الأربعاء 16 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الخليج يرى أنه حليف يمكن التعامل معه دول الخليج تلوح بعلاقة المصالح مع ترامب

فى السياسة الدولية، ربما تصلح لبعض الوقت نظرية التباديل والتوافيق المعروفة فى علم الرياضيات، إلا أن قانون ديمومة المصالح هو الذى يطغى دائما وأبدا فى العلاقات بين الدول التى لا تعترف بغير قانون المنافع والمصالح المتبادلة، هذه هى الأطر والفرضيات التى تعتمدها الأنظمة كى تحافظ على مصالح شعوبها فى زمن تتبدل فيه المصالح ابتعادا أو اقترابا وعرفت بنظرية win win situation، شعور متزايد فى الدول العربية والخليجية بعد الموقف الصلب الذى اتخذه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى مواجهة صلف رئيس الوزراء الإسرائيلى بينيامين نتنياهو وأرغمه على قبول وقف الحرب على قطاع غزة.



 

بعد عودة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجددا ولمدة أربع سنوات قادمة فى ظل توقعات بأن تقلب عودته إلى سدة الحكم موازين السياسة الخارجية الأمريكية رأسًا على عقب من جديد، خصوصًا مع التغيرات التى شهدها العالم، ومنطقة الشرق الأوسط خلال سنوات حكم سلفه الرئيس جو بايدن الذى بدا فى فترة حكمه هرما، مهزوزا، وضعيفا، والتى أثارت سياساته الداعمة لإسرائيل بشكل مطلق استياء قادة دول الخليج العربى الذين شعروا بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية تتجاهل مخاوفهم الإقليمية لصالح تحالفها الراسخ والدائم مع إسرائيل.

معظم القادة والمحللين السياسيين فى دول الخليج العربى يؤكدون أن دونالد ترامب فى نسخته الجديدة مختلف كليا عما كان عليه الوضع فى مدة رئاسته السابقة التى أدار فيها الولايات المتحدة كما يدير إحدى شركاته، فلم يستطع فى ذاك الوقت التخلص من خصائص رجل الأعمال الذى لازمته والذى يشغله منطق الأرباح والخسائر، وعقد الصفقات القصيرة الأمد التى اعتمدها خلال فترة إدارته السابقة، ولم يستطع فى تلك الفترة أن يتعامل بمنطق فرضيات السياسة الدولية التى تعزز فى استراتيجياتها فرص التعاون الدولى والسلم العالمى، ويبدو أن دول الخليج باتت أكثر اقتناعا بأن ترامب الجديد مختلف كليا بعدما لعب دورا حاسما فى وقف الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة قبل تنصيبه بيوم واحد بعد أن استمرت لأكثر من خمسة عشر شهرا على قطاع غزة، وأودت بعشرات آلاف من المدنيين العزل فى عداد القتلى والجرحى.

عدد كبير من المراقبين والمحللين وأنا منهم نرى أن تسلم دونالد ترامب مقاليد الحكم فى الولايات المتحدة سوف يحدث تأثيرا كبيرا على منطقتى الشرق الأوسط، والخليج، التى ترتبط بعلاقات استراتيجية وثيقة مع واشنطن منذ أكثر من تسعة عقود، والتى طُرحت من جانبها سيناريوهات مختلفة لتعزيز فرص السلام والتعاون الاقتصادى يمكن أن يتبناها ترامب فى دورته الحالية، خصوصا أنه كان قد استبق فوزه فى الانتخابات الرئاسية بتصريحات إيجابية حول الدور الذى تؤديه الدول الخليجية، على عكس تصريحاته خلال فترة الانتخاب الرئاسية التى سبقت فترة رئاسته الأولى، وكان دونالد ترامب قد التقى خلال شهر نوفمبر الماضى مع مسئولين خليجيين كبار رفيعى المستوى لاستكشاف سياساته خلال ولايته الجديدة.

كان ترامب قد سعى خلال فترة رئاسته الأولى لإنشاء تكتل خليجى فى وجه إيران، والدفع باتجاه تطبيع دول المنطقة للعلاقات السياسية والاقتصادية مع إسرائيل بشكل غير مسبوق، والاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لها، إلا أن الظروف قد تغيرت فقد لعب الرئيس الصينى دورا حاسما فى إتمام المصالحة السعودية -الإيرانية فى أواخر عام 2022، وشارك الرئيس الإيرانى فى القمتين الإسلاميتين اللتين دعت إليهما المملكة بشأن وقف الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة فى شهر نوفمبر من عامى 23 و 24 على التوالى، ومن قبل ذلك تمت دعوة الرئيس الإيرانى فى القمة العربية- الصينية التى احتضنتها العاصمة السعودية الرياض فى ديسمبر 2022، وشهدت المصالحة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية.

وفيما يتعلق بملف استكمال تطبيع دول الخليج مع إسرائيل، خصوصا أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يحلم بأن تنضم المملكة العربية السعودية إلى قوافل الدول التى سبقتها مثل: سلطنة عمان، مملكة البحرين، دولة قطر، الإمارات العربية المتحدة، المملكة المغربية، وجمهورية السودان فى التطبيع مع الكيان الصهيونى، إلا أن الانحياز الأمريكى إلى الاحتلال الإسرائيلى خلال حرب غزة أدخل العلاقات بين الجانبين فى اختبار صعب، كما أن الفترة التى ابتعد فيها ترامب عن المشهد الدولى خلال الأربع سنوات التى حكم فيها بايدن الولايات المتحدة الأمريكية قد تغيرت فيها المعطيات السياسية والاقتصادية بعد أن دخلت الصين إلى المنطقة بقوة من خلال تبنيها المصالحة بين السعودية وإيران، وازدياد حجم التجارة البينية، والاستثمارات بشكل كبير ومضطرد مع دول الخليج وهو ما يزيد تصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين ويضيف مزيدا من التعقيدات إلى المشهد فى منطقتى الشرق الأوسط والخليج أمام إدارة دونالد ترامب، رغم تأكيدات الطمأنة التي أدلى بها وزير الاقتصاد والتخطيط السعودى فيصل الإبراهيم مؤخرا وقال فيها إن المملكة تتطلع إلى العمل مع إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب كما تعاونت مع الإدارات السابقة، لمواجهة التحديات العالمية المشتركة، مشددا على أن العلاقات مع الولايات المتحدة لطالما كانت قوية، ضمن شراكة طويلة الأمد وظلت متينة بغض النظر عن الإدارة الحاكمة، تصريحات الوزير الإبراهيم لم تبدد مخاوف البعض من أن تؤثر عودة ترامب على أسواق دول مجلس التعاون الخليجى بطرق عدة، خصوصا تركيزه على تعزيز إنتاج الطاقة (الوقود الأحفورى) داخل الولايات المتحدة، وتنظيم صناعة النفط والغاز، وترويج صادرات الغاز الطبيعى المسال عالميًا، ما قد يعزز سوق الطاقة الأمريكية وينعكس ذلك على اقتصادات دول الخليج المعتمدة على النفط، كما أن سياسات ترامب التجارية، خاصة مع الصين، قد تؤثر على ديناميكية التجارة العالمية، وخفض مستويات الطلب على النفط، وهو ما قد يؤدى حتما إلى التباطؤ فى اقتصاد الصين، نتيجة التوترات التجارية، وبالتالى سوف يقود ذلك بالضرورة إلى خفض الطلب على صادرات النفط من دول مجلس التعاون؛ وهو ما يؤثر على أسعار النفط واقتصادات دول مجلس التعاون الخليجى الست، إلا أنه فيما يبدو أن النخبة الحاكمة في دول الخليج تجيد فنون ترويض الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وقد فعلتها من قبل خلال فترة رئاسته الأولى، وهو الذى كان قد أدلى بتصريحات استفزازية ضد دول الخليج أثناء حملته الانتخابية، إلا أنه بعد فوزه فى الانتخابات وجلوسه على سدة الحكم فى البيت الأبيض كانت العاصمة السعودية الرياض وجهته الأولى خارج الولايات المتحدة الأمريكية، وأجاد خلال زيارته العاصمة السعودية الرياض رقصة العارضة التقليدية مع خادم الحرمين الشريفين، وعدد من النخبة السعودية فى بهو المتحف التاريخى بقصر الحكم فى المربع. ملفات خليجية كثيرة على طاولة الرئيس دونالد ترامب ينبغى عليه معالجتها، إلا أنه فى تقديرى لن ينجح فى الحدّ من الانفتاح الخليجى الروسى، والخليجى الصينى الذى بُنى على أسس اقتصادية متينة، بعدما خذلتهم إدارة الرئيس بايدن، فضلا عن أن دول الخليج ترى أن ترامب فى فترته السابقة خذلهم حينما لم يدافع عن الرياض بعد تعرّض منشآت أرامكو فى مدينة أبقيق (شرق السعودية) للهجوم الإيرانى وهو الذى قال آنذاك بكلّ صراحة إن على السعوديين أن يدافعوا عن أنفسهم لأننى لا أرغب فى خوض حرب مع إيران التى يأتى ملفها النووى الإيراني على رأس أولوياته ويعتزم إنهاء ما يسميه بإيران النووية فى المئة يوم الأولى من ولايته، علما بأن العلاقة بين طهران ودول الخليج باتت إيجابية، ويتوقع البعض أن ترد إيران على ضغوطات ترامب، بتحويل برنامجها النووى إلى برنامج عسكرى، وهو أمر لا تريده دول الخليج، وقد يدفع البعض منها إلى تطوير برنامجه النووى، كما ترى الدول الخليجية أن واشنطن ظهرت كحليف لا يعوّل عليه حينما انسحبت القوات الأمريكية من أفغانستان تاركة حلفاءها هناك فى عهد الرئيس السابق جو بايدن، في مؤشر واضح يدفعها لعدم الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية لحماية أمنها القومى.