الإثنين 7 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الكنيسة القبطية تودِّع شيخ المطارنة الأنبا باخوميوس وداعًا «نسر» الكنيسة المصرية الحكيم

وسط حزن كبير، ودّعت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، يوم الأحد الماضى، شيخ مطارنتها، نسر الكنيسة الحكيم، الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية (بنتبوليس)، ورئيس دير الأنبا مكاريوس السكندرى بجبل القلالى، حيث كان مثواه الأخير هناك.. والذى رقد بعد حياة حافلة بالعطاء للكنيسة والوطن، عن عمر قارب 90 سنة، 63 منها كان راهبًا وأسقفًا، وتربى على يديه أجيال من الخدام صار العديد منهم كهنة ورهبان وأساقفة، أبرزهم قداسة البابا تواضروس الثانى.



وبكلمات مؤثرة ودعه البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وتلميذه الذى تتلمذ على يديه وخدم معه من قبل أن يرتدى الزى الرهبانى وكان يخدم معه فى دمنهور.

وبعد أن رسم أسقفا صار أسقفا عاما ومساعدا له فى إيبارشيته ولم يتركه إلا بعد أن اختير بطريركا.

وفى وداعه ألقى البابا تواضروس كلمة مؤثرة قالها بدموع تنسكب على فراق الأب والمعلم حيث رثاه قائلا: «حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ» (يو 11: 11) واستكمل: «نودع على رجاء القيامة شيخ المطارنة فى الكنيسة، الصوت الحكيم فى المجمع المقدس، مثلث الرحمات نيافة الأنبا باخوميوس، الذى خدم الكنيسة لمدة 75 سنة منذ النصف الثانى من القرن العشرين والربع الأول من القرن الحادى والعشرين، ظل خلالها يخدم الكنيسة بكل أمانة وإخلاص».

ولفت إلى أن خدمة المطران الجليل المتنيح كانت تشع بالنور وتتسم بالهدوء والصمت، فلم تكن خدمته شكلية أو عادية ولكنها خدمة ملتهبة بالروح القدس.

واستعرض قداسة البابا رحلة خدمة نيافة الأنبا باخوميوس الطويلة، منذ بدايته خادمًا فى فصول مدارس الأحد بالزقازيق، ثم شماسًا مكرسًا فى الكويت، وخادمًا كارزًا فى السودان ورهبنته وأسقفيته، كما استعرض علاقته بالبابا شنودة الثالث الذى تعرف عليه فى الزقازيق، وهو الذى رسمه راهبًا وقت أن كان أسقفًا للتعليم، ومنحه نفس اسمه الرهبانى «أنطونيوس السريانى».

مشيرًا إلى أنه فى يوم سيامته أسقفًا قال عنه «البابا شنودة»: كان ينبغى أن يكون هو البطريرك لولا أن سنوات رهبنته لم تصل للعدد الذى تنص عليه لائحة انتخاب البطريرك.

وأوضح البابا تواضروس أن منهج نيافة الأنبا باخوميوس فى الخدمة وفى علاقاته كان يقوم على المحبة والسلام والتوازن والعمل فى هدوء.

لافتًا إلى أنه كان خادمًا أصيلًا واضحًا محبًا. وقدم نموذجًا يستحق أن يسجل لا فى مجرد كتب وإنما فى تاريخ كنيستنا القبطية الأرثوذكسية.

كما أشار إلى محبته للتعليم وإنشائه الكلية الإكليريكية اللاهوتية بدمنهور وفروعها بالإيبارشية، وكذلك العديد من المعاهد التعليمية، وكذلك محبته للعمل التنموى والمجتمعى وتأسيسه لعدة مدارس ومستشفيات ومراكز تنموية.

وتناول قداسة البابا حكمة الأنبا باخوميوس فى مواجهة المواقف الصعبة والمشكلات، لافتًا إلى معالجته لمشكلة كبيرة واجهتها الكنيسة فى أستراليا عام 1974 وأوفده لحلها البابا شنودة، ونجح فى مهمته، وكذلك دوره البارز فى الأزمة الشهيرة التى واجهت الكنيسة والوطن عام 1981 واستطاع بالاشتراك مع آخرين من الآباء أن يجتاز بالكنيسة تلك الأزمة بسلام بالحكمة وبالدقة فى كل كلمة وتصرف.

وروى بتأثر أن «الأنبا باخوميوس» كان يشكو لقداسته فى الفترة الماضية، أنه لم يعد يستطيع أن يخدم بسبب ضعف صحته، فكان قداسته يعزيه بأن أولاده يخدمون، فيجيبه أنه يحب أن يخدم بنفسه!.

وتحدث البابا عن بداية علاقته به والتى كانت فى مرحلة الجامعة حين تمت سيامة الأنبا باخوميوس أسقفًا للبحيرة واتخذ وقتها كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بدمنهور (التى كان قداسة البابا من أبنائها قبل الرهبنة) مقرًّا له لمدة 10 سنوات، وأضاف قداسته أن نيافة الأنبا باخوميوس كان يهتم بهم كشباب وشابات فى الكنيسة ويهتم بتعليمهم وتلمذتهم وهو الذى زرع فيهم حب الخدمة والتكريس والرهبنة.

وشدد قداسة البابا على أن الأنبا باخوميوس كان أمينًا ومتوازنًا فى كل شيء فلا يمل مع أى أحد أو أى جهة، وأنه بالإجمال كان أسقفًا ومطرانًا بحسب قلب الله.

وأضاف: «نحن فى هذا الانتقال نشهد أننا أمام مطران ترك أثرًا فى الكنيسة فى عصرنا الحالى، وطوبى لمن تعلم منه ومن عرف سيرته ومن فهم شخصيته».

ونوه إلى أن نيافة الأنبا باخوميوس كان فى محاضراته يمزج بين البرية والتاريخ وبين الكتاب المقدس واختبارات الآباء.

وأضاف: «سوف يشهد التاريخ أن نيافة الأنبا باخوميوس كان عمودًا فى الكنيسة ومنارًا لكل أحد».

واختتم: «إننى أودعه كأب حبيب، وأودع فيه النموذج والقدوة، الوداعة والمحبة، الشجاعة والخبرة، الفكر والحكمة، طالبين التعزية لنفوسنا جميعًا، وطالبين صلواته عنا».

 ميلاده

والأنبا باخوميوس من مواليد شبين الكوم فى 17 ديسمبر 1935 م وكان اسمه العلمانى سمير خير وبعد عشر سنوات انتقلت الأسرة إلى طنطا حيث كان والده يعمل كمهندس مساحة ولذلك كانت عائلته كثيرة الانتقال ففى عام 1949 انتقلوا إلى الزقازيق بغرض بدء الحياة الجامعية، كما حصل على الشهادة الابتدائية فى الزقازيق- الشهادة التوجيهية فى يوليو 1952 م.

وفى عام 1950 تعرَّف على القمص مكارى السريانى وكان هو أول مَنْ دعاه للتكريس فى يونيو سنة 1956م، وعرض عليه أن يصبح مسئولًا عن سكرتارية اللجنة العُليا لمدارس الأحد.

كان الأنبا باخوميوس محبا للخدمة حيث خدم منذ شبابه المبكر، من سن 13 سنة تقريبا بمدارس الأحد، وذلك بعد دعوة من أ. وليم شنودة أمين الخدمة، وتنوعت خدماته في: دمنهور- ههيا- الزقازيق- الجيزة- شبرا- دمياط، وكذلك فى خدمات القرى والافتقاد.

 لقاؤه بالبابا شنودة

رأى نظير جيد فى منزل أ. وليم شنودة، حيث كان يأتى الشاب نظير للخدمة وإلقاء الكلمات، وكان ذلك عام 1949/1950 م. تقريبًا.

ثم بعدها لفت نظره كيف يدير فصل مدارس الأحد بحكمة وهو بعد فتى حديث السن، وكان يسأل عنه من آن لآخر. وذلك إلى أن رآه مرة أخرى بعدها بسنوات حين حضر إليه- قبل رهبنته- مجموعة من الشباب يريدون عمل أسرة جامعية، وذكَّره بنفسه أنه هو نفس ذلك الفتى.

ثم خدم كمسئول لاجتماع الشبان بالجامعة، وفكروا بعمل مجلة باسم خريجى مدارس أحد الزقازيق، وتواصلوا مع أ. نظير جيد سكرتير مجلة مدارس الأحد ليرشدهم فى الأمر. كما كان يخدم بقرى الجيزة من 1952 م.

 دراسته

نال بكالوريوس التجارة من جامعة عين شمس عام 1956 م. (أول دفعة من جامعة عين شمس بعد إنشائها، حيث كان اسمها جامعة هليوبوليس).

وعمل فترة فى وزارة الخزانة (وزارة المالية بعدها)، دمياط، فبراير 1957 م. (أول دفعة)، كوكيل للحسابات تحت التمرين، ثم عاد فى أكتوبر 1959 م.

 وبعدها عمل كمدير حسابات فى وزارة الصحة ببنها.

ثم درس الإكليريكية من 1959 إلى 1961 م ودرس بقسم الاجتماع بمعهد الدراسات القبطية.

ثم قرَّر الاستقالة، لكن نصحه د. كمال رمزى استينو، وزير التموين، بغير هذا، وتم إعارته من الدولة للكنيسة كأول حالة فى هذا الأمر، وكان أول شماس يخدم بالكويت سنة 1961 م. مع القمص أنجيلوس المحرقى (نيافة الأنبا مكسيموس)، بدعوة من البابا كيرلس، وكانت أول كنيسة رعوية تُنْشأ بالخارج فى إبريل 1961 م.

 رهبنته

عاد من الكويت عام 1962 م وعُرض عليه الكهنوت من أكثر من مكان، لكنه كان لا يريد الارتباط بأسرة لئلا يقل اهتمامه بالخدمة، فآثر أن يكون كاهنًا بتولًا، ثم أخذ قرار الرهبنة فى شهر سبتمبر من نفس العام.

حضر إلى الدير وترهّب مع الراهب ميصائيل السريانى (الأنبا ميصائيل أسقف برمنجهام) فى نفس اليوم. رُسِمَ قسًا عام 1966م. مع القمص أوغريس السريانى، والقس متياس السريانى.

وفى نفس العام بدأ خدمته لمعهد إعداد الخدام الإفريقيين بكوتسيكا؛ حيث أشرف على المركز البابوى للكرازة لإعداد الخدام الإفريقيين.

ثم خدم بالسودان من سنة 1967 إلى مايو 1971.

وهناك رسمه الأنبا دانيال قمصًا فى 28 يوليو 1968م ثم أوفده البابا كيرلس السادس إلى إثيوبيا عام 1971.

خدمته

أسس الأنبا باخوميوس الكنيسة القبطية فى لندن، ثم تابَع العمل القمص متياس السريانى عام 1971 كما مثَّل الكنيسة القبطية فى عدة مؤتمرات دينية بالخارج، واختير عضوًا فى مجلس الكنائس العالمى، ومجلس كنائس الشرق الأوسط، ومجلس كنائس كل إفريقيا.

ورسمه البابا شنودة أسقفًا للبحيرة وتوابعها الخمس مدن الغربية فى الأحد الأول من كيهك مع الأنبا يؤانس أسقف الغربية. فكانا باكورة الأساقفة الذين سامهم قداسة البابا شنودة الثالث.

أول أسقفيته كان فى الإيبارشية 19 كنيسة و17 كاهنا ثم أنشأ كاتدرائية العذراء والقديس أثناسيوس بدمنهور، وعديد من الكنائس.

أحضر جزءًا من رفات القديس أغسطينوس فى عام 1987 من الجزائر، وأودعه بالكاتدرائية. ويُحْتَفَل به سنويًا. قام بالتدريس فى الكلية الإكليريكية، وله العديد من المحاضرات والأبحاث والكتب المنشورة.

بعد انتقال البابا شنودة الثالث فى 17 مارس 2012، أصبح هو القائم مقام البطريركى (وذلك بعد اعتذار الأنبا ميخائيل مطران أسيوط لِكِبَر سنه). واستمر فى المنصب حوالى ثمانية أشهر، حتى تجليس قداسة البابا تواضروس فى نوفمبر من نفس العام.

عرفته مصر خلال تلك الفترة رجلا حكيما أدار تلك الفترة الانتقالية بحكمة وهدوء واكتسب محبة الجميع فرثاه الجميع، مسلمين وأقباطا سياسيين وشخصيات عامة، حيث اجتمع الجميع على تقدير ومحبة متبادلة فكان بحق نسر الكنيسة المصرية الحكيم.. وداعًا نيافة الأنبا باخوميوس.