الإثنين 9 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

اغتيال رجل وامرأة.. والقاسم المشترك «مجال العمل» خلف كل جريمة غامضة.. فتش عن الموساد

شهدت فرنسا والولايات المتحدة حادثتىّ اغتيال غامضتين؛ لامرأة ورجل، القاسم المشترك بينهما  هو ارتباط  جريمتىّ القتل بعمل الاثنين. 



الضحية الأولى هى الصحفية الفرنسية ومخرجة الأفلام الوثائقية مارين فلاهوفيتش البالغة من العمر 39 عامًا والتى عثر على جثتها ملقاة فوق سطح منزلها  بمارسيليا.

والضحية الثانية براين طومسون، 50 عامًا، الرئيس التنفيذى لواحدة من أكبر شركات التأمين الصحى فى القطاع الطبى «يونايتد هيلث كير» فى الولايات المتحدة.

وقالت وسائل الإعلام الفرنسية المحلية، إن من اكتشف الأمر هم أصدقاء فلاهوفيتش عندما توقفت عن الرد على المكالمات والرسائل، مما دفعهم إلى زيارتها وهناك وجدوها ملقاة فى سطح منزلها جثة هامدة..

 وبدأت الشرطة تحقيقًا عن سبب وفاتها، والشكوك التى تدور حول موتها بحقنة من السُّم؛ خصوصًا مع وجود آثار كدمات  خفيفة قد تكون أثر مقاومة.

ووثقت منظمة حرية الصحافة النسائية فى عام 2024 مقتل ما لا يقل عن 24 صحفية، بما فى ذلك 10 صحفيات فلسطينيات قُتلن خلال الهجمات الإسرائيلية على غزة  بالإضافة إلى  مقتل 192 صحفيًا أثناء تأدية عملهم فى قطاع غزة بالإضافة لعدد أكبر، يواجهون تهديدات متزايدة بسبب الإبلاغ عن الحقيقة. 

عُرف عن «مارين» نضالها من أجل إيصال صوت الفلسطينيين للعالم كانت تعمل بنشاط للكشف عن الجرائم التى يمارسها الجيش الإسرائيلى ضد شعب أعزل. 

 عملت «مارين» لثلاث سنوات كمراسلة صحفية فى رام الله، وكان آخر أفلامها الوثائقية بعنوان (نداء غزة) عن حياة الناس فى القطاع المحروم من أبسط متطلبات الحياة الإنسانية وصولاً بالحرمان من الحياة حتى زلزال السابع من أكتوبر.

 «القاهرة- لبنان»

عاشت مارين ما بين القاهرة ولبنان لجمع وإرسال مساعدات كما تواصلت مع العديد من الصحفيين والإعلاميين لجمع مادة فيلمها الجديد والأخير عن التطهير العرقى فى غزة. وحصلت مارين مؤخرًا على وثائق وشهادات بالصوت والصورة تؤكد ممارسة إسرائيل للتطهير العرقى فى غزة، وكانت قبيل موتها تعمل بجد لإظهار هذه الحقائق، وقد اختارت للفيلم عنوان (جيش الإبادة الجماعية).

 جيش الإبادة الجماعية

منظر جوى لجرّافة تقوم  بإزالة الأنقاض من المبانى المدمرة فى خان يونس جنوب قطاع غزة كجزء من الصراع الرهيب المستمر.. هذا المشهد فى الإسكريبت الخاص بالفيلم الذى كتبت مارين هوامش وملاحظات عنه قائلة إن العمل ثمرة شهور طويلة من البحث وجمع المعلومات من مصادر مختلفة بهدف تقييم ما يجرى هناك لتقييم عواقب هذه الحرب غير المتكافئة.

وقالت: «كان الهدف جمع أكبر قدر من المعلومات والشهادات من الفلسطينيين الذين كانوا ضحايا أو شهودًا على الغارات الجوية والتهجير والاحتجاز والتدمير المتعمد للمبانى وحرق الأراضى الزراعية والمَزارع والبنى التحتية إضافة للأشخاص الذين عانوا من عواقب القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية والطبية.

واعتمدت مارين على مستشارين محليين التقطوا أو استعادوا الصور أو مقاطع الفيديو أو الأدلة مثل شظايا الذخائر وكانوا أيضًا مسئولين عن إقامة أول اتصال مع الشهود المحتمل ظهورهم فى الفيلم الوثائقى..

وعكفت مارين على فحص ما لا يقل عن62 مقطع فيديو وتسجيلًا صوتيًا وصورًا فوتوغرافية لجنود إسرائيليين يطالبون بتدمير غزة أو يحتفلون بتدمير أهداف مدنية إضافة إلى43 مقطع فيديو عن 34 هجومًا على المساجد تمّت دراسة 15 غارة جوية بالتفصيل و75 تحليل تصريحات كبار القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين.

وعملت مارين من ضمن التحضيرات للفيلم على تحليل الأدلة الرقمية؛ باستخدام وسائل تكنولوجية مختلفة مثل الاستشعار عن بُعد، وتدعم هذه البيانات بالشهادات والوثائق الرسمية؛ بهدف إثبات انتهاكات القانون الدولى.

كل الحالات انطبق عليها التوصيف الخاص باتفاقية الإبادة الجماعية 1948 طبقًا لبنودها؛ فإن الأفعال التى يرتكبها الجيش الإسرائيلى مدرجة فى قائمة الأفعال غير المشروعة.

هذه  الأعمال المحظورة طبقًا للقانون الدولى قد نُفذت بنية محددة هى القضاء على الفلسطينيين فى غزة، أثبتت كل الأدلة والشهادات نية الإبادة الجماعية بعد فحصها بطريقة شاملة (السياق، ووجود نمط سلوكى عام، والطبيعة المنهجية للأعمال غير القانونية، وحجم ودرجة الخسائر).

 شكوك وإنكار

ونفَى المدعى العام فى مارسيليا ضلوع الموساد وعملائه  والمعروف أنهم كثر فى مارسيليا، معتبرًا أن إسرائيل مشغولة بأشياء أهم من قتل صحفية! وقال هناك كثيرون مثلها لماذا لم يتعرض لهم أحد؟!. 

زادت تصريحات المدعى العام من شكوك أصدقاء «مارين» حول إن هناك شيئًا ما قد حدث  بالفعل وهناك شخصيات من مصلحتها إخفاء الأمر؛ خصوصًا أنه تم إبلاغهم أن تقرير السموم سوف يستغرق وقتًا!

 جريمة التأمين الصحى!

على  الجانب الآخر من العالم فى مدينة نيويورك بينما كان براين طومسون، 50 عامًا، يسير فى شارع ويست 54 بالقرب من شارع السادس؛ حيث كان على وشَك حضور مؤتمر المستثمرين، سمع دوى طلقات رصاص بالقرب من فندق هيلتون تبين فيما بعد أن المجنى عليه شخصية عامّة هو الرئيس التنفيذى لواحدة من أكبر شركات التأمين الصحى فى القطاع الطبى «يونايتد هيلث كير»!

تُظهر لقطات الفيديو الرجل وهو يطلق النار على ظهر طومسون، ثم يطلق النار ثلاث مرات أخرى، وفى مرحلة ما يتوقف بسبب عطل فى مسدسه. 

واعتقدت الشرطة أنه ربما كان يستخدم مسدس   T Station Six &B، وهو وسيلة شائعة للأطباء البيطريين لإعدام الحيوانات فى المزرعة برحمة.

ووجد رجال الشرطة كلمات «رفض» و«تأخير» و«عزل» مكتوبة باستخدام قلم ماركر على الرصاصات!

تطابقت هذه العبارات مع كتاب صدر عام 2010 يناقش ممارسات شركات التأمين فى تجنب دفع مستحقات العملاء مما يثير الشكوك حول ارتباط الجريمة بممارسات متعلقة بمجال عمل الضحية فى التأمين الصحى وأكدت زوجة طومسون أنه تلقى بالفعل تهديدات قبل الحادث.

 حقيبة ظهْر وقناع

وعثر رجال  الشرطة على حقيبة ظهْر القاتل فى سنترال بارك ويتم فحصها بحثًا عن الحمض النووى.

وقال مسئول بشرطة نيويورك إن الحقيبة تحتوى على أموال لعبة مونوبولى، وسترة تومى هيلفيجر وأن القاتل لا يعيش فى نيويورك لكنه وصل من أتلانتا قبل الجريمة بـ 10 أيام وأقام فى غرفة بنُزُل مع رجلين بهوية واسم مزيفين لشخص يعيش فى لوس انجلوس.

 ردود أفعال ساخرة

أثار مقتل طومسون موجات من الازدراء العام لصناعة التأمين الصحى؛ حيث كان النقد الموجَّه إلى الخدمات الصحية الوطنية فى كندا وأوروبا دائمًا هو أنه يتعين على المرء الانتظار شهورًا للحصول على موعد طبى،  ولكن فى أمريكا  ما هو أسوأ، أن ترتيب موعد مع إخصائى قد يستغرق  شهورًا، ولن يكون مجانيًا (اعتمادًا على التأمين الخاص بالفرد)، كما هو الحال فى البلدان التى ترعاها الدولة البطل!

وتبين أن قاتل «طومسون» بعد القبض عليه هو شاب اسمه  لويجى نيكولاس مانجيونى، يبلغ من العمر 26 عامًا، وهو شاب متفوق وحفيد مطور عقارى عصامى ثرى وتمتلك عائلته اثنين من النوادى الريفية ومحطة إذاعة وممتلكات عقارية ضخمة أخرى وابن عم أحد المشرّعين فى ولاية ميريلاند، درس علوم الكمبيوتر فى جامعة بنسلفانيا وحاصل على ماجستير وعاشق للمغامرات ورياضة ركوب الأمواج، يكره الرأسمالية والشركات الكبرى ويراها ظالمة وجشعة، وكان يناقش هذه الأمور مع أصدقائه فى حساباته على مواقع التواصل.

عملية فى الظهْر

يبدو أن كراهيته لشركات التأمين الصحى بدأت مع وعكته الصحية وآلامه وإجراء جراحة دقيقة  فى عموده الفقرى منذ عدة أشهر لتركيب مسامير تحوَّل بَعدها من شخص متفوق ورياضى لشخص غير طبيعى وعصبى للغاية يختفى كثيرًا عن المنزل مسببًا قلقًا مستمرًا لأسرته.

كانت الشرطة أعلنت عن مكافأة 50 ألف دولار لمَن يرشد عنه، وتم القبض عليه فى ماكدونالدز بعد أن اشتبه فيه عامل وأبلغ عنه.. الغريب أنه عثر معه على عملات أجنبية بقيمة 2000 دولار نفى أنه يملكها و10 آلاف دولار وجواز سفر والهوية المزورة، وأكد مانجيونى عدم وجود شركاء فى جريمته.

 حفل على شرف القاتل!

أصبح مانجيونى بطلاً شعبيًا فى أمريكا بسبب جريمته ولجأ البعض إلى «التيك توك» لغناء أغانٍ  تمدحه على فعلته!

وأصبحت جريمة قتل طومسون الآن موضع تسييس  باعتبارها أحدثت فورة من الغضب وعدم التعاطف مع القتيل..

 هذا الغضب، يوضّح تنصل السكان من قطاع التأمين الصحى الخاص بشكل عام، ومن يونايتد هيلث كير بشكل خاص التى لا تدفع أغلب تكاليف الرعاية الطبية. 

فى غرف الانتظار فى مراكز الرعاية العاجلة هناك مرضى يسألون موظفة

الاستقبال  باستمرار عمّا إذا كان بإمكانهم دفع 35 دولارًا أمريكيًا كدفعة مشاركة على أقساط شهرية بقيمة 5 دولارات.

«يقول أحد مستخدمى يونايتد على  تيك توك رفض يونايتد دفع ثمَن أدويتى عندما تم تشخيص إصابتى بمرض التصلب المتعدد».

وتسخرسيدة قائلة: «آمل أن تحصل عائلة السيد طومسون على فاتورة»!

لقد جعل قانون «أوباما كير»، الذى تم إقراره قبل أكثر من عشر سنوات، من الممكن تغطية عشرات الملايين من الأمريكيين كانوا من دون تأمين صحى.

تغطى  شركة  يونايتد نحو 50 مليون شخص فى الولايات المتحدة وحققت أرباحًا بقيمة 16.4 مليار دولار فى عام 2023..

وفى العام نفسه؛ بلغت أرباح رئيسها، برايان طومسون، أكثر من 10 ملايين دولار وتعد من أكثر الشركات التى ترفض طلبات تغطية العلاجات بشروط قاسية..

وتظل تكلفة الصحة والتفاوت فى الرعاية مرتفعة فى الولايات المتحدة، ووفقًا للأرقام الحكومية، أنفق المقيمون الأمريكيون 1.29 تريليون دولار على التأمين الصحى الخاص فى عام 2022 كما  تمت تغطية 216.5 مليون مقيم بالتأمين الصحى الخاص فى عام 2023 (من بين أكثر من 330 مليون نسمة ويدار التأمين العام تحت تفويض الحكومة  عن طريق شركتى مديكير وميديكيد). 

 معاناة الناس

 مؤخرًا؛ قررت إحدى شركات التأمين فى الشمال الشرقى، ثم تراجعت عن قرارها فى وقت لاحق (بعد احتجاجات عامة)، بالحد من ساعات التخدير التى يمكن للمريض الجراحى الحصول على تعويض عنها.

فهل ينبغى لطبيب التخدير، فى منتصف عملية جراحية طويلة، أن يوقف الخرطوم ويطلب من المريض أن يتحمل الأمر؟ أَمْ ينبغى أن يُطلَب من المريض آلاف الدولارات مقابل تلك الساعات القليلة الأخيرة؟ وقبل أن نلوم الأطباء على هذه الرسوم المرتفعة؛ دعونا نتذكر أن أطباء التخدير يدفعون ثروات طائلة فى تأمينات الإهمال الطبى.. للشركات التى تدفع لها شركات التأمين مَبالغ طائلة.