حصاد الأزهر الشريف جولات تاريخية للإمام الأكبر تؤكد عالمية الأزهر ومكانة شيخه.. وتعاون دينى لتفعيل مبادرة «بناء الإنسان»

صبحى مجاهد
العديد من الأحداث شهدها الأزهر خلال عام 2024، حيث شهد زيارات تاريخية للإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر أكدت على مكانة الأزهر العالمية، وأسهمت فى تعزيز مكانة الأزهر كإحدى أبرز المؤسسات الدينية والفكرية على المستويين العربى والعالمى. جاءت هذه الزيارات فى إطار تعزيز الحوار بين الثقافات وترسيخ قيم التسامح والسلام، إضافة إلى تسليط الضوء على التحديات الإنسانية المشتركة، مثل أزمة التغيُّر المناخى.
كما أبرزت التزام الأزهر الشريف بدعم القضايا العربية العادلة، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، وذلك فى ظل تصاعد الجرائم الوحشية التى يرتكبها الاحتلال الصهيونى فى قطاع غزة، واستمرار الانتهاكات المتزايدة بحق الشعبين الفلسطينى واللبنانى.
شملت زيارات فضيلة الإمام الأكبر دولًا عدة، منها: ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند والإمارات وأذربيجان، حيث التقى ملوكًا ورؤساء وقادة سياسيين ودينيين، وناقش قضايا إسلامية ودولية ركزت على دور الأزهر فى نشر الفكر الوسطى ومكافحة التطرف، إلى جانب الدعوة لتبنى نهج التعاون المشترك لمعالجة القضايا البيئية والإنسانية.
بناء الإنسان
وخلال عام 2024 أطلق مركز الأزهر العالمى للفلك الشَّرعى وعلوم الفضاء بمجمع البحوث الإسلاميَّة، برئاسة الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، مبادرة «بالإنسان نبدأ»، بالتعاون مع الكنيسة المصرية ممثلة فى المركز الثقافى القبطى، ومشاركة بيت العائلة المصرية، وذلك تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، فى إطار المشاركة فى المبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان» التى أطلقها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية.
وارتكزت مبادرة «بالإنسان نبدأ» على مرتكزات أربعة هي: التكامل بين المعارف والأخلاق كضرورة وجودية، وبناء الإنسان من غايات الرسالات السماوية، وترسيخ الأخلاق كضرورة فى بناء الإنسان، وتوحيد الصف فى مواجهة التحديات المعرفية والقيمية.
القضية الفلسطينية
كما شهد عام 2024 الكثير من الأحداث والتداعيات والأزمات والتحديات داخل مصر وخارجها، والتى تطلبت وجودًا وموقفًا مهمًا من المؤسسات وعلى رأسها الأزهر الشريف، والذى كان حاضرًا بقطاعاته ورجاله، وكان د.محمد الضوينى، وكيل الأزهر، شاهدًا ومقدمًا الكثير من الإنجازات والجهود الكبيرة خلال العام المنقضى، حيث شارك فى العديد من الأنشطة فى جميع المجالات العلمية والدعوية والمجتمعية والإنسانية والدولية، قدم خلالها مقترحات ومطالبات علمية وفكرية مهمة وتوصيات ملهمة تسهم فى حل العديد من الظواهر التى تؤرق المجتمع، فضلًا عن مشاركته فى العديد من المعارض الفنية، كما وقع العديد من البروتوكولات التى ترسخ أهمية ودور مؤسسة الأزهر فى المجتمع، ومع تصاعد الأحداث فى فلسطين فقد كانت حاضرة فى كثير من كلماته بالمؤتمرات والندوات العلمية والتى أوجع فيها الضمير العالمى الذى تقاعس عن أداء دوره نحو الفلسطينيين، وسعى من خلال جولات خارجية لتوضيح دور الأزهر وجهوده فى خدمة الإسلام والمسلمين.
وقد احتلت القضية الفلسطينية أولى أولويات الأزهر الشريف، ودعمًا لهذه القضية المهمة لكل مسلم وكل منصف، فقد أكد وكيل الأزهر خلال مشاركته فى احتفالية نهضة العلماء بإندونيسيا فرع القاهرة أن ارتباط المسلمين بالأقصى والقدس وفلسطين ارتباط عقدى إيمانى وليس ارتباطًا انفعاليًا عابرًا ولا موسميًا مؤقتًا، وفى مؤتمر كلية الدعوة الإسلامية الثالث أكد أن التاريخ لا يغفر خطايا مجرمى الحرب الذين لا يردهم دين ولا قانون ولا يؤلمهم تفجير ولا هدم ولا قتل، وبمؤتمر الإفتاء جاءت دعوات من الأزهر وإمامه الأكبر إلى الشعب الفلسطينى الصامد فى وجه الآلة الصهيونية المتغطرسة وأن استهداف المدنيين وقصف المؤسسات جريمة حرب مكتملة الأركان ووصمة عار يسجلها التاريخ بأحرف من خزى على جبين الصهاينة ومن عاونهم، وبالنسخة الخامسة من الأسبوع العربى أكد أن مأساة الشعب الفلسطيني تحدث أمام مجتمع دولى يقف متفرجًا وعاجزًا عن وقف معاناتهم، وأن الكيان المحتل لا يرقب فى شعب فلسطين الأبى إلًا ولا ذمة ويوقعه تحت وطأة القتل والتهجير.
كما أعلن الدكتور محمد الضوينى، وكيل الأزهر، شروع قطاعات الأزهر المختلفة فى الرد على الشبهات والأطروحات المثارة على الساحة، والتى تهدف إلى الطعن فى ثوابت الفكر، وما استقرَّ فى وجدان الأمَّة، والتشويه المتعمَّد للتُّراث، واتِّهامٍ ظالمٍ للعلم والعلماء.
فيما فاز مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية بالأزهر الشريف خلال عام 2024 بجائزة التميز الحكومى العربى، وذلك عن فوز واحد من أبرز مشروعاته «وحدة لم الشمل»، بجائزة أفضل مشروع حكومى عربى فئة التكريم الخاص؛ حيث تم تكريم فريق المركز برئاسة الدكتور أسامة هاشم الحديدي، خلال حفل تكريم الفائزين فى الدورة الثالثة من «جائزة التميز الحكومى العربى»، والتى أطلقتها حكومة دولة الإمارات بالشراكة مع جامعة الدول العربية، بهدف المساهمة فى التطوير الإدارى والتميز المؤسسى الحكومى على المستوى العربى، وتحفيز الفكر القيادى، والاحتفاء بالتجارب الإدارية والحكومية الناجحة فى الدول العربية.
تحقيق معايير الجودة
وخلال 2024 استهدف الأزهر تحقيق معايير جودة التعليم وإدخال طرق حديثة فى التعليم وتقديم الكثير من الدورات التعليمية للمعلمين والإداريين فى كل المجالات مما رفع من جودة التعليم الأزهرى، وأسفر ذلك على إقبال كبير على التعليم الأزهرى ودخول الكثير من معاهد الأزهر جودة التعليم، حيث تم اعتماد (184) معهدًا أزهريًّا و(11) كلية وبرنامجًا من هيئة ضمان الجودة.
وحرص وكيل الأزهر على التفاعل مع هذا الملف وتوجيه التعليمات لقطاع المعاهد الأزهرية لتحقيق أهداف جديدة ومواكبة كل سبل التقدم فى مجال التعليم، كما شارك فى العديد من مؤتمرات الجودة لبيان جهود الأزهر فى هذا الملف والاستفادة من الخبرات الجديدة التى تقدم، ففى المؤتمر السابع للهيئة القوميَّةِ لضمان جودة التعليم والاعتماد والذى عقد بعنوان «جودة التعليم فى عصر الذكاء الاصطناعي» دعا إلى وضع ميثاق أخلاقى لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى مجال التعليم.
وإيمانًا بأن الطلاب يحتاجون إلى تحفيز قوى ودافع لجعلهم يتميزون فى مجالات جديدة قدم الأزهر العديد من المسابقات للطلاب ومنها مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم والتى شارك فيها أكثر من 150 ألف متسابق بقيمة جوائز تجاوزت 23 مليون جنيه.
تطوير التعليم الأزهرى
وخلال عام 2024 اتخذ قطاع المعاهد الأزهرية الكثير من الإجراءات لتطوير العملية التعليمية على مستوى الطلاب والمعلمين والإداريين وكذا تطوير المناهج وتحديث اللوائح؛ لمواكبة مستجدات العصر مع الحفاظ على الهوية الأزهرية، وتم تنفيذ البرنامج التدريبى التكاملى الشامل لتنمية مهارات شيوخ المعاهد ومنسقى الدمج بالمناطق الأزهرية، بالإضافة إلى تدريب (250) مدربًا على أن يتم نقل الخبرات لعدد (7000) مُعلم.
ومواكبة للمستجدات الحديثة فى المناهج التعليمية أعلن القطاع أبرز التعديلات بالمواد الدراسية للمرحلة الثانوية بالعام الدراسى الجديد بهدف رفع مستوى التحصيل العلمى لدى الطلاب والطالبات، ولتطوير المعاهد وفقا لمعايير جودة التعليم، تم تحويل عدد 6 معاهد عادية إلى معاهد نموذجية، كما تم فتح فصول لغات جديدة فى 37 معهدًا على مستوى جميع المناطق، ولزيادة حفظة كتاب الله تم التوسع فى إنشاء مكاتب تحفيظ القرآن الكريم التى يشرف عليها الأزهر الشريف لتصل إلى 10863 مكتبًا، وللتحفيز على القراءة تم تطوير المكتبات المركزية بالمناطق الأزهرية وجعلها مراكز ثقافية، وتم تدريب ورفع كفاءة العاملين بمكتبات المعاهد الأزهرية.
ولأول مرة.. تحويل منهج رياض الأطفال إلكترونيًا من خلال برنامج (Storyline)، ولرفع مستوى طلاب المعاهد الأزهرية فى اللغة الإنجليزية تم تأليف كتب اللغة الإنجليزية للمستوى الرفيع من مرحلة رياض الأطفال حتى الصف الثانى الثانوى للمعاهد النموذجية، فضلا عن تأليف سلسلة كتب (ومضة من الوحي) للمرحلة الثانوية من الصف الأول الثانوى حتى الصف الثالث الثانوى.
التحول الرقمى
كما تم إنشاء نادى تكنولوجيا المعلومات بالمعاهد الأزهرية، لتقديم خدمات لجميع المعاهد الأزهرية، وإطلاق مشروع رواد الأزهر وتكنولوجيا المستقبل، فضلا عن انطلاق الدورة التدريبية المتخصصة فى تطبيقات الذكاء الاصطناعى وآليات الاستفادة منها فى العملية التعليمية، بالإضافة إلى تدريب موجهى عموم وموجهى أوائل وبعض موجهى الحاسب الآلى على استخدام برامج الذكاء الاصطناعى فى التعليم.
وأنشأ قطاع المعاهد الأزهرية برنامج مسابقة الأزهر فى القرآن الكريم، ضمانًا لشفافية النتائج، وتم إنتاج وتصوير ونشر حلقات الماهر بالقرآن الكريم «المتشابهات فى القرآن الكريم»، فضلا عن التنسيق والإشراف على توثيق الاختبارات الإلكترونية الخاصة بمسابقة الأزهر فى حفظ القرآن الكريم، والامتحانات الإلكترونية الخاصة بشهادتى العالية والتخصص بمعاهد القراءات والشهادة الثانوية الأزهرية.
اتفاقية لدعم الصحة النفسية
ولأول مرة تم خلال 2024 توقيع اتفاقية لدعم الصحة النفسية وبرتوكول تعاون لإنشاء أروقة لتحفيظ القرآن بفروع نادى قضاة مصر، حيث شهد وكيل الأزهر توقيع اتفاق تعاون بين مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية ومؤسسة فاهم للدعم النفسى بشأن «دعم الصحة النفسية للأسرة المصرية»، وتركز بنود الاتفاق على التعاون فى مجال الصحة النفسية، وعقد مؤتمرات وندوات وورش عمل، وتبادل الخبرات فى مجال الصحة النفسية، كما وقع فضيلته، بروتوكول تعاون مع نادى قضاة مصر فى المجالات الدينية والتعليمية والثقافية والإثرائية؛ من خلال تعليم القرآن الكريم وعلومه للأطفال والكبار، وذلك من خلال إنشاء أروقة للجامع الأزهر داخل فروع نادى قضاة مصر على مستوى الجمهورية.
رئيس إندونيسيا بالأزهر
وشهد عام 2024 قيام فرابوو سوبيانتو، الرئيس الإندونيسى بزيارة للأزهر الشريف والتى بدأها بلقاء شيخ الأزهر د.أحمد الطيب، حيث أعرب عن تقديره الكبير لما يبذله الأزهر من جهود لرعاية طلاب إندونيسيا، وتوفير كل سبل الراحة لهم للتفرغ لتحصيل العلوم والمعارف، مؤكدًا أن خريجى الأزهر فى إندونيسيا يتمتعون بسمعة طيبة، ويمثلون قاعدة أساسية فى إرساء قيم الإخاء والتعايش فى المجتمع الإندونيسي، وأن الدولة تعول عليهم كثيرًا فى نشر السلام المجتمعي، مشيرًا إلى أن الرئيس الإندونيسى الرابع عبدالرحمن وحيد تلقى تعليمه فى الأزهر الشريف.
زيارة الرئيس الإندونيسى للأزهر شملت لقاءه بطلاب إندونيسيا الدارسين بالأزهر بمركز الأزهر للمؤتمرات وأكد قائلا: إننى أفتخر بأبنائى الدارسين بالأزهر، وأنه قد تخرج فى الأزهر الكثير من أبناء إندونيسيا منهم رؤساء جمهورية ورؤساء وزراء وهذا فخر لنا جميعًا كالسيد عبدالرحمن وحيد، الرئيس الرابع لإندونيسيا.
وأضاف الرئيس الإندونيسى: إننا رأينا بأعيينا الطلاب الذين تخرجوا فى الأزهر يحافظون على الكنائس فى أعياد المسيحيين وهذا الدرس تعلمناه منهم، فتعلمنا منهم كيف نتعايش فى سلام ونحافظ على بلادنا، وهذا هو النموذج المثالى للأزهر، فهم ينورون إندونيسيا بمنهج الأزهر الوسطى.
الفائز بنوبل بالأزهر
كما شهد عام 2024 زيارة هى الأولى من نوعها قام بها محمد يونس، رئيس الحكومة المؤقتة لبنجلاديش، والحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2006، للأزهر الشريف والتقى شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، كما قام بإلقاء محاضرة برحاب الأزهر فى مركز مؤتمرات الأزهر بحضور طلاب بلاده حيث أكد: «لشرف عظيم أن أحضر إلى مؤسسة الأزهر العريقة، فكلما زرت مصر كنت أنظر إلى الأزهر من بعيد، إنها خبرة لا تضاهيها خبرة حصلت عليها من قبل»، مشيدًا بتمكن الأزهر ونجاحه فى رعاية تلك الأعداد الهائلة من الأكاديميين والطلاب المصريين والوافدين.
وقال رئيس حكومة بنجلاديش، «فى طفولتي، كان والدى يحكى لى ولإخوتى عن جامعة الأزهر كمرتكز علمى جوهرى فى الشرق، وليس كمجرد مؤسسة للتعليم العالي؛ وارتحل المئات من منطقتنا إلى هذه المؤسسة العظيمة طلبا للعلم».
وأضاف: «نحن ننظر إلى الأزهر كبوتقة لمذاهب عدة؛ تشمل الحنفى، والمالكى، والشافعى، والحنبلى. ولطالما تمسك الأزهر بقيم العدالة والمساواة والبحث الفكرى، والتى جذبت الناس إلى الإسلام فى سنواته الأولى، كما سعى إلى إلهام روح البحث خارج نطاق الدين، وتعزيز تلك الروح»، مؤكدًا أن تأثير الأزهر فى بنجلاديش قد امتد على نطاق واسع منذ زمن بعيد، حين جلب العلماء الذين تخرجوا فى الأزهر التصوف إلى بنغلاديش، والذى هو جزء لا يتجزأ من التراث الثقافى والروحي، قائلا: «حتى يومنا هذا، تحظى آراء علماء الأزهر بتقدير كبير فى بنغلاديش، ولا تزال تسهم فى تشكيل الخطاب الدينى والاجتماعى المعاصر».
وتابع قائلا: «أتطلع إلى الأزهر لقيادة التحول الضرورى فى مجتمعاتنا، حيث أن رسالته الجامعة فكريًا وأخلاقيًا وروحيًا يمكن أن تلهم المسلمين فى جميع أنحاء العالم وكذلك الإنسانية جمعاء لتبنى حضارة متوازنة ومتجانسة»، مؤكدًا أننا نعيش فى وقت يجب أن تتوجه فيه المساعى البشرية نحو البحث عن العدل والتصالح وعن نظام عالمى مُنصِف تمثل روح التعاطف الإنسانى فيه أولوية تتغلب على روح الانتقام والظلم والمنظورات الضيقة للنظام العالمى.