هل تتحول أمريكا إلى دولة مفترسة؟ «العم سام» يكشف عن الوجه الاستعمارى
فاتن الحديدى
ونحن نشاهد سيرك إدارة ترامب الملىء بالتجاوزات والانتقام، وأحيانًا الحماقة، نتساءل: هل ينهى ترامب الحروب الأمريكية أم يبدأ أخرى جديدة؟
وما الدور الذى تريد (أمريكا – ترامب) أن تلعبه أمام العالم الآن، دور «الحامى أم المعتدى»؟
لم يهدر ترامب الوقت فى إظهار أجندة اليمين المتطرف مع بداية ولايته الثانية، فمن خطاب تنصيبه الذى ادعى فيه أنه تم اختياره من قبل الله إلى التوقيع المسرحى على الأوامر التنفيذية أمام حشد صاخب، للطمع فى ولاية ثالثة، مظهر ترسيخ عدواني صارخً للسلطة.
وتمثل هذه السياسة الجديدة تحولًا كبيرًا يجعل بعض أشد أنصاره حماسة يبدون وكأنهم أغبياء، فقد صور المثقفون والمتحدثون باسم حركة «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» ترامب على أنه انعزالى مخلص، وناقد شرس للنزعة العسكرية، وزعيم لن ينغمس أبدًا فى مغامرات خارجية، ولكن يتضح أنه ليس عضوًا فى حزب السلام حقا بعد كل شىء.
فجأة وأمام الجميع وبجرة قلم، أطلق ترامب ثورة سياسية يمينية فى أمريكا، ونشر قوات على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وهاجم الحق الدستورى فى المواطنة، وعكس سياسات النوع الاجتماعي، وتخلى تقريبا عن مكافحة أزمة المناخ، وأطلق سراح المجرمين العنيفين الذين دعموه.
أمريكا ضحية
فاجأنا ترامب بأحلامه التوسعية العالمية، وضم أراضٍى جديدة لبلاده، زاعمًا أن بلاده كانت دائما ضحية لكرمها وسخائها وسذاجتها، واعدًا ناخبيه «بعصر ذهبى» جديد، على غرار العصر الذهبى الذى بدأ بعد الحرب الأهلية، والذى تميز بتكديس ثروات هائلة، وتعريفات جمركية عالية عملت على حماية الصناعات الأمريكية، وعدم وجود ضريبة على الدخل كانت ضمانة للهيمنة على نصف الكرة الغربى.
سكب ترامب فى أذن ناخبيه أحلاما مستوحاة من أجندة يمينية متطرفة تمامًا، البعض يراها جنونا محضا أو خيالات مريضة، ويشجعها البعض أملا فى عودة الامبراطوريات العظيمة التى تحظى بشغف جمهور السينما، وعشاق أفلام الملاحم، ولكن سنرى إلى أى مدى سيصل بها.
واقعيًا، من الصعب أن تستمر الثورة السياسية التى يقودها لأسباب خاصة وعامة، عامة كونه يواجه انقسامات داخل الحزب الجمهورى وفى الكونجرس وحركة ماجا، وسئم الناخبون من انتظار صلاح الأحوال، ويطالبون بنتائج سريعة.
والسبب الخاص ترامب نفسه، طبيعته النرجسية المتطلعة التى أفسدت فترة ولايته الأولى، افتقاره للصبر والتركيز، وعدم رغبته فى قراءة وثائق السياسة بتأن، وتغذية الفوضى والخلل الوظيفى.
يقول «لارى جاكوبس»، مدير مركز السياسة والحكم فى جامعة مينيسوتا «إن ترامب يتمتع بأسلوب خاص به فى الحكم، حيث يقود بوقاحة ونزق، ثم يلجأ إلى التهديدات» ينتهى الخطاب الكبير والإعلانات المبهرة، ويحين وقت العمل الجاد، وهذا النوع من العمل الشاق فى الحكم لم يناسبه أبدًا، ويبدو أن ترامب ينام عندما يصل إليه».
تحول الرأى العام
يعلم الجميع أن أعظم تحديات السياسة الخارجية الأمريكية فى الوقت الحاضر، هى المنافسة مع الصين، وعدم الاستقرار فى الشرق الأوسط، والتعامل مع احتلال روسيا لأوكرانيا، وليس الرسوم التى تدفعها السفن الحربية الأمريكية للإبحار عبر قناة بنما.
لكن ترامب لم يذكر الصين إلا فى سياق القناة، وظهر الشرق الأوسط فى مجمل حديثه حول صفقة الرهائن، ولم يذكر أوكرانيا على الإطلاق، باستثناء التلميح إلى أن أمريكا تقدم «تمويلًا غير محدود» لحماية الحدود الأجنبية، بينما تعانى من الدفاع عن حدودها، زاعمًا أن ملايين المهاجرين المجرمين كانوا يعبرون إلى البلاد.
ورفض «جاكوبس» فكرة أن فوز ترامب يشير إلى إعادة توجيه جذرية للسياسة الأمريكية، وقال: «إن أمريكا ليست دولة يمينية، ومع طرح سياساته ورؤيته تتزايد المقاومة، وسوف يكون هناك تحول حاد فى الرأى العام، وبحلول الصيف ستكون معدلات التأييد والموافقة على ترامب منخفضة للغاية، سوف نشهد مقاومة متزايدة فى الكونجرس، ستكون أقل ودية تجاه ترامب، وسيبدأ الجمهوريون فى الحديث عن انتخابات 2026، وكيف سيخلقون مسافة بينهم وبينه، إنه يعيش حاليًا لحظات نادرة من رضا الجماهير، لكن الأمر لن يستمر بل سيتجه نحو الانحدار.
قرارات خطرة
أثار العفو عن مثيرى الشغب، واقتراح ترامب بأن الجماعات اليمينية المتطرفة مثل «براود بويز» أو «رودس أوث كيبرز» لها مكان فى السياسة، إضافة إلى القرارات الـ11 السريعة التى وصفها المنتقدون بأنها مروعة، قوبل أغلبها بتحديات قانونية فورية وردود أفعال سياسية سلبية.
ولم تكن أى مبادرة فى اليوم الأول أكثر إثارة للغضب من العفو الشامل الذى أصدره ترامب عن نحو 1500 من أنصاره الذين هاجموا مبنى الكونجرس الأمريكى قبل 4 سنوات فى محاولة لقلب هزيمته فى الانتخابات، وشمل المستفيدون أكثر من 250 شخصًا أدينوا بتهم الاعتداء، وهاجم بعضهم الشرطة بأسلحة بدائية مثل أعمدة الأعلام، وعصا الهوكى، والعكاز، والمسدس الصاعق.
بارك الله أمريكا
كتب جاكوب شانسلى، الملقّب بـ«شامان كيو انون»، الذى اقتحم مبنى الكابيتول مرتديا قبعة من الفراء ووجهه مدهون باللونين الأبيض والأسود على منصة إكس: «لقد حصلت على العفو يا صغيرى، شكرًا لك يا رئيس ترامب: «سوف أشترى بعض الأسلحة المسلية، أنا أحب هذا البلد، بارك الله فى أمريكا».
لقد زعم الجمهوريون أنهم حزب القانون والنظام منذ أيام ريتشارد نيكسون، لكن ترامب أول رئيس منتخب مدان بارتكاب جرائم جنائية، قلب أكبر تحقيق أجرته وزارة العدل فى التاريخ رأسًا على عقب.
لقد أدان عدد قليل من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين قراره، لكن معظمهم أيدوه أو التزموا الصمت، وهو اعتراف ضمنى برصيده السياسى الهائل.
يرفض ترامب مصطلح «العنف مع الشرطة» فى واقعة اقتحام مناصريه مبانى الكونجرس والكابيتول، ووصفها بأنها حوادث بسيطة للغاية، وتُظهر استطلاعات الرأى أن ثلاثة من كل أربعة أمريكيين يعارضون العفو عن متمردى السادس من يناير.
ووصفت سيتماير، الرئيسة التنفيذية الحالية لمشروع سينيكا، وهى لجنة عمل سياسية رفيعة المستوى بقيادة نسائية، العفو الشامل بأنه «واحد من أكبر الخيانات التى ارتكبها ضباط إنفاذ القانون لدينا، وأى شخص أقسم على الالتزام بقسم الدستور فى تاريخ هذه الأمة، يا لها من إهانة وإهانة حقيرة، ألوم كل الأشخاص الذين يقدمون الأعذار له أكثر مما ألوم ترامب، لقد أخبرنا ترامب بما ينوى فعله، إن العفو عن مجرم مدان ليس بالأمر المفاجئ، هنا كل الجمهوريين المنتخبين والأشخاص الآخرين عار عليهم جميعا».
تفكيك بنية الأممية
خلال فترة ولايته الأولى، شرع ترامب فى تفكيك بنية الأممية بعد الحرب العالمية الثانية، من خلال التحدث بشكل غير لائق والتنمر على مؤسسات التعاون العالمي، مثل حلف شمال الأطلسى ومنظمة الصحة العالمية، وشن هذا الهجوم باسم الشعبوية، كهجوم على النخب فى العواصم الأجنبية التى استنزفت أموال دافعى الضرائب.
وحذرت تارا سيتماير، مديرة الاتصالات فى الكونجرس، من ترامب وحلفائه، وأضافت: «يتعين على الناس أن يتخذوا قرارًا بشأن ما إذا كانوا ملتزمين بوقف هذه المسيرة الفاشية اليمينية المتطرفة التى تسير فيها البلاد تحت قيادة دونالد ترامب وأعوانه والمحيطين به.
قرارات وأوامر
وقع الرئيس على سلسلة من الأوامر التنفيذية، واتخذ إجراءات أخرى من شأنها أن تؤثر على حياة الملايين من الأمريكيين وغير الأمريكيين.
وفى إطار حرصه على تحقيق الهدف الرئيسى لحملته الانتخابية، أعلن حالة الطوارئ على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، وأصدر حظرًا واسع النطاق على منح اللجوء للمهاجرين المتورطين فى الغزو عبر الحدود الجنوبية.
وأمر ترامب البنتاجون بإعطاء الأولوية لإغلاق الحدود، ودعم بناء الجدار الحدودي، وإقامة أماكن الاحتجاز الخاصة ونقل المهاجرين.
وقال المسئولون إن الجيش يستعد لإرسال نحو 1500 جندى إضافى نشط إلى الحدود، كما علق ترامب قبول اللاجئين من كل الجنسيات، وأصدر أمرًا بإنهاء حق المواطنة للأطفال المولودين فى الولايات المتحدة إذا لم يكن والدهم أو والدتهم مواطنة أمريكية أو مقيمًًا دائمًا قانونيًا، وعرقل قاض فيدرالى الأمر فيما بعد، واصفا إياه بأنه غير دستورى بشكل صارخ.