الأسير الفلسطينى المحرر جعفر فوزى أبوحنانة لـ«روزاليوسف»: هزمنا السجن والسجان ونجحنا فى تهريب «النطف» وأنجبنا أطفالًا "الحلقة 4"

محمد الجزار
من صفوف المقاومة إلى سجن النازيين الجدد، ومن نافذة الظلام إلى مشارف الدكتوراة فى النزاعات الدولية، بجانب إصدار العديد من الكتب والقصص القصيرة والروايات، قصة ملهمة تثبت أن الإرادة والعزيمة قادرتان على تجاوز أى عقبات.
جعفر هو شاب من جنين قرية الرانة، ولد فى 23 سبتمبر 1978 واعتُقل فى يونيو 2004 بتهمة المشاركة فى انتفاضة الأقصى، والمشاركة فى قتل جندى إسرائيلى، وتم الحكم عليه بالسجن المؤبد مدى الحياة، وعشرة أعوام أخرى، وأثناء السجن فى 2013 بدأت رحلة الكفاح من أجل العلم والتعلم، ومعرفة إسرائيل من الداخل، فسجل لدراسة العلوم السياسية فى جامعة القدس بالمراسلة، كما سجل مع الجامعة العبرية بعد أن تعلم العبرية، وحصل على بكالوريوس علوم سياسية، وسجل فى جامعة الأقصى فى قطاع غزة وحصل على بكالوريوس فى 2014، وبكالوريوس علوم سياسية من جامعة القدس، وكان الحصول على الماجستير فى العلوم السياسية فى الدراسات الإسرائيلية تحت إشراف الأسير الدكتور مروان البرغوثى، والأخير هو أحد الأبطال الفلسطينيين، ولم يتوقف دوره عن الكفاح والمقاومة، وامتد كفاحه إلى خدمة تعليم وتثقيف الأسرى الفلسطينيين.
ووصل جعفر إلى تسجيل رسالة دكتوراة فى النزاعات الدولية، ولكن الفترة الأخيرة وبسبب الحرب توقف كل شيء حتى أفرج عنه وخرج من ظلمات السجن إلى الحرية، مبعدا عن الوطن إلى منفى آخر لكنه يبقى وسط أشقائه العرب.
من المقاومة إلى أدب المقاومة
سجل جعفر تجارب مهمة، منها روايته النصف الآخر فى 2018، وفى روايته الثانية كان يحكى قصة الهروب من سجن جلبوع، من خلال قصة حقيقية عن الشباب الفلسطينيين الذين حفروا تحت السجن للخروج فى 2021، وتسرد الرواية قصص السجناء الذين شاركوا فى الحفر، إنها بطولات فريدة وقصص من الروائع عن عمالقة الصبر، وشعب يعشق الحياة ويقدسها.
كما أن جعفر خلال فترة السجن كتب عشرات القصص القصيرة، والتى نشرت فى مدونة بيت المقدس، وكتب مقالات أخرى فى جريدة القدس، ومقالات سياسية وثقافية، وكان يكافح للحصول على الكتب، لأن كل سجين له ثلاثة كتب فقط كل عام، فكان يأتى بكتب بأسماء زملائه الأسرى، لفتح نافذه خرج من خلالها من السجن إلى عالم العلم والمعرفة.
ونجحت تجربة الأسرى الجامعيين، وأصحاب الدراسات العليا فى إدخال الجامعات إلى السجون، مثل جامعة الأقصى وجامعة النجاح والجامعة الأمريكية والقدس، وفتحوا نافذة جديدة للقراءة الحرة للكتاب العالميين والمصريين والفلسطينيين والعرب، كما تمكنوا من تثقيف أنفسهم ونقل الثقافة للآخرين وتعليمهم، لأن الأسير الفلسطينى ليس أسيرًا عاديًا، لكنه رمز لصراع معلوم وأبدى لاستمرار القضية الفلسطينية، وهدم الأفكار الصهيونية وتحدى كل الممارسات الإسرائيلية لتبقى القضية ويبقى الأقصى وتبقى فلسطين حرة، وتعريف العالم بجرائم الصهيونية.
يقول جعفر إن السجون الإسرائيلية جبارة، وسجانيها نازيون جدد، لكن الأسرى الفلسطينيين تمكنوا من تشكيل منظمة الأسير الفلسطينى من خلال النضال والإضراب عن الطعام منذ سبعينيات القرن الماضى، إلى أن وصلنا فى 2004 إلى إقرار يوم الأسير الفلسطينى بعد الإضراب 42 يوما عن الطعام، للمطالبة بالتواصل مع العالم وإطلاعه أن من حق الأسير الفلسطينى أن يعيش وأن يكون لديه تليفون عمومى يتمكن من خلال الاتصال بأهله، وهذا طلب قانونى، وأن تحفظ حقوق الأسرى من كل الاتجاهات داخل السجون الاسرائيلية، أسرى فتح وحماس والجهاد الإسلامى والجبهة الشعبية الديمقراطية، كلهم إخوة داخل السجون، يرتبون الأمور وينظمون الحياة داخل السجون بشكل يومى لمواجهة أى اعتداءات أو ظلم أو ممارسات نازية ضدهم، لا يوجد معارضة ولا خلافات داخل السجون، يتم يوميًا توزيع المهام على جميع الأسرى حتى نتجنب بطش السجان.
كانت غرفة الأسر 21 مترًا، ملحق بها حمام وتضم عشرة أسرى، وطلب جعفر أكثر من مرة تخفيض العدد، إلى أن وصل إلى 6، والسجون الإسرائيلية تدخلها الشمس، لكن السجن الانفرادى كالقبر لا شمس ولا حياة، وكان لا بد من تنظيم الوقت داخل السجون، ودون تعلم ودراسة كان السجن سيصبح مستحيلًا.
تعد تجربة الأسير جعفر وحصوله على أكثر من مؤهل، تجربة ملهمة، حتى أصبح أستاذًا منتدبًا من قبل 3 جامعات لتدريس العلوم السياسية والتاريخ والخدمة الاجتماعية والتربية الإسلامية داخل السجن.
يقول: كنا نمارس على الأسرى ضغطًا لتقوية تحصيلهم الدراسى والتعلم، وللتخلص من الإهمال والفوضى.
«أدخلنا الجامعة إلى السجن وكانت ممنوعة، نجحنا فى كل شيء سعينا إليه، وتحدينا السجان الظالم، وكان للأسير الدكتور مروان برغوثى دور مهم فى تعليمنا، ودفع الجميع لحب الوطن وبقاء القضية».
إذلال أهل الأسير
يقول جعفر، إن العقوبات اليومية كانت تتراوح بين عزل الأسرى المتميزين والتفريق بين الأساتذة والطلاب والعزل الانفرادى، وأمور أخرى كثيرة لزيادة معاناة الأسير الفلسطينى، وكان السجان يتعمد إهانة الأب والأم والإخوة والأولاد أثناء الزيارة، كانت إسرائيل تتعمد إذلال أهل السجين حتى يستصعبوا الذهاب للمعابر، ونقاط التفتيش التى يستمر الانتظار فيها لأربع ساعات، حتى تدفع الأهل للتوقف عن زيارة الأسير، لكن لذلك لم يحدث لأننا شعب فى رباط، شعب يدافع عن حقه، شعب يدافع عن قضية عادلة.. كان والدى أكثر من يزورنى هو ووالدتى، لقد زارانى فى سجون كثيرة منها جلبوع والرملة وعسقلان وشطة وحدريم وبير سبع وبيش ورامون. والداى كانا يمشيان ثمانى ساعات لزيارتى لمدة 45 دقيقة.
ويضيف: «والدى توفى عن 81 عامًا، ووالدتى كانت ضريرة لا ترى، وماتت بعد السبعين، الزيارة كانت شهرية، لكن الإسرائيليين كانوا يفسدون كل شيء، يعذبون الأسير وأهله، إنها حقًا سجون نازية».
كنا 1200 أسير، وصلنا إلى كل ما نريد من خلال تقديم الرشاوى للسجان، وكان زيارة الأم والأب تنهى كل آلامنا وكل أحزاننا، لأننا معهما كنا لا نشعر بشيء، ونكون سعداء بخدمة الوطن والدفاع عن الأسرة الفلسطينية، هى أسرة مجاهدة على أرض الوطن، حقوقها فى العيش بكرامة هى أبسط الحقوق.
استطاع جعفر عبر نضاله إدخال 16 كتابًا لكل أسير، وملابس من خلال الصليب الأحمر «كلنا ضحينا من أجل الوطن، لم يتأخر أحد عن القضية الفلسطينية، خضنا نقاشات مستمرة من أجل القضية، ولإنهاء الانقسام الداخلى بين الفصائل، كما ناقشنا وثيقة الأسرى وتشكيل حكومة وطنية، وتم إرسالها للرئيس محمود عباس أبومازن فى 2012، وتم العمل بها وهو نجاح كبير لتجربة الأسرى».
وأضاف: تجارب الأسرى الناجحة مستمرة، ولن يتوقفوا عن الكفاح، لأن موتهم البطيء هو هدف السجانين.
وقال: «بعد 7 أكتوبر أصبحت معاناة الأسير كبيرة جدًا، وظهرت السياسات النازية بوضوح، مثل الضرب وقلة الطعام وسلب كل شيء، وكان الطعام رديئًا بشكل لا يوصف، ومنعت الزيارة تمامًا، ومنع الصليب الأحمر من الدخول، إنهم يخالفون كل الأعراف الدولية، إجرام غير طبيعى، وممارسات قمعية لا هدف منها إلا قتل الفلسطينيين وتدميرهم».. «على القانون والمجتمع الدولى أن يقف إلى جانب الأسرى الفلسطينيين لأنهم يعانون معاناة كبيرة، ورغم كل شيء ننتصر، ننتصر عليهم فى كل شيء».
تهريب النطف
يشير جعفر إلى حصولهم على فتوى شرعية بأن تهريب النطف حلال شرعًا، وهو أمر فيه إشهار وتواصل عائلى بإرسال «نطفة» من السجين إلى زوجته، وتصل إلى أسرة الزوج والزوجة فى احتفالية، وبعد ذلك تذهب إلى مركز متخصص ليتم التلقيح، ويحدث الحمل يليه الإنجاب رغم الأسر.
ويقول «نحن -المرابطين حول الأقصى- شعب يحب الحياة ونسعى إليها، إنها فرحة أن تجد عشرات الآلاف من الأطفال الذين ولدوا وأهاليهم فى الأسر».
ويضيف الأسير المحرر جعفر فوزى إن هذا الوطن يحتاج إلى من يدافع عنه، يحتاج إلى من يكمل الطريق، يحتاج إلى من يؤدى الرسالة، إلى تحرير الأقصى.
وفى رسالة البطل والأديب إلى كل شاب وفتاة فلسطينية، أن التعليم هو السلاح الأقوى الذى يمكن أن نمتلكه، وأنه رغم كل الصعوبات، فإننا قادرون على تحقيق أحلامنا إذا كنا مؤمنين بها ومصممين على تحقيقها من أجل تحرير الوطن.