الخميس 1 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رسالة مصرية إلى ترامب ممنوع اللعب فى المناطق الخطرة!‏

رسالة مصرية إلى ترامب ممنوع اللعب فى المناطق الخطرة!‏

رغم رد مصر القاطع فى بيان رسمى بأنها لن تسمح بتهجير أهل غزة إلى سيناء، ومع ‏تصريحات وزير الخارجية الأردنى برفض بلاده قبول فكرة التهجير الملعونة، فإن الرئيس ‏الأمريكى دونالد ترامب «عاد» إلى أفكاره التى تشبه الخرافات فى قصص الأطفال، كأنه ‏يطرح أشياء وأعمالا ليست سابحة فى فضاء الأوهام، ويمكن أن تهبط إلى أرض الواقع، ‏وأتصور أن أفكاره ومواقفه سواء من العدوان الإسرائيلى الهمجى على غزة أو من الترحيل ‏القسرى لأهلها إلى مصر والأردن يتفق وفهمه لمعنى القوة العظمى وتاريخ الولايات ‏المتحدة.‏



أمريكا إمبراطورية حديثة، تأسست فى الأصل على العنف والتطهير العرقى، فلم تستطع أن ‏تصبح دولة عظمى بالمعنى الصحيح، نعم هى صارت قوة عظمى، لكن الفارق هائل بين ‏القوة والدولة، القوة حالة مادية هائلة الإمكانات لكنها غشيمة هادرة بلا ضوابط، مثل الطوفان ‏والزلزال والبركان والإعصار وحرائق الجفاف فى الغابات والعواصف الدوامية.. إلخ، تقتلع ‏الإنسان والحيوان والنبات والعمار وكل شيء دون منطق أو رؤية، هكذا هى طبيعتها، ألم تفعل ‏الولايات المتحدة ذلك فى اليابان وفيتنام وأفغانستان والعراق وغزة، باسم الدفاع عن النفس؟!، ‏أما الدولة العظمى فهى شىء آخر، قدرات عظيمة لكنها مبصرة تميز وتدرك الحقائق على ‏طبيعتها وتختار بينها وتوازن إلى حد ما بين مصالحها والقيم الإنسانية العليا، ولا ترتكب ‏جرائم ضد الإنسانية من باب إثبات قدراتها وإشاعة الخوف منها لفرض ما تريد، أى تضع ‏حدودا أخلاقية على استخدام طاقاتها وإمكاناتها فى الدفاع عن مصالحها أو فى اتخاذ مواقف ‏من أى صراعات أو نزاعات فى العالم.‏

ولو تتبعنا سياسات الولايات المتحدة ومواقفها وأفعالها منذ كسرت عزلتها خلف المحيطين ‏الأطلنطى والهادى، وخرجت إلى العالم الخارجى مع بدايات القرن العشرين، سنجد فجوة ‏واسعة بين القيم النبيلة التى رفعتها أمام العالم والأفعال الهمجية التى مارستها، فالخطاب ‏دولة عظمى تستند إلى تراث الآباء المؤسسين المكتوب عن الحقوق والإنسانية والمثل، ‏والأفعال قوة عظمى تمضى على درب الإمبراطوريات عديمة القيم الإنسانية والأخلاقية، ولم ‏تلعب أبدا دور الدولة العظمى فى أى صراع دخلته بنفسها أو ساندت فيها طرفا على طرف، ‏ربما فى العدوان الثلاثى على مصر فى عام 1956، لتستكمل عملية الإحلال محل بريطانيا ‏وفرنسا الاستعماريتين فى النظام العالمى.‏

وإذا تأملنا أفكار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب منذ نجاحه فى الانتخابات عن سياساته ‏الخارجية والتى شرحها فى خطاب التنصيب أو فى تصريحاته أو تغريداته على صفحته ‏الشخصية، نجد خطابه عدوانيا تقطر منه القوة العظمى وليس الدولة العظمى، فهو يعلن نياته ‏فى الاستيلاء على قناة بنما، واحتلال جزيرة جرينلاند الدنماركية وضم كندا إلى الولايات ‏المتحدة، وتغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، وترحيل المجرمين المسجلين الخطر ‏المحكوم عليهم فى جرائم من سجونهم المحلية إلى دول أجنبية مقابل «أجر» معلوم.. وهكذا. هل هذه أفكار دولة عظمى أم قوة عظمى بكل ما تحمله القوة من معنى فيزيائى بحت؟ ‏ لهذا ليس غريبا أن ترامب - رئيس تلك القوة العظمى - لا يستوعب كيف تحمل الشعب ‏الفلسطينى فى غزة هذا الحجم الرهيب من الجرائم الإسرئيلية التى وصلت إلى حد إلقاء ما ‏يعادل خمس قنابل نووية، من التى ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما اليابانية فى نهاية ‏الحرب العالمية الثانية، مع العلم أن مساحة هيروشيما ضعف مساحة غزة، أى كأن مساحة ‏غزة ألقيت عليها عشرة قنابل نووية، وبالطبع لم يفهم ولم يُقدر قيمة هذا الشعب الذى صمد ‏جائعا عاريا عاطشا نازفا مقتولا متشردا ولم يهرب ويهجر أرضه إلى الدول المجاورة!‏

أليس من الغباء السياسى أن يتصور أى كائن على كوكب الأرض مهما كانت رعونته أو ‏غباؤه أو جنوحه أو حتى جنونه أن شعبا عاش وسط هذا الجحيم 16 شهرا، يمكن أن يقبل ‏الترحيل من أرضه بمجرد أن هذا الكائن رغب فى ذلك أو صرح به أو تحدث عنه مع ‏آخرين.‏

وبالطبع عرت تصريحات الرئيس ترامب هدف الحرب الإسرائيلية على غزة بكل وضوح ‏وصراحة، لا هى القضاء على حماس ولا يحزنون، وإنما القضاء على الفلسطينيين وتصفية ‏قضيتهم وأحلامهم فى دولتهم المستقلة، وتحويل تلك القضية إلى مجرد أوراق صفراء فى ‏ذاكرة التاريخ، وما لم تستطعه حرب الإبادة أن تفعله بالقنابل والهدم والقتل والتجويع ‏والتعذيب، يتولاه السمسار الأمريكى الجديد بالتفاوض مع أهل المنطقة، وفرض أفكاره ‏عليهم!!‏

وهذا وهم كبير..‏

لقد فهمت مصر حقيقة الحرب الإسرائيلية من أول طلقة، وتأكدت رؤية الرئيس عبدالفتاح ‏السيسى مع تحذير إسرائيل إلى أهل غزة بالنزوح من بيوتهم جنوبا، ثم توالت الأدلة تباعا من ‏خلال مكالمات تليفونية قادمة من قادة الغرب «المتحضر الديمقراطى»، ومباحثات مباشرة ‏معهم، فالكل يستهل كلامه بـ«حماس» والوحشية والأسرى الإسرائيليين وإدانة ما قامت به فى ‏طوفان الأقصى، دون أى كلمة عن «الفلسطينيين» وما يرتكب ضدهم من جرائم لأكثر من 75 ‏سنة، كما لو أن «حماس» جماعة تعانى فراغا ومللا، وقررت أن تهاجم مستوطنات وثكنات ‏عسكرية إسرائيلية وتقتل وتأسر بعض أهلها، من باب التسلية وقتل الوقت.‏ وهنا لا أقيم ما فعلته حماس، يقيمها شعبها فهو صاحب المصلحة وهو الذى دفع الثمن ‏الأكبر..‏

وليس غريبا أن تكون أفكار الرئيس الأمريكى ترامب عن تهجير أهل غزة مستمدة من أفكار ‏صهيونية قديمة، وقد فصلها الكاتب «كيت كلارينبرج» فى مقال نشره موقع «جراى زون»، ‏بعد العدوان الإسرائيلى على غزة بأسبوعين وقال فيه: إن معهد الأمن القومى والاستراتيجية ‏الصهيونية فى تل أبيب نشر دراسة كتبها الباحث الليكودى «عامير وايتمان»، بعنوان الحل ‏النهائى للحفاظ على الدولة اليهودية، يحرض فيها على انتهاز الفرصة الفريدة والنادرة التى ‏صنعها الهجوم الإسرائيلى على غزة لإعادة توطين وتسكين كل أهلها. وقال: إن الجارة ‏مصر بها 10 ملايين وحدة سكنية شاغرة، يمكن أن يشغلها الفلسطينيون فورا، بتكلفة تتراوح ‏ما بين 5 و8 مليارات دولار، تعادل من 1 إلى 1.5 % من الناتج المحلى الإجمالى لإسرائيل، ‏قد يكون سعرا ضخما، لكن حل هذه المشكلة الكبيرة نهائيا يستحق، ويُعد استثمارا مبتكرا ‏ورخيصا، كأننا نشترى قطاع غزة، وإذا لم تفلح هذه الخطة حاليا فعلينا إذا أردنا أن نحيا، أن ‏نقتل ونقتل ونقتل!‏

وهو نفس ما ردده «دانى أيلون» نائب وزير الخارجية السابق فى مقابلة مع «مارك لا مونت ‏هيل» فى قناة الجزيرة الإنجليزية: هناك مساحة شاسعة فى صحراء سيناء، يمكن أن يغادروا ‏إليها، ونقوم نحن والمجتمع الدولى بإعداد البنية التحتية لـ10 مدن جديدة.‏

كل هذه أضغاث أحلام إسرائيلية فى ظهيرة يوم صيفى حارق، أو أوهام غبية، أو يبدو أن ‏الصنف الذى يتعاطاه اليمين الإسرائيلى مغشوشا للغاية، فصور لهم أن المصريين فى أزمتهم ‏الاقتصادية يمكن أن يفرطوا فى حبة رمل واحدة، ويبدو هو نفس الصنف الذى تسرب إلى ‏الغرب، فيعيدون الطرح المستحيل متصورين أن الرفض القاطع رسميا وشعبيا ونفسيا ‏وإنسانيا يمكن أن يتزحزح.‏

وإذا كان الرئيس الأمريكى يرى أى وجاهة فى فكرته المستحيلة، على أساس أن قلبه ‏الضعيف الرهيف لا يتحمل أن يعيش الفلسطينيون فى «الأرض الخراب» التى جعلها ‏الإسرائيليون غير صالحة للاستخدام الآدمى، ومن الأفضل لهم أن يهاجروا لو مؤقتا حتى ‏إعادة البناء أو دائما إذا أحبوا ذلك، فيمكن أن نعيد عليه الحل السحرى الذى وجده الرئيس ‏عبدالفتاح السيسى بأن يكون النزوح إلى صحراء النقب لحين الانتهاء من إعادة الإعمار، ‏والنقب فى الأصل أرض فلسطينية، تسكنها قبائل بدوية لا يزيدون على 350 ألف نسمة، لكن ‏سيناء فهى بعض من جينات المصريين الذين أسالوا دماءهم مئات المرات لحمايتها، والذين ‏لن يسمحوا بتصفية القضية الفلسطينية، وعموما مصر حكومة وشعبا فى منتهى الوعى لما ‏يدور حولها، وتدرك تفاصيل كل شىء، وهى دولة سلام قادرة على الدفاع عن أمنها ولن تقبل ‏اللعب فى مناطق خطرة.