بعد إعلان استقالته «ترودو» يُحيى اقتراح ضم كندا للولايات المتحدة
داليا طه
تحت وطأة ضغط متزايد من الحزب الليبرالى الحاكم، أعلن رئيس الوزراء الكندى جاستن ترودو أنه سيتنحى لإفساح المجال لقيادة جديدة.
وتأتى الاستقالة لتنهى فصلًا سياسيًا طويلًا، فقد بقى ترودو فى منصبه منذ عام 2015، عندما عاد الليبراليون إلى السلطة بعد غيابهم عنها وابتعادهم عن مسرح العمل السياسى.
وقال ترودو إنه سيظل على رأس الحزب لحين اختيار زعيم ليبرالى جديد.
ومع ذلك، تظل العديد من الأسئلة مطروحة على الحزب، على رأسها سؤال حول من سيتولى المنصب، وكيف ستُدار الانتخابات الفيدرالية الوشيكة.
ردود الفعل على استقالة ترودو كانت مثيرة خارجيًا أكثر من داخليًا، وكانت فرصة للرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب الذى سخر من الاستقالة، وكرر مطالبه بانضمام كندا إلى الولايات المتحدة كالولاية الواحد والخمسين.
ترامب أعاد طرح اقتراحاته الغريبة بأن على الولايات المتحدة ضم غرينلاند وكندا، وذلك بعد ساعات من إعلان رئيس الوزراء الكندى جاستن ترودو استقالته.
وأشار ترودو إلى صراعات داخلية وحكومة غير منتجة، وقال الزعيم السابق: «هذا البلد يستحق خيارًا حقيقيًا»، منهيًا بذلك ما يقرب من عقد من الزمن فى السلطة.
وفى رد فعل على ذلك، نشر ترامب على منصته «تروث سوشيال» قائلًا: «إذا اندمجت كندا مع الولايات المتحدة فلن تكون هناك تعريفات جمركية، ستنخفض الضرائب بشكل كبير، وسيكونون محميين تمامًا من تهديد السفن الروسية والصينية التى تحيط بهم باستمرار».
وأضاف: «الولايات المتحدة لم تعد قادرة على تحمل العجز التجارى الضخم والإعانات التى تحتاجها كندا للبقاء، جاستن ترودو كان يعلم هذا، ولذلك استقال».
وهدد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة %40 على جميع السلع الكندية إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات لوقف ما يسميه تدفق المهاجرين والمخدرات إلى الولايات المتحدة - على الرغم من أن عددًا أقل بكثير يعبر الحدود من كندا مقارنة بالمكسيك، التى هددها أيضًا بفرض تعريفات.
استقالة متأخرة
وهذه ليست المرة الأولى التى يتحدث فيها ترامب عن فكرة ضم كندا إلى الولايات المتحدة. ففى ديسمبر زعم أن «الكثير» من الكنديين يرغبون فى هذا الاندماج، إلا أن استطلاع رأى حديثًا أجرته مؤسسة «ليجر» أظهر أن النسبة الحقيقية تبلغ حوالى %13.
وأعلن ترودو أنه سيتنحى عن منصب رئيس الوزراء وكذلك عن قيادة حزبه الليبرالى الحاكم، الذى سيجرى انتخابات داخلية لاختيار خليفة له.
وقد انتقد البعض توقيت استقالته، حيث جاءت قبل أسابيع قليلة من تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، وقال السفير الكندى السابق لدى الولايات المتحدة، ديفيد ماكنوتون: «الاستقالة تعنى أن ترودو لم يعد لديه الكثير ليقوم به لمواجهة تهديد ترامب بفرض التعريفات».
وأشار ماكنوتون إلى أن ترودو كان ينبغى أن يتخذ هذه الخطوة قبل أشهر ليتيح لكندا فرصة الاستعداد لتهديدات ترامب، وقد حذر الاقتصاديون من أن فرض هذه التعريفات سيؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الكندى.
التعريفات الجمركية
بحسب بيانات معهد الإحصاء الكندى، تمثل صادرات كندا للولايات المتحدة نحو %77 من جملة صادراتها فى عام 2023، إذ بلغت نحو 594.5 مليار دولار.
فيما استوردت من الولايات المتحدة نصف وارداتها بواقع 373.7 مليار دولار، أى أنها تحمل فائضًا تجاريًا قدره 221 مليار دولار.
وتستحوذ الولايات المتحدة على %88 من صادرات الطاقة الكندية بواقع 166 مليار دولار، فيما تستورد منها %73 من واردات الطاقة بنحو 32.1 مليار دولار.
وتعد السيارات وأجزاؤها من بين أكثر القطاعات المتضررة، إذ إن أمريكا هى وجهة %93 من الصادرات الكندية بواقع 84.9 مليار دولار، لكن وارداتها أيضًا كبيرة بواقع 83.2 مليار دولار تمثل %59 من واردات القطاع.
وتمثل صادرات السلع الاستهلاكية لأمريكا أيضًا نحو %81 من صادرات كندا بواقع 69.1 مليار دولار، فيما كانت وارداتها من أمريكا حصتها نحو %35 من الواردات الاستهلاكية لكندا.
وبصفة عامة تراوح نصيب أمريكا فى القطاعات المختلفة بين %49 و%95 من جملة الصادرات الكندية.
مصير كندا
يواجه الحزب الليبرالى الكندى تحديًا فى اختيار زعيم جديد، وصرح ترودو بأنه يعتزم البقاء فى منصبه كرئيس للوزراء حتى يتم اختيار خليفته، بحسب ما نقلته «أسوشيتد برس».
لم يتمكن ترودو من استعادة مكانته بعد استقالة وزيرة المالية كريستيا فريلاند، التى كانت واحدة من أقوى وأوفى وزرائه، من الحكومة الشهر الماضى.
ترودو، البالغ من العمر 53 عامًا، والذى يُعد أحد أبناء رئيس الوزراء الكندى السابق بيير ترودو، أحد أشهر رؤساء الوزراء فى تاريخ البلاد، أصبح غير محبوب بشكل كبير بين الناخبين بسبب مجموعة من القضايا، بما فى ذلك الارتفاع الحاد فى تكاليف الغذاء والإسكان وزيادة معدلات الهجرة.
وأحد الأسماء المطروحة هو مارك كارنى، الرئيس السابق لبنك كندا، الذى يعتبر أحد أبرز الاقتصاديين على مستوى العالم.
كارنى، الذى عمل أيضًا كرئيس لبنك إنجلترا، يتمتع بسمعة طيبة كمنظم صارم وذي خبرة فى التعامل مع الأزمات المالية.
ومع ذلك، فإن افتقاره إلى الخبرة السياسية قد يكون عقبة أمام ترشحه.
اسم آخر محتمل هو كريستيا فريلاند، التى كانت نائب رئيس الوزراء ووزيرة المالية سابقًا، بعد استقالتها، وصفها ترامب بأنها «شخصية سامة» وغير مناسبة لإبرام الصفقات، ومع ذلك، فإن فريلاند تحظى بدعم قوى داخل الحزب ولها سجل حافل فى السياسة الدولية.
وتشير استطلاعات الرأى الأخيرة إلى أن فرص الحزب الليبرالى فى الفوز بالانتخابات المقبلة تبدو ضعيفة، فى أحدث استطلاع أجرته مؤسسة «نانو»، حصل الليبراليون على دعم بنسبة %21 فقط مقارنة بـ%47 لصالح حزب المحافظين.
يعتقد العديد من المحللين أن زعيم حزب المحافظين، بيير بويليفر، سيشكل الحكومة المقبلة. وبويليفر، المعروف بأسلوبه الشعبوى، ألقى باللوم على ترودو فى أزمة تكاليف المعيشة وتعهد بإلغاء ضريبة الكربون وتمويل هيئة الإذاعة الكندية.
يرى البعض أن استقالة ترودو قد تمنح الحزب الليبرالى دفعة مؤقتة فى استطلاعات الرأى، خاصة بعد اختيار زعيم جديد، لكن تأخر ترودو فى إعلان استقالته قد يترك وقتًا محدودًا لخليفته وللحزب للاستعداد للانتخابات المبكرة.
الانتخابات القادمة
يتعين إجراء الانتخابات الفيدرالية المقبلة فى كندا بحلول شهر أكتوبر، لكن يُرجح إجراء تصويت قبل ذلك.
وحاول حزب المحافظين المعارض الرسمى، الذى يحتل مرتبة متقدمة فى استطلاعات الرأى بفارق كبير، لعدة أشهر إجراء الانتخابات من خلال سلسلة من التصويت على حجب الثقة فى مجلس العموم.
وتحتاج الحكومة إلى دعم أغلبية أعضاء البرلمان البالغ عددهم 338 عضوًا فى تصويت حجب الثقة. ويحتاج الليبراليون إلى 17 مقعدًا للوصول إلى العدد المطلوب، ما يعنى أنهم يحتاجون إلى دعم من أعضاء الأحزاب الأخرى فى كندا.
وحتى الآن، زود أعضاء الحزب الديمقراطى الجديد ذوو الميول اليسارية ترودو بأصوات كافية للحفاظ على تحكمه فى زمام الأمور.
ومع ذلك، بعد أن أعلن ترودو أنه سيتنحى، أكد زعيم الحزب الديمقراطى الجديد جاغميت سينغ أنه سيصوت لإسقاط الحزب الليبرالى، بغض النظر عن هوية الزعيم. وقال: «إنهم لا يستحقون فرصة أخرى».
ولن يتمتع من يتولى قيادة الليبراليين بحلول الرابع والعشرين من مارس، بالكثير من الوقت لإدارة شئون الحكم.
وبعد انتهاء فترة التمديد، سيكون التصويت الأول على الثقة. وإذا سُحبت الثقة من الحكومة، فمن المتوقع أن تستقيل أو تسعى إلى حل البرلمان، الأمر الذى سيؤدى إلى انتخابات فيدرالية.
وتشير استطلاعات الرأى إلى أنه إذا أجريت انتخابات كندية اليوم، فإن حزب المحافظين المعارض الرسمى سوف يفوز بشكل حاسم.