الأربعاء 12 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

مفتى الجمهورية فى مؤتمر دولى بباكستان: المرأة ليست «نفاية اجتماعية» كما يراها المتطرفون

لا يزال الفكر الأزهرى يحمل مشاعل التنوير والفهم الصحيح للدين.. هذا ما جسده فضيلة د. نظير عياد، مفتى الجمهورية خلال مشاركته فى أعمال المؤتمر العالمي: «تعليم الفتيات فى المجتمعات المسلمة- التحديات والفرص»، وذلك فى العاصمة الباكستانية «إسلام آباد فى الفترة من 10 - 14 يناير الجارى، حيث أعلن أن شعار المساواة بين الرجل والمرأة قاعدة إسلامية صحيحة وضع الإسلام معالمها الكاملة. 



 

وعبر مفتى الجمهورية عن صحة فكرة المساواة أمام جمع من العلماء، منهم الدكتور قطب سانو، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامى الدولى بجدَّة، وفضيلة الشيخ محمد الحافظ النحوى، رئيس التجمع الثقافى الإسلامى بموريتانيا وغرب إفريقيا، والدكتور محمد البشارى، أمين المجلس العالمى للمجتمعات المسلمة، والبروفيسور أنيس أحمد، نائب مستشار جامعة الرفاه الدولية بباكستان، والسيدة طاهرة عبد الله، الناشطة فى مجال حقوق الإنسان بجمهورية باكستان الإسلامية. 

الدكتور نظير عيَّاد -مفتى الجمهورية- أكد أنَّ الإسلام أَولى التعليمَ أهميةً قصوى، وجعل طلب العلم فريضةً على كل مسلم ومسلمة، مؤكدًا أهمية دَور المرأة الأساسى فى بناء المجتمعات، حيث كانت المرأة المسلمة على مرِّ العصور مثالًا للعلم والمعرفة والقيادة. ومن هذا المنطلق، فإن تعزيز فرص تعليم الفتيات فى المجتمعات المسلمة ضرورة شرعية ومجتمعية لتحقيق التنمية الشاملة والعدالة الإنسانية.

وأضاف: «المواثيق الإسلامية والدولية تتَّفق فى تأكيد أهمية التعليم كحقٍّ أساسيٍّ لكلِّ فرد، وهو ما يتطلَّب تعاونًا دوليًّا لتذليل العقبات التى تواجه تعليم الفتيات والعمل على استثمار الفرص المتاحة لتحقيق ذلك».

وشدد د. نظير عياد على أن المرأة فى الإسلام إنسان مكتمل الحقوق المادية والأدبية، ولم تكن يومًا نفايةً اجتماعيةً كما يفهم المتطرفون الجاهلون، وقال: «هل يعقل أن يكون الفكر الدينى مع تجهيل المرأة، والإلحاد مع تعليمها؟ أى عقل هذا؟

وهل يعقل أن نجعل المرأة رهينة الجهل والقهر، فى عصر الذرة والفضاء والذكاء الاصطناعي؟ مؤكدًا أن الإسلام يدعو إلى التحرر من القيود البالية، والتنوير بالعلم، والارتقاء بالعقل، وهذا ما يجب أن يكون نصب أعيننا جميعًا».

 وأكد مفتى الجمهورية أننا نتطلع بكل جد وإخلاص إلى التعاون الجاد نحو تصحيح المفاهيم المغلوطة التى تثار حول قضايا المرأة وإشكالياتها المعاصرة، ونجدد دعمنا الكامل لجميع الرؤى والمبادرات القيمة التى ستنبثق عن هذا المؤتمر الكريم، ساعين بإذن الله لتحقيق تطلعاتنا المشتركة فى بناء مجتمع متكامل ينعم فيه الجميع بالعدل والمساواة.

تحرير المرأة من المفاهيم المغلوطة 

خلال مشاركته فى «جلسة العلماء» على هامش المؤتمر، أكد مفتى الجمهورية أن المؤتمر يُعدُّ جزءًا من النضال الفكرى المتجدد نحو تحرير المرأة المسلمة من الأفكار والمفاهيم المغلوطة التى تثار حولها، ويُعدُّ كذلك امتدادًا طبيعيًا لحركة التجديد الفقهى والفكرى التى ابتدأها شيوخنا وعلماؤنا فى العصر الحديث، وحمل لواءها وناضلت من أجلها المؤسسات الدينية، وعلى رأسها الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية.

وأوضح أن الشريعة الإسلامية سبقت كل الشرائع فى تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، إلا فى بعض الأمور اليسيرة التى تتناسب وطبيعة الرجال فقط، فقد أعلن الإسلام حريتها واستقلاليتها ومنحها حقوقها الإنسانية بشكل كامل غير منقوص، وقرر لها كفاءةً شرعيةً لا تنقص عن كفاءة الرجل فى جميع الأحوال المدنية.

وتابع: الإسلام نظر إلى الرجل والمرأة بعين المساواة الحقيقية وليست الشكلية أو الصورية، وهذه المساواة تعود بالمجتمع إلى الفطرة السليمة التى فطر الخالق عز وجل الخلق عليها، وقد أجمل الإسلام هذه المساواة فى قوله تعالى: ﴿ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف﴾ وأى فكر أو طرح ينتقص من هذه المساواة أو يختزلها فى شكل صورى هو فكر دخيل على الإسلام، والإسلام منه براء مهما كان المتحدث به أو المقرر له.

وأكد فضيلته أن الإسلام عندما حث المسلمين على طلب العلم والتعلم، لم يوجه حديثه نحو الرجال دون النساء، ولم يفضل بشكل صريح أو ضمنى الرجال على النساء درجةً فى هذا الباب، بل كان توجيه الإسلام للرجال والنساء على السواء فى ضرورة التعلم والاستزادة فى العلم والمعرفة.

وأشار فضيلة المفتى إلى أن الفهم المغلوط حول مسألة تعليم المرأة قد ظهر بسببين رئيسيين الأول: مدى تأثير العادات والتقاليد والأعراف المجتمعية فى الاجتهاد نحو استنباط بعض الأحكام الشرعية الخاصة بالمرأة، ثم تداول هذه الأقوال وتلك الاجتهادات من قبل بعض المقلدين والجامدين، وهؤلاء لم ينظروا بعمق أو وعى إلى أن هذه الاجتهادات كانت مبنيةً على واقع قد تغير، واستجابةً لمصالح قد تبدلت، ومواءمةً لأحوال أسرية ومجتمعية قد تجاوزها التطور منذ قرون، مع تجاهل وجوب تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد.

وأكد أن هذا الجمود، وتلك التقاليد البالية التى وضعها الناس ولم يضعها رب الناس، قد انحدرت بالوضع الثقافى والاجتماعى للمرأة، وهبطت بمستوى التربية، وعمقت عملية التجهيل المتعمد للمرأة والانتقاص الشديد من حقوقها.

ولفت إلى أن السبب الثانى هو تداول أحاديث ضعيفة واردة فى حق المرأة، والاعتماد عليها فى استنباط بعض الأحكام الشرعية، خاصةً فيما يتعلق بعلاقتها مع المجتمع ومدى تفاعلها فيه.

وأبدى فضيلته تعجبه من هؤلاء الذين يعتمدون على هذه الأحاديث الضعيفة لإلغاء الآيات البينات المحكمات والسنن الثابتة الواضحات، مؤكدًا أن هذه الأقوال مجرد كلام لا أصل له، بل هى أحاديث موضوعة تتعارض مع صريح القرآن الكريم والواقع التطبيقى للنبى صلى الله عليه وسلم الذى كان يكرم المرأة، ويحثها على التعلم والارتقاء.

ولفت إلى حقيقة جلية مؤكدة بالنصوص الشرعية، وهى أن الإسلام قد اعتبر المرأة طاقةً فكريةً، وثقافيةً، وإنسانيةً، وتربويةً، توجب علينا استكشاف ما فيها من جوانب الخير والإبداع، وإشراكها فى صناعة الحضارة الإنسانية الرشيدة.

وقال مفتى الجمهورية: إن الواقع التاريخى يثبت أن المرأة حينما تخلت عن التعليم، تخلفت الأمة بأسرها، فإن الأمهات الجاهلات ينتجن أبناءً جاهلين خاملين، فى حين أن تعليم المرأة وتنويرها هو السبيل إلى نهضة المجتمع بأكمله. كما أثبت التاريخ أيضًا أن أى إصلاح يهمل حقوق المرأة ليس بإصلاح حقيقى، ولم يكتب له النجاح أو الاستدامة.

وتابع: «لقد كانت المسلمات الأوائل مثالًا يحتذى به فى التفاعل الإيجابى مع المجتمع: كن يصلين الصلوات الخمس فى المسجد، من الفجر إلى العشاء. وكن يشاركن فى معارك النصر والهزيمة. وكن يشهدن البيعات الكبرى. وكن يأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر».

مطالبة باكستانية بالتعاون

زيارة د. نظير عياد لباكستان حملت رسائل مهمة تؤكد ريادة مصر بأزهرها فى فهم صحيح الدين.. وريادتها فى مجال الفتوى ومواجهة الفكر المتطرف، حيث أكد الدكتور خالد مقبول صديق، وزير التعليم والتدريب المهنى فى باكستان، خلال لقائه الدكتور نظير محمد عيَّاد -مفتى الجمهورية، أهمية التعاون مع دار الإفتاء المصرية فى الجوانب المختلفة، خاصةً فيما يتعلَّق بالفَهم الصحيح لقضايا المرأة، والإصدارات العلمية، والتدريب على الفتوى وعلوم الإفتاء، والاستفادة من تجربة دار الإفتاء المصرية فى تصحيح المفاهيم ومواجهة الأفكار المتشددة.

وناقش مع فضيلة المفتى كيفية تحقيق الاستفادة مما تقدِّمه الدولة المصرية من خلال الأزهر الشريف فى فتح المعاهد وإرسال البعثات وإنشاء مراكز تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.

ومن جهته أكد المفتى ضرورة تعزيز التعاون المثمر بما يخدم القضايا العلمية والجوانب العملية.. وتم الاتفاق على أن يكون تنسيق التعاون فى هيئة بروتوكول يوقَّع بين الطرفين من خلال السفارة المصرية فى «إسلام آباد».

كما التقى مفتى الجمهورية د. نظير عياد الوزير شودرى سالك حسين، وزير الشئون الدينية والوئام بين الأديان فى باكستان، وناقش تعزيز التعاون بين الوزارة ودار الإفتاء المصرية فى عدة مجالات، من أهمها - الإصدارات العلمية لدار الإفتاء المصرية وخاصة المترجمة منها، والتعاون فى مجال التدريب من خلال تدريب المبعوثين وإعداد مجموعة لتدريب المقبلين على الزواج، والتعاون مع مركز سلام لدراسات التطرف، والتعاون مع مركز الإمام الليث بن سعد لفتاوى التعايش.. إضافة إلى الاستفادة من تجربة مركز حوار خاصة فى قضايا الإلحاد والمثلية، والاستفادة من مؤشر الفتوى العالمى.. حيث تم الاتفاق أيضًا على أن يكون تنسيق التعاون فى هيئة بروتوكول رسمى.