 16 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الصراع الخفى على موارد الأرض: المليـار الذهبـى: بين نظرية المؤامرة والتخطيط الغربى

فى 7 يونيو 2023، صرّح «جون كيرى» ممثل الرئيس الأمريكى جو بايدن لشئون المناخ بأن العالم لا يمكنه أن يتحمل 10 مليارات نسمة!.. أطلق كيرى هذا التصريح دون استطراد، ولكن المناقشات جارية بالفعل حول العالم بأن الموارد الطبيعية لكوكب الأرض لم تعد كافية أمام موجات الزيادة السكانية، وبينما خبراء السياسة يحاولون وضع تصريح كيرى فى إطاره الموضوعى، رد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بتاريخ 29 سبتمبر 2023 بالقول «نظام المؤسّسات المالية الحديثة يخدم مصالح «المليار الذهبى» فقط وقادة دول المليار الذهبى».



 

هنا فحسب تذكر المراقبون هذا المصطلح وتلك النظرية التى تتردد فى أروقة الغرب منذ عقود؛ بل تعود جذورها إلى عصر التنوير الإنجليزى فى القرن الثامن عشر!

المليار الذهبى ليست نظرية مؤامرة؛ ولكن هى مخاوف لدى الغرب من عدم قدرة الموارد الطبيعية على الإيفاء بحاجات البشر فى ظل الزيادة السكانية، وذهبت بعض جمعيات النخب السرية أو شبكات المصالح الغربية التى تدير حكومات الغرب بأن تنفيذ جوائح وأوبئة ومذابح وكوارث بشكل دورى أمر مهم للتخلص من تلك الزيادة السكانية.

قد يبدو هذا الحديث خرافة، ولكن السطور المقبلة تحمل التوثيق اللازم له، أول من فكر فى عدم قدرة الموارد الطبيعية فى مواكبة الزيادة السكانية هو «كوينتوس سيبتيموس ترتليان»، رجل دين مسيحى فى العصر الرومانى عاش فى القرنين الثانى والثالث ميلاديًا، هو أول من رصد فكرة أن العالم سوف يحارب فى يوم من الأيام من أجل خفض وفرملة الزيادة السكانية.

وفى عصر التنوير الإنجليزى، العالم الإنجليزى توماس روبرت مالتوس عام 1798 أسّس النظرية المالتوسية، وهى عبارة عن عملية حسابية تكشف لنا الزيادة السكانية المتوقعة كل 25 عامًا، وأشار هذا العالم الإنجليزى فى كتاباته إلى أن العالم سوف يدخل فى مجاعة عالمية وفوضى واضطرابات إذا ما استمرت الزيادة السكانية بهذا الشكل.

مالتوس دعا إلى إخراج المرأة للعمل العام حتى يتم تفكيك الشكل التقليدى للأسرة وبالتالى إيقاف الإنجاب، كما دعا إلى حرية الشذوذ الجنسى بين الرجال، فقد كانت رؤية مالتوس أن الحل فى فرملة الزيادة السكانية هو فرملة ممارسة الجنس العائلى بين الزوج والزوجة، وذلك بترغيب المرأة فى العمل العام بدلًا من الزواج، وفى ترغيب الرجل بممارسة اللواط مع الرجل بدلًا من ممارسة الجنس مع المرأة.

وكان لمالتوس أفكار متطرفة فى هذا الشأن وصلت إلى أنه لمّح أن السيد المسيح شجع على الشذوذ الجنسى ورحّب به فى الإنجيل، علمًا بأنه أمر ترفضه العقيدة المسيحية بشكل قاطع.

ومع ذلك لم يظهر مصطلح المليار الذهبى إلا فى الصحافة السوفيتية فى سبعينيات القرن العشرين، وذلك فى الإشارة إلى رصد المخابرات السوفيتية لمخطط غربى يسعى إلى خفض التعداد السكانى لكوكب الأرض إلى مليار نسمة فحسب، وأنه فى إطار هذا المسعى فإن الغرب ينفذ حروب الجوع والفقر والخبز والطعام على دول الكتلة الشرقية والعالم الثالث حتى يظفر بخيرات الكوكب سكان الكتلة الغربية، ما يعنى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلاندا وكندا وأوروبا.. أو مصطلح النخبة الغربية كما رددته الصحافة السوفيتية وقتها.

وفى الساعات الأخيرة من عمر الاتحاد السوفيتى، نشر الخبير الاقتصادى الروسى أناتولى تسيكونوف عام 1990 كتابه الأشهر بعنوان «مؤامرة الحكومة العالمية.. روسيا والمليار الذهبى»، وهكذا أصبح المصطلح له تأصيل ثقافى وأكاديمى.

ولكن المفارقة أن هذا المخطط قد تم فضحه على يد العديد من الأقلام والمفكرين فى الغرب بل فى الولايات المتحدة الأمريكية ومن قبل الصحف السوفيتية أو العالم الروسى أناتولى تسيكونوف، ولكن من دون استخدام مصطلح المليار الذهبى.

عام 1977 صدر كتاب بعنوان «الغذاء أولًا: ما وراء أسطورة الندرة» وصدرت طبعته العربية بعنوان «صناعة الجوع: خرافة الندرة» Food first: Beyond the myth of scarcity

المؤلفة هى الباحثة فرانسيس مورلابيهFrances Moore Lappé الخبيرة الأكاديمية فى الشئون الزراعية والتعاونية والغذائية، وشاركها فى تأليف الكتاب جوزيف كولينز Joseph Collins الخبير فى شئون الشركات متعددة الجنسيات وله كتاب مهم بعنوان «المدى العالمى.. قوة الشركة متعددة الجنسيات».

الكتاب يكشف أن الغرب عبر الشركات متعددة الجنسيات والعابرة للقارات، والبنك الدولى إضافة إلى صندوق النقد الدولى والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)‏، يقوم بعرقلة وفرملة أى دولة خارج نطاق العالم الغربى تسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتى من مواردها أو توظيف مواردها بشكل صحيح فى مشروعها السياسى أو الاقتصادى أو التنموى، وذلك بمحاولة إجبار تلك الدول على تنفيذ إصلاحات سياسية أو اقتصادية إمّا ليبرالية كلاسيكية أو نيوليبرالية مع التشجيع على الاستدانة والاقتراض الدائم من أجل بدء بيع خيرات تلك البلاد إلى الغرب عبر برامج سداد أو مبادلة الديون.

الكتاب يشرح أن التضخم والكوارث الاقتصادية وحروب العملات صناعة غربية بحتة، وأن الغرض هو أن تقوم دول العالم بتصدير أفضل ما لديها إلى الغرب، واستيراد أسوأ ما فى الغرب بدلًا من ذلك.

الكتاب صدر عام 1977 ولم يكن مصطلح العولمة وموبقاتها قد ظهر بكثافة، ولكن الكتاب يشرح على وجه التحديد أجندة العولمة النيوليبرالية الرأسمالية حاليًا.

الكتاب يشرح أن فخ الديون وميراث الاستعمار ليس بالأمر الجديد، وأن الفيلسوف جون ستيوارت ميل قال إن المستعمرات هى مجرد فرع من النظام الزراعى للمركز المستعمر، وإن هذا النمط من الإصلاح السياسى والاقتصادى يعتبر واحدًا من تعريفات ما يطلق عليه «الاستعمار الاقتصادى».

الكتاب يقول- فى العام 1977- إن الرأسمالية بدأت مرحلة الكفاح ضد بقية سكان الكوكب من أجل خفض الزيادة السكانية، والهدف هو استيلاء الغرب على خيرات الشرق، على أن تتركز ثروات العالم فى يد 1 % من نخبة البشر فى الغرب، وهم مَن يطلق عليهم مصطلحات عدة مثل شبكات المصالح الغربية أو جمعيات النخب السرية أو أهل النفوذ وغيرها من المصطلحات التى تشير إلى تجمُّع لمصالح اقتصادية هائلة تحكم الغرب منذ مئات السنين من خلف الستار.

وعلى وقع تلك الكتابات، بدأت الدراسات تخرج واحدة تلو الأخرى، أن الصراع الدولى ليس مجرد صراع نفوذ بين الدول الكبرى، ولكن هنالك نمط سائد بل وهدف مشترك بين الدول الكبرى تم تنفيذه فى جميع مؤتمرات الصلح هو تقاسم النفوذ على حساب دول الكتلة الشرقية والعالم الثالث، وأن صناعة الحروب الأهلية والحروب الإقليمية والأزمات الاقتصادية وحتى الأوبئة والأمراض والأزمات الغرض منه أن تتخلص الدول الكبرى من شبح قيام إمبراطورية أو منافس من الشرق كما حدث مرارًا مع الدولة المصرية وآخرها تجربة محمد على باشا الذى كاد أن يصل إلى قلب الدولة العثمانية وتصبح مصر للمرة الأولى تقع حدودها الشمالية فى أوروبا الشرقية!

وأصبح واضحًا أن الهدف هو تطويق الدول المرشحة للمنافسة والصعود أو التى لديها مقومات الصعود السياسى، وإجهاض تجاربها مبكرًا، وتركها فى حالة ما بين اليقظة والموت، ما بين الصعود والانهيار، فلا هى صعدت من عنق الزجاجة ولا هى سقطت إلى قاع الكوكب، هى فى حالة سعى دائم أبدى من دون نتيجة.

خرج كتاب رأسمالية الكوارث، وعشرات الكتب عن حرب العملات، ومافيا الأوبئة والأدوية، وشبكات نشر الدعارة والإجهاض والمخنثين والمثلية والتحول الجنسى والراديكالية النسوية والبيدوفيليا، وإن جميع تلك الأفكار الليبرالية تحقق مكاسب هائلة لمخازن أباطرة العولمة، كما أن الرابط الوحيد تقريبًا بين جميع تلك الأفكار هو أنها تفرمل الزيادة السكانية وتدمر الشكل النمطى للأسرة والشكل التقليدى للرجل والمرأة والطفل ما يؤدى بدوره إلى فرملة الزيادة السكانية.

ولكن العام 1999 حمل تأكيدًا صريحًا لهذه الأفكار، حيث صدر كتاب تقرير لوجانوThe Lugan Report الذى يضم وثائق لسلسلة من الاجتماعات فحسب.

مؤلف الكتاب هى السيدة سوزان جورج فرنسية من أصول أمريكية، شاركت فى تأسيس معهد أمستردام أو المعهد العابر للحدود الوطنية وهو معهد متخصص فى التحقيق والكشف عن مخططات العولمة..

فى كتابها تقرير لوجانو الموثق، تم رصد سلسلة اجتماعات حصلت فى مدينة لوجانو السويسرية سنة 1996، حضرها أعظم العقول الغربية وقتها فى المخابرات والجيوش والاقتصاد والحروب البيولوجية وخبراء السكان، وتم وقتها اعتماد سيناريو المليار الذهبى بشكل نهائى المتداول اليوم باعتباره مجرد نظرية مؤامرة.

خرجت توصيات من اجتماعات لوجانو إلى جميع حكومات ومؤسّسات وشبكات الغرب، بأنه وبأرقام العام 1996، فإن العالم يزداد سنويًا 81 مليون نسمة، منهم مليون نسمة فحسب فى الكتلة الغربية، وإنه إذا لم يتحرك الغرب فإن الزيادة السكانية العالمية سوف ترتفع من 81 مليون نسمة سنويًا عام 1996 إلى 90 مليون نسمة سنويًا عام 2005 ثم إلى 100 مليون نسمة سنويًا عام 2020.

والحل بحسب اجتماعات لوجانو هو أن التخلص من 100 مليون شخص سنويًا لمدة عشرين عامًا بشرط أن 90 % من الخسائر يجب أن تحدث خارج الكتلة الغربية، ما يعنى أن الغرب قبل أن يتحمل 10 % من الخسائر المخطط لها مقابل أن يحمل باقى العالم 90 % من تلك الخسارة.

وتم تنصيب الصين باعتبارها الهدف الأول فى هذه اللعبة على ضوء أنها الدولة الأعلى تعدادًا فى العالم، الاجتماعات تحدثت أن الصين دولة بوليسية تخفى تعددها الحقيقى الذى يفوق بكثير فكرة المليار والـ 200 مليون نسمة.

وأن الحل لتنفيذ تلك الإبادة المنظمة إلى جانب الحروب والأزمات والثورات الملونة والحروب الأهلية هو تنفيذ جوائح وأوبئة عالمية بشكل منظم.

من قرأ تقرير لوجانو كاملًا فهم اللعبة، وكيف أن القرن العشرين لم يشهد سوى جائحة الإنفلونزا الإسبانية، بينما القرن الحادى والعشرون دون أن يكمل ربعه الأول قد شهد جوائح الإيدز والإيبولا وإنفلونزا البقر والإبل والخنازير وصولًا إلى وباء كوفيد 19 الذى لا يزال بعد ست سنوات من بدايته يواصل استنزاف البشر!

لم يكن هذا هو الاكتشاف الأول للمؤلفة السيدة سوزان جورج، ولكن عام 1976 نُشر أول كتاب لها بعنوان «كيف يموت النصف الآخر: الأسباب الحقيقية للجوع فى العالم» وكتاب «ملوك الظل: كيف تستولى الشركات العالمية على السلطة؟» سنة 2015، وكلاهما يواصل كشف ما كشفته فى كتاب تقرير لوجانو.

ووسط كل أدوات الإبادة من أجل صناعة المليار الذهبى؛ فإن الحرب الثقافية تعد الأخطر؛ لأن الإبادة بالأوبئة والكوارث لا تعلق فى الوعى الجمعى للشعوب، ولكن الأفكار، والحرب النفسية وحروب الوعى والمعنويات، قادرة على تخريب المجتمعات دون أن يتحرك العدو أو أن يطلق رصاصة واحدة.

تطورت الحروب الثقافية مع بداية الحرب الباردة، على ضوء اقتناع أقطاب المعسكرين بصعوبة الذهاب إلى الحرب المباشرة؛ خصوصًا مع تسلح أكابر النظام العالمى بالسلاح النووى، وهكذا تضخمت أدوار الحروب الثقافية والنفسية، وأصبحت حروب الأفكار والأيدولوجيات هى رأس حربة الصراعات الدولية.

العولمة رغم أنها ابنة المعسكر الرأسمالى، ولكنها قررت اقتباس أيدولوجيات يسارية وشيوعية وتقدمية من أجل التمكين فى مفارقة تاريخية، وكان أهم وأخطر ما اقتبسته العولمة أو النظام الغربى وشبكات المصالح الغربية من اليسار هو «الصوابية السياسية» التى تعد فى الأساس فكرًا اشتراكيًا شيوعيًا ولكن تمت مصادرته وأصبح اليوم فكرًا نيوليبراليًا، ولكن العولمة هنا لم تصادر الفكر فحسب، ولكن أنصار هذا الفكر من أبناء مدارس اليسار أصبحوا بوعى أو دون وعى ينتصرون للعولمة والرأسمالية والنيوليبرالية حول العالم بالانتصار للصوابية السياسية.

والمطلوب؟ أن يشتهى الرجل ممارسة كل أنماط الجنس ما عدا الجنس الذى يؤدى إلى الإنجاب، أن يشتهى الرجل مضاجعة الرجال فحسب، أو الرجال المتحولين للنساء غير القادرين على الإنجاب، وأن تشتهى السيدات مضاجعة السيدات فحسب، إطلاق العنان للشذوذ والسحاق والمثلية والتحول الجنسى، أن الطلاق هو سُنّة الحياة وليس الزواج، أن الأسرة والعائلة معطلة للمرأة النسوية، وأن المساكنة وعلاقات جنسية من دون زواج وجنس ليلة واحدة فحسب مريح للطرفين بدلًا من هموم البيت الواحد وتكوين الأسرة.

أن اشتهاء الأطفال ليس جريمة وأن الأطفال يستمتعون بذلك، أن الأديان التى ترفض كل تلك الأفكار هى نصوص رجعية عفا عليها الزمن ويجب نبذها، خيانة الوطن وجهة نظر والدين أصبح وجهة نظر، أن الانتماء لجنس أو وطن أو فكرة أو مرجعية دينية أو أخلاقية أو وطنية كلها أمور تزكى الفطرة السوية ويجب ضربها، ومن أجل ضرب الفطرة السوية يجب تشجيع وإطلاق العنان لحرية تعاطى المخدرات وكل ما يضرب العقل ويعرقله عن أداء دوره الوحيد بفاعلية.

وكان العصر الذهبى للصوابية السياسية هو فترة حكم الرئيس الأمريكى باراك أوباما ثم نائبه جو بايدن، وفى تلك الحقب صدرت حزمة من التشريعات التى قننت جميع أنواع المخدرات، والتحول الجنسى والإجهاض وحقوق الشواذ والسحاقيات والمخنثين، وتم إعطاء الأطفال حق اختيار النوع وإذا ما اعترض الأهل يتم سحب الطفل من أهله بأحكام قضائية!

هستيريا العولمة النيوليبرالية الرأسمالية والصوابية اليسارية الماركسية الشيوعية الاشتراكية أصبحوا وجهين لعملة واحدة، لذا لا عجب أن تصعد تيارات اليمين القومى واليمين المسيحى فى أوروبا وأمريكا على وقع هذا التطرف اليسارى والليبرالى الذى تمارسه الحكومات الغربية الموالية للعولمة.