الأربعاء 16 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الطلقات الأولى للحرب التجارية بين أمريكا.. وكندا والمكسيك والصين عقوبـــات مرتـــدة

حالة من الجدل الواسع اجتاحت المسرح الدولى بعد عودة الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» إلى كرسى (البيت الأبيض) من جديد، نظرًا لتصريحاته الجامحة، وقراراته الجانحة فى شتى المجالات.



ففى الأيام الأولى لولايته الثانية، أطلق «ترامب» الطلقات الأولى للحرب التجارية لعام 2025، عبر استخدامه- فى الأول من فبراير الجاري- قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA)، لفرض رسوم جمركية على أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وهى «كندا، والمكسيك، والصين». 

وبموجب القرار، سوف يدفع المستوردون الأمريكيون ضريبة بنسبة 25% على جميع السلع القادمة من «كندا، والمكسيك»، فى محاولة من «ترامب» لإجبار البلدين على الحد من الهجرة والاتجار بالمخدرات إلى «الولايات المتحدة». 

وفى الوقت نفسه، سوف تواجه الواردات الأمريكية من «الصين» رسومًا جمركية بنسبة 10 % كعقوبة، لفشل «بكين» فى كبح جماح تهريب المواد الكيميائية، التى تدخل فى تصنيع (الفنتانيل) إلى «كندا، والمكسيك»، حيث يتم تحويلها إلى «الولايات المتحدة»، حسب تصريحات «ترامب».

وعلى الفور، ردت قيادات كل من الدول الثلاث- بشكل حاد وحازم- بأنهم سيتخذون ما يرونه مناسبًا من إجراءات- قد تكون انتقامية- للحفاظ على مصالحهم.

وفى خضم تصاعد وتيرة الحرب التجارية، أكد خبراء الاقتصاد أن تداعيات قرار «ترامب» ستنعكس على جميع الدول بما فيها «الولايات المتحدة» نفسها.

 تأثير الرسوم الجمركية على «الولايات المتحدة»

قال رئيس قسم الأمن الاقتصادى والتكنولوجيا «نافين جيريشانكار»، ومدير برنامج الاقتصاد ورئيس قسم الأعمال الدولية «فيليب لوك» بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، إن فرض الرسوم الجمركية الأمريكية على «كندا، والمكسيك، والصين» يهدد بتقويض الأمن الاقتصادى الأمريكى، من خلال تعطيل سلاسل التوريد، وزيادة التكاليف على المستهلكين والشركات، والصناعات الأمريكية، خاصة مجالات تصنيع السيارات، والطاقة، والمعادن الحيوية، ما سيؤدى إلى ضغوط تضخمية، وفقدان الوظائف.

وأكدا أن قرار «ترامب» سيسفر- أيضًا- عن عواقب استراتيجية، عبر تنفير الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة ما يضعف موقفها فى المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية العالمية، ويحد من قدرتها على مواجهة نفوذ «الصين»؛ موضحين أن التعريفات الجمركية أحادية الجانب، تعد أداة سياسية غير فعالة للقضاء على تهريب المواد الكيميائية، التى تدخل فى تصنيع الفنتانيل للولايات المتحدة.

كما ستؤدى الرسوم الجمركية لخسائر فى الوظائف الأمريكية، إذ تشير التقديرات إلى احتمالية انخفــــاض العمالـــــة بنسبــــة 0.11 % بسبب الرسوم، ومع احتمالية أن تزداد خسائر الوظائف لأكثر من 0.25 % فى حالة رد الفعل الانتقامى للدولتين.. فبناءً على بيانات الوظائف الأمريكية لعام 2024، فإن هذا يعادل خسارة أكثر من 177 ألف وظيفة بسبب الرسوم، وقد يرتفع ذلك إلى أكثر من 400 ألف خسارة وظيفة فى حالة انتقام «كندا، والمكسيك».

إن الأزمة التى ستعود على الداخل الأمريكى لن تتوقف عند هذا الحد، بل قد تنخفض الأجور- أيضًا- فى «الولايات المتحدة» بنسبة 0.2 %، أو بنسبة 0.5 % فى حالة اتخاذ «كندا، والمكسيك» إجراءات انتقامية.

ولكن، فى المقابل، تقدر مؤسسة الضرائب-التى تتخذ من «واشنطن» مقرًا لها- أن التعريفات الجمركية ستولد نحو 100 مليار دولار سنويًا من عائدات الضرائب الفيدرالية الإضافية، إلا أنها أكدت- فى الوقت ذاته- أن تلك الخطوة قد تفرض تكاليف كبيرة على الاقتصاد الأوسع نطاقا، مثل: تعطيل سلاسل التوريد، ورفع التكاليف على الشركات، والقضاء على مئات الآلاف من الوظائف، وفى نهاية المطاف دفع أسعار المستهلك إلى الارتفاع.

 تأثير الرسوم الجمركية على «كندا، والمكسيك»

تعد «كندا، والمكسيك» أول وثانى أكبر أسواق التصدير للولايات المتحدة، حيث بلغت صادرات السلع 680 مليار دولار فى عام 2023؛ وفى الوقت ذاته، تعد «الولايات المتحدة» أكبر سوق تصدير للبلدين. ومع ذلك، فإن الرسوم الجمركية الأمريكية ستؤثر على «كندا، والمكسيك» بشكل أكبر مما تشكله على «الولايات المتحدة» نفسها، حيث تشكل التجارة نحو 70 % من الناتج المحلى الإجمالى لكلا الاقتصاديين. 

فأكثر من 80 % من صادرات «المكسيك»، بما فى ذلك: السيارات، والآلات، والفواكه، والخضراوات، والمعدات الطبية تتجه لجارتها الشمالية، وهو ما يمثل 15 % من إجمالى الواردات الأمريكية. 

ويتجلى هذا الاعتماد بشكل خاص فى الولايات المكسيكية الصناعية على الحدود الشمالية، التى ترسل ما يقرب من نصف صادرات البلاد للولايات المتحدة، حيث ترسل ما يزيد على 200 مليار دولار من أجهزة الكمبيوتر، والإلكترونيات، ومعدات النقل، وغيرها من المنتجات كل عام.

وعليه، فإن فرض تعريفات جمركية أحادية الجانب بنسبة 25 % على السلع المكسيكية من شأنه أن يخفض الناتج المحلى الإجمالى للمكسيك بنحو 16 % وفقًا لـ«بلومبرج إيكونوميكس»، مع تحمل صناعة السيارات فى «المكسيك» العبء الأكبر. 

كما ستهدد الرسوم قطاع الطاقة فى «المكسيك»، حيث تستقبل «الولايات المتحدة» نحو 60 % من صادرات النفط المكسيكية، ومعظمها من النفط الخام المتجه إلى مصافى التكرير الأمريكية. وفى الوقت نفسه، تعد «المكسيك» الوجهة الأولى لصادرات النفط المكرر الأمريكية، والتى تلبى أكثر من 70 % من الطلب المحلى. وعليه، فمن المرجح أن تؤدى التعريفات الجمركية الأمريكية إلى زيادة تكلفة الوقود، مما يرفع الأسعار، ويضغط على الاقتصاد الأوسع فى «المكسيك».

من جانبها، تواجه «كندا» تحديًا مماثلًا، إذ تشترى «الولايات المتحدة» أكثر مــــن 70 % من صادرات «كنــدا»، وتشكـــــل هـــــذه السلـــع 14 % من إجمالى الواردات الأمريكية. وبموجب التعريفات الجمركية الجديدة، سوف يتضرر قطاع الطاقة الكندى إلى حد كبير، حيث يرسل المصدرون 80 % من نفطهم إلى الجنوب. 

وبشكل عام، توقع المحللون الاقتصاديون أن تبلغ الخسائر فى النمو الاقتصادى لـ«كندا، والمكسيك» نحو 1.15 نقطة مئوية بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية؛ وقد تزيد لأكثر من 3 نقاط مئوية، إذا فرضت كل منهما رسومًا جمركية بنسبة 25 % على الواردات الأمريكية.

كما ستسجل خسائر الوظائف فى «كندا، والمكسيك» نحو 1.3 %، و 2.3 % على التوالى، وبناءً على أرقام الوظائف لعام 2024، فإن هذا سيبلغ 278 ألف وظيفة كندية، و 1.4 مليون وظيفة مكسيكية. 

تأثير الرسوم الجمركية على «الصين»

تعد «الصين» حالة استثنائية بموضوع فرض الرسوم الجمركية الأمريكية، لأنها أقل اعتمادًا على «الولايات المتحدة»، وأقل اعتمادًا على التجارة بشكل عام. 

فعلى مدى العقدين الماضيين، قللت الصين بشكل مطرد من أهمية التجارة لاقتصادها مع قيام «بكين» بتكثيف الإنتاج المحلى. 

واليوم، لا تمثل الواردات والصادرات سوى نحو 37 % من الناتج المحلى الإجمالى للصين، مقارنة بأكثر من 60 % فى أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين. 

فى السنوات الأخيرة، تراجعت التجارة بين «الولايات المتحدة»، و«الصين»، خاصة فى القطاعات التى تضررت من التعريفات الجمركية السابقة وضوابط التصدير، مثل: قطع غيار السيارات، وخوادم البيانات، والأثاث، وأشباه الموصلات. 

على كلٍّ، لا تزال الثلاث دول تدرس خطواتها المقبلة جيدًا؛ فإن قررت التصعيد فلن تكون هذه هى المرة الأولى التى ترد فيها الدول بالمثل. 

ففى عام 2018، فرضت «المكسيك، وكندا» تعريفات جمركية انتقامية على سلع أمريكية تزيد قيمتها الإجمالية على 15 مليار دولار، بعد أن فرض «ترامب» تعريفات جمركية على وارداتهما من الصلب والألمنيوم. وعلى نحو مماثل، خسرت «الولايات المتحدة» 20 مليار دولار من صادراتها الزراعية السنوية، عندما ردت «الصين» على سلسلة من التعريفات الجمركية الأمريكية فى الفترة من 2018 إلى 2019.

بشكل مبسط.. إن الرسوم الجمركية التى فرضتها «الولايات المتحدة» على «كندا، والمكسيك، والصين» من شأنها التأثير على النمو الاقتصادى الأمريكى أيضًا، حتى وإن كان بنسبة أقل من الدول الثلاث، إلا أن تداعيات ذلك عالميًا- فى ظل رد انتقامى محتمل- لن تحمد عقباه، وهو ما حذرت منه المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، إذ قالت إن أى ردود فعل متبادلة على الرسوم الجمركية قد يؤدى إلى خسائر فى الناتج المحلى الإجمالى العالمى بنسبة تتجاوز 10 %، ما قد يكون كارثيًا على الاقتصاد العالمى.