الأحد 12 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تستهدف التشويش على المؤسسة الدينية الرسمية المؤشر العالمى للفتوى يرصد مثلث التضليل فى الفتاوى الإلكترونية

أصدر المؤشر العالمى للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، دراسة بعنوان «التصدى للفتاوى العشوائية.. نحو تفعيل لدور المؤسسات الإفتائية لمواجهة الفوضى المعاصرة»، تضمنت 7 أقسام، ناقش القسم الأول فيها المقصود بـ«ظاهرة فوضى الفتاوى» من حيث المفهوم، واختص القسم الثانى بالحديث عن أسباب فوضى الفتاوى الإلكترونية، فى حين احتوى القسم الثالث على تحليل لثلاث ظواهر خاصة بفوضى الفتاوى، وهى: (الشائعات- التريندات - المنابر الإلكترونية).



 

وتحدث القسم الرابع عن الآثار المترتبة على ظاهرة فوضى الفتاوى، وقدَّمت الأقسام (الخامس والسادس والسابع) روشتة للتحقق من الفتاوى المضللة، وجهود المؤسسات الدينية الرسمية فى هذا الإطار، وتوصيات لمواجهة الظاهرة. 

اعتمدت الدراسة على التحليل الإحصائى والشرعى لعينة من الفتاوى والآراء غير المنضبطة قُدّرت بـ(300) فتوى ورأى، بالإضافة إلى عددٍ من الدراسات والإحصائيات المتناولة لظاهرة الفتاوى العشوائية، كما اعتمدت منهجية الدراسة على آلية «تحليل المضمون» بنوعَيْه الكمى والموضوعى للتوصل للنتائج والخُلاصات، إلى جانب القياس الكمى لرجع الصدى وردود الأفعال.

منبع الفتاوى العشوائية 

قال الدكتور طارق أبو هشيمة، مدير المؤشر العالمى للفتوى: إن دراسة المؤشر كشفت أن (%39) من الفتاوى العشوائية والمضللة، وكذلك المعلومات الدينية المغلوطة، صدرت عبر حسابات التواصل الاجتماعى، تلتها المواقع الإلكترونية والمنتديات بنسبة (%28)، ثم البرامج الفضائية بنسبة (%22)، وأخيرًا تطبيقات الهواتف بنسبة (%11).

وأكد أن هناك عدة أسباب أدت إلى انتشار الفتاوى غير المنضبطة، مشيرًا إلى أنها إما تتعلق بالمفتى أو بالشخص المستفتى، وإما تتعلق بالوسيلة الإعلامية الناقلة للفتوى.

وتابع مؤشر الفتوى فى دراسته، أن أبرز أسباب فوضى الفتاوى الخاصة بالمفتى هى: التطور التكنولوجى واتساع الفضاء الرقمى، وتصدُّر غير المؤهّلين للفتوى، والتشويش على المؤسسة الدينية الرسمية المسئولة عن الإفتاء، والتسرع فى إصدار الفتوى، وطلب الشهرة والتريند، والتعصب المذهبى وعدم التوسط، وعدم وقوف المفتى على حقيقة واقع بلد المستفتى وما يحدث فيه، وخدمة فكر أو تيار معين.

وأوضح أن أبرز أسباب فوضى الفتاوى المتعلقة بالمستفتى هى: الجهل الدينى، والاستفتاء دون الحاجة بغرض المجادلة، والاعتماد على الشبكة العنكبوتية فى الحصول على الفتوى، والتساهل فى الاستفتاء، والخلط بين المفتى وغيره، كما رصد مؤشر الفتوى أبرز الأسباب المتعلقة بالوسيلة الإعلامية والتى كان أهمها: استخدام الفتوى لأغراض تجارية، وعدم وعى بعض الإعلاميين بالارتباط الزمنى للفتوى وطرحها للمستفتى، والسعى خلف شخصيات مثيرة للجدل للوصول إلى التريند..

مثلث فوضى الفتاوى

وسلّط المؤشر العالمى للفتوى فى دراسته الضوءَ على مَظاهر فوضى الفتاوى من خلال ثلاثة محاور رئيسية، هى: أولًا: فتاوى الشائعات التى تُبنى على معلومات غير موثوقة وتثير الفتن، وثانيًا: فتاوى التريندات التى تسعى لتحقيق الشهرة والانتشار السريع على حساب الثوابت الشرعية والأخلاقية، وثالثًا: فتاوى المنابر الإلكترونية التى تعتمد على منصات التواصل الاجتماعى والقنوات غير الرسمية لنشر أفكارها، وأكد المؤشر أن المحاور الثلاثة تعكس التحديات التى تواجه المؤسسات الدينية فى ضبط الخطاب الإفتائى والدينى.

ورصد مؤشر الفتوى الأسباب الرئيسية لانتشار فتاوى الشائعات، وهى: الاعتماد على أخبار غير موثوقة أو غير مؤكدة، وإثارة الفتن بين الناس، والمبالغة والتهويل فى طرح بعض القضايا الإفتائية، والتواجد الرقمى عبر وسائل الإعلام غير الموثوقة، والتناقض مع الثوابت الشرعية، كما حلل مؤشر الفتوى عينةً من فتاوى الشائعات والآراء الصادرة من قِبل الجماعات المتطرفة، وكشف أن (%33) منها كان يهدف لنشر الفوضى وبث الفرقة وزعزعة أمن المجتمعات.

أما عن أبرز مظاهر فتاوى التريندات، فأكد المؤشر أنها ترتبط بالأحداث الجارية أو المواضيع الرائجة على ساحات التواصل الاجتماعى فى محاولة لتحقيق الشهرة الشخصية، كما أنها تتناقض مع القواعد الشرعية من جهة والمعايير الأخلاقية من جهة أخرى، ويركز الكثير منها على القضايا غير المجدية أو النافعة للأفراد والمجتمعات.

وحلل مؤشر الفتوى فى دراسته فتاوى التريندات خلال الأشهر الثلاثة الماضية (سبتمبر – أكتوبر – نوفمبر 2024) وخلص إلى أن (%56) من تريندات الفتاوى غير الرسمية تسببت فى إحداث بلبلة وفوضى دينية ومجتمعية، حيث وضعت تلك الفتاوى عوام الناس فى حيرةٍ من أمرهم، واعتبر المؤشر أن ترك الباب مفتوحًا لمثل هذه الفتاوى عبر مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، من أجل تحقيق جنون الشهرة أو لمكاسب مادية؛ سيؤدى إلى تدنٍ قيمى وأخلاقى.

وحول أبرز الفتاوى السلبية والموضوعات الدينية التى أحدثت جدلًا كبيرًا وتسببت فى فوضى دينية ومجتمعية خلال الأشهر الثلاثة السابقة، كانت الفتوى التى تجيز سرقة المياه والكهرباء والغاز، والفتوى الأخرى التى طالب مُصدِرُها فيها بالمساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث.

وانتهى مؤشر الفتوى فى هذا الإطار إلى وجود تناسب عكسى بين تأثير تريندات الفتاوى السلبية ومدى الوعى الدينى والمجتمعي، حيث يتعاظم تأثير تلك التريندات فى المجتمعات التى يقل فيها الوعى الدينى وتنخفض فيها نسبة التعليم، والعكس صحيح، كما لفتت الدراسة إلى أن الفئات العمرية تلعب دورًا مهمًّا فى التفاعل مع ظاهرة التريندات الدينية وغيرها، فالفئات العمرية الأصغر عمرًا تتأثر بظاهرة التريندات بشكل أكبر بسبب قلة خبرتهم ووعيهم، بينما تمتلك الفئات العمرية الأكبر سنًّا وعيًا أكبر يمكنهم من التعامل مع الظاهرة بنوع من الحذر والحكمة.

أما عن فتاوى المنابر الإلكترونية ودعاة السوشيال ميديا، فأشار مؤشر الفتوى فى دراسته إلى أنها تلك الفتاوى التى تصدرها شخصيات مشهورة عبر المنصات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، والتى تتعدى حساباتهم الرسمية على القنوات الرقمية ملايين المشاهدات، ورغم تأثيرها الكبير على الجمهور، فإنها قد تكون مصدرًا لفوضى الفتاوى فى بعض الحالات، فمن خلال هذه المنابر تم تحويل الفتوى إلى أداة تسويق شخصى، واستخدامها كوسيلة لزيادة شهرة الداعية، وتعزيز مكانته الاجتماعية والإعلامية. 

وأضاف مؤشر الفتوى أن من أبرز المظاهر المرتبطة بهذه الفئة من الفتاوى: إصدار الفتاوى دون تأهيل علمى كافٍ، واستخدام المنابر الإلكترونية للترويج لأفكار أو آراء فردية، والبحث عن التفاعل المرتفع من قبل الجمهور من خلال تقديم فتاوى تتماشى مع القضايا الرائجة على الساحة، والاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعى والقنوات الخاصة كمنصات رئيسية للإفتاء، ما يفقد الفتاوى صبغتها الرسمية والمصداقية.

مواجهة فوضى الفتاوى

وفى نهاية دراسته وضع المؤشر العالمى للفتوى روشتة تضمن الحد من ظاهرة فوضى الفتاوى، تشمل حلولًا جذرية لمختلف أركان العملية الإفتائية، سواء بالنسبة للمفتى، أو الوسيلة الإعلامية، أو المستفتى المتلقى الذى يقع على عاتقه مسئولية انتقاء الفتوى بالشكل الصحيح. فمن حيث تنظيم العمل المؤسسى الإفتائي، أوصى مؤشر الفتوى بوضع معايير واضحة لتأهيل المفتين، وتفعيل قوانين تجرّم التصدى للفتوى دون ترخيص أو تأهيل علمى معتمد من الجهات المختصة، والتعاون مع القنوات الإعلامية والمنصات الرقمية لتقديم برامج توعوية تشرح خطورة الفتاوى غير الموثوقة وتأثيرها على المجتمع، والترويج للمنصات المعتمدة للفتوى، والمزيد من التعاون بين المؤسسات الإفتائية الرسمية، والاستفادة من الوسائل التكنولوجية الحديثة وأدوات الذكاء الاصطناعى فى عرض الفتاوى، والاهتمام أكثر بالإفتاء الجماعى.

أما من حيث تنظيم العمل الإعلامى المتعامل مع الفتوى، فناشد مؤشر الفتوى الإعلام بتسليط الضوء بشكل أكبر على العلماء المؤهّلين من المؤسسات الرسمية كالأزهر ودار الإفتاء فى وسائل الإعلام المختلفة، وتقديم برامج إعلامية دينية تناقش الفتاوى والقضايا الشرعية بشكل مبسط وسلس للناس، وجذب الجمهور بعيدًا عن الفتاوى غير الموثوقة، وتعليمهم الفرق بين الوظائف الدينية المختلفة والظهور الإعلامى واستخدامه جيدًا.

ومن حيث تنمية الجانب التوعوى للجمهور المتلقى للفتوى، أوصى المؤشر بضرورة معرفة كيفية التحقق من صحة الفتاوى من خلال عدة طرق ووسائل، ونشر الوعى المجتمعى حول الفتاوى الصحيحة، وتنفيذ حملات توعوية على مستوى المدارس والجامعات والمجتمع ككل حول كيفية الحصول على الفتوى من مصادر موثوقة، وتعزيز الفهم الدينى السليم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والنأى عن منابع الفتاوى العشوائية وغير المنضبطة واللجوء إلى المصادر الرسمية المعتمدة للإفتاء.