الأربعاء 19 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
البناء والتشغيل والتحويل:‏ الرجل الذى باع خطة ريفيرا غزة إلى ترامب!‏

البناء والتشغيل والتحويل:‏ الرجل الذى باع خطة ريفيرا غزة إلى ترامب!‏

نعم، الرئيس الأمريكى دونالد ترامب هو من فاجأ العالم بخطة الريفيرا الفلسطينية وألقى بها ‏فى وجه الفلسطينيين والعرب جميعًا، محدثًا صدمة لم يفق منها العالم حتى الآن، لكنه ليس ‏صاحب الفكرة ولا مخترعها، ولم يقلها عفو الخاطر فى المؤتمر الصحفى المشترك قبل ‏أسبوعين، مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو مجرم الحرب حسب حكم صادر ‏من المحكمة الجنائية الدولية!‏



الفكرة عمرها ستة أشهر، وصاحبها هو الدكتور جوزيف بيلزمان الأستاذ بجامعة جورج ‏واشنطن، الخبير فى الاقتصاد والعلاقات الدولية، ورئيس مركز التميز للدراسات الاقتصادية ‏بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقدمها إلى فريق ترامب خلال حملته الانتخابية، فى أول ‏يوليو الماضي.‏

 

وقد نشر بيلزمان تقريرًا عن فكرته فى (جلوبال وارلد جورنال)، وهى مجلة عالمية ‏متخصصة فى موضوعات تتعلق بالعولمة والعلاقات الدولية والدراسات المشتركة بين ‏الثقافات، وكان عنوان التقرير «خطة اقتصادية لإعادة إعمار غزة : نهج «بى أو تي»، و(بى ‏أو تي) اختصار لكلمات «البناء والتشغيل والتحويل» بالإنجليزية، وهو نموذج لإدارة ‏المشروعات الكبيرة بالشراكة بين القطاعين الحكومى والخاص، بتأسيس كيان يبنى منشآت ‏ويشغلها لفترات زمنية محددة، تبدأ من 25 عامًا أو 35 عامًا وتمتد، ثم ينقل ملكيتها فى نهاية ‏مدة التعاقد إلى جهات رسمية، لكن التقرير لم يلفت الأنظار، ربما بسبب غرابة الفكرة أو ‏الاقتناع باستحالتها، أو بسبب نخبوية المجلة الجادة المعروفة بلغتها المتخصصة الجافة إلى ‏حد ما!‏

وقد وصف بيلزمان مشروعه بأنه يتعامل مع قطاع غزة من منظور اقتصادى بحت، ويسعى ‏به إلى حل استثمارى لتجربة فاشلة منذ انسحاب إسرائيل منه فى عام 2005.‏

لم يكن ممكنًا أن تدع إسرائيل هذه الفرصة أو الفكرة أن تمضى دون أن تلتقطها وتمررها إلى ‏الرأى العام وتعمل على دعمها، وكان أبرز المهتمين بها الدكتور كوبى باردا، الخبير فى ‏العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، خصوصًا جماعات الضغط اليهودية الصهيونية فى أمريكا ‏وتاريخها منذ وعد بلفور، والباحث الأول فى مختبر حيفا للدراسات الدينية، والذى سبق أن ‏نشر مقالًا على «جوجل سكولار»، عن دونالد ترامب فى نهاية ولايته الأولى، بعنوان: كيف ‏حول ترامب الحزب الجمهورى إلى حزب الشعب؟، وأجرى باردا حوارًا مع بيلزمان فى ‏أغسطس الماضي، أذاعه على «بودكاست أمريكان بيبي»، شرح فيه بيلزمان المشروع ‏بالتفاصيل، وقال: فكرت وقلت لنفسي: لماذا لا أكتب منظورًا غير تقليدى حول كيفية إصلاح ‏غزة بعد انتهاء الحرب، وقدمت الورقة إلى فريق ترامب، لأنهم كانوا الأكثر اهتمامًا، وليس ‏فريق بايدن، وكان فريق ترامب قد طلب منى التفكير خارج الصندوق حول ما يمكننا فعله ‏بعد الحرب، حيث لم يكن أحد يتحدث عن ذلك!‏

تقول دراسة بيلزمان إن قطاع غزة قد دمر اقتصاديًا تمامًا، وكانت بيانات البنك الدولى تبين ‏أن الناتج المحلى الإجمالى السنوى لغزة نما بنسبة 4.% فقط، فى الفترة من 2007 إلى ‏‏2022، بينما زاد معدل السكان بنسبة %2.5 سنويًا، وهذا أدى إلى انخفاض نصيب الفرد من ‏الناتج المحلي، مما أدى إلى انتشار الفقر وارتفاع معدله إلى %53، ووصل معدل البطالة إلى ‏‏%45   سنة 2022، بالمقارنة كان معدل الفقر بين السكان العرب المسلمين فى الضفة ‏الغربية، (ملحوظة لم يكتب الضفة الغربية وإنما كتب يهودا والسامرة) %13 خلال نفس ‏الفترة، كما خَلُص البنك الدولى إلى نتيجة الآن وهى أن أكثر من %60 من سكان غزة البالغ ‏عددهم 2.4 مليون نسمة أصبحوا بلا مأوى نتيجة الحرب التى بدأتها حماس (الإرهابية) فى ‏‏7 أكتوبر 2023، وأغلب المبانى القائمة تعرضت لأضرار بالغة ولم تعد صالحة للسكن، ‏و%90 من الطرق الرئيسية دُمرت، باختصار لن تدخل أى جهة استثمارية خاصة أو دولية ‏إلى غزة فى ظل الوضع الحالي، الدمار واسع جدًا، يتجاوز الإصلاح أو إعادة الإعمار.‏

وقال بيلزمان: يجب أن تبدأ من الصفر، لديك اقتصاد يتكون فعليًا من ثلاثة قطاعات، إمكانات ‏سياحية، وإمكانات زراعية، وقطاع التكنولوجيا العالية، ولديك فيه الكثير من الأذكياء، وهذا ‏النموذج الاقتصادى ثلاثى القطاعات يتطلب إخلاء المنطقة بالكامل، أقصد إخلاءها تمامًا من ‏سكانها، فلا توجد قيود مسبقة على حركتهم للخروج منها، عليك تدمير المكان بأكمله، وبدء ‏التشغيل من الصفر، حتى يمكن إعادة تدوير الخرسانة، أى عدم بقاء أى شيء من البناء ‏العمودى الممتد عميقًا تحت الأرض!‏

‏(لاحظوا عبارة «عميقًا تحت الأرض»، فهى تعنى ببساطة الوصول إلى الأنفاق التى فشلت ‏إسرائيل فى التعامل معها».‏

وحدد بيلزمان مستقبل غزة المزدهرة اقتصاديًا، وحدات سكنية على الطراز الصينى مكونة ‏من 30 طابقًا على الجانب الشرقى من الشريط الساحلى الضيق، ثم مبان سكنية فاخرة ‏وفنادق ومطاعم على الواجهة البحرية الغربية، أما القطاع الزراعى فسوف يعتمد على ‏الصوبات الزراعية الحديثة، على أن يعمل القطاع بالكامل بالطاقة الشمسية، وبه نظام السكك ‏الحديدية الخفيفة وتخدمه المطارات والموانئ البحرية، ويكون مستقلًا عن إسرائيل لتلبية ‏احتياجاته من الطاقة.‏

وقال بيلزمان: إن هذه العملية ستستغرق ما بين خمس إلى عشر سنوات، وسوف تتراوح ‏تكلفة إعادة الإعمار الضخمة ما بين تريليون إلى تريليونى دولار، والتريليون ألف مليار ‏دولار، أى ما يعادل حجم الناتج المحلى الإجمالى لإسبانيا والبرتغال معًا، وعدد سكانهما ‏يقترب من 60 مليون نسمة!‏

وفى هذه الحالة تدخل شركات ومؤسسات القطاع الخاص فى شراكات استثمارية مع الجهات ‏الحكومية وتحصل على عقد إيجار عقارى من الحكومة لمدة تتراوح ما بين 50 إلى 100 ‏سنة، وخلال فترة التشغيل يسمح للجهة الخاصة بفرض رسوم على استخدام البنية التحتية.‏

وكتب بيلزمان فى ورقته أن النمط المفضل إليه فى حكم غزة هو الحكومة الإلكترونية، أى ‏الحكومة التى تستخدم الوسائل التكنولوجية، وسينحصر تبادل الأموال بين المقيمين والشركات ‏عبر شبكة الإنترنت فقط، مما ينفى الحاجة إلى النقود الورقية أو بطاقات الائتمان أو ‏المساعدات الخارجية، باختصار لن يكون للقطاع سلطة نقدية، وسوف يتحكم أصحاب ‏المصالح من الأجانب فى جميع تدفقات رأس المال.‏

ويقترح بيلزمان نظامًا تعليميًا جديدًا، يديره الخبراء الأجانب لضمان تنمية مجموعات سكانية ‏ماهرة، وتقوم المناهج على مكافحة التطرف من رياض الأطفال إلى الجامعة، وتستورد من ‏النماذج التعليمية فى الإمارات العربية المتحدة أو المملكة العربية السعودية، بناء على ‏إصلاحاتهما الأخيرة والتعاليم الإسلامية السنية الصوفية.‏

‏ أما الأمن فمن الطبيعى أن يسند إلى الشركاء الذين تجمعهم المصلحة المشتركة المتمثلة فى ‏إزالة حماس والمتآمرين معها من أى دور، وهؤلاء الشركاء مهتمون بتجريد غزة من السلاح ‏بشكل دائم.‏

ثم استدرك بيلزمان فى حواره مع باردا: ثمة صعوبة وحيدة، هل يستطيع الرئيس ترامب أن ‏يقنع أى دولة فى الشرق الأوسط بتوفير مأوى مؤقت لسكان غزة؟

لم يضع إجابة وترك السؤال مفتوحًا..‏

هذا هو الرجل الذى باع الريفيرا الفلسطينية إلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وهذه هى ‏خطته بالتفاصيل، والتى مررها إلى الرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية وقبل نجاحه ‏بشهور، ثم نشرها فى مجلة عالمية متخصصة وأذاعها على شبكة الإنترنت، ولم يدرك أحد ‏من العرب خطورتها، فلم يستعدوا لها، حتى فوجئوا بترامب وهو يحاول أن يعيد بها رسم ‏خريطة بلادهم، متصورًا أنه يملك القوة والعلاقات التى تمنحه الثقة بأنه قادر على تنفيذها!‏

إذن بنيامين نتنياهو يكذب حين يقول إن اقتراح ترامب جديد، وفكرة أصلية لم تطرح منذ ‏سنوات، ويمكن أن تغير التاريخ، فإسرائيل تعلم بها منذ شهور، وكتبت عنها جريدة «تايمز ‏أوف إسرائيل» أكثر من مرة، وكلام نتنياهو مجرد إطراء ونفاق محبب إلى ترامب الذى ‏يظن فى نفسه قدرات خارقة وذكاء نادرًا، وتستهويه كلمات الإطراء إلى حد الجنون!‏

والسؤال: هل يمكن أن يفيق العرب من الصدمة ويواجهوا هذا الخطر الوجودى معًا؟

الله أعلم..‏

يبقى الفلسطينيون، فى قطاع غزة الذين تحملوا ما يتجاوز طاقة البشر طوال 15 شهرًا، هم ‏رمانة الميزان وجوهر الحل، وليس بليزمان ولا ترامب، فطالما تمسكوا بأرضهم، فلن تقوم ‏للريفيرا الأمريكية فى غزة قائمة.‏

وطوبى لهم.‏.