دار الإفتاء 2024 تغيير قيادى .. وجهود فكرية مكثفة
صبحى مجاهد
دار الإفتاء المصرية شهدت خلال عام 2024 تغيير قيادتها بتعيين فضيلة د.نظير عياد مفتيًا للجمهورية خلفًا لفضيلة الدكتور شوقى علام فى أغسطس 2024، حيث أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، قرارًا جمهوريًّا بتعيين الدكتور نظير محمد عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، مفتيًا للجمهورية، لمدة أربع سنوات بناءً على ترشيح من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.
وفى أولى خطوات التفاعل المجتمعى فى عهد د. نظير عياد مفتى الجمهورية الجديد خلال 2024 أعلنت دار الإفتاء المصرية عن مشاركتها باستراتيجية جديدة لتفعيل دور الفتوى فى بناء الوعى، وتنمية الإنسان، وأداء دور فاعل فى مبادرة «بداية جديدة لبناء الإنسان».
وأعلنت دار الإفتاء المصرية عن خمسة محاور فى دعم المبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان». المحور الأول ترسيخ الهُويَّة المصرية من خلال الخطاب الإفتائى المعتدل، الذى يبرز مكانة مصر وأدوارها الريادية فى صناعة الحضارة الإسلامية والإنسانية على مرِّ التاريخ، ويُجلى خصائص المجتمع المصرى الذى كانت - ولا تزال- له جهود كبيرة فى تطوير الفكر الإسلامى ونشر الوسطية فى العالم.
أما المحور الثانى فشمل العمل الجاد على التنسيق مع جميع مؤسسات الدولة المصرية للتعاون والتكاتف والتكامل نحو تنفيذ جميع البرامج والمشروعات والأطروحات المجتمعية فى ربوع مصر، وتقديم أفكار إبداعية ومتميزة لتنفيذ هذه البرامج على أرض الواقع بشكل يتناسب والتطلعات الرئاسية للمبادرة.
بينما تضمن المحور الثالث تخصيص مضامين ومحتويات إفتائية ودينية مناسبة تعزِّز القيم والمبادئ الأخلاقية فى المجتمع، وذلك من خلال جميع المنصات الإلكترونية أو الإفتائية الخاصة بدار الإفتاء المصرية، وسوف يكون ذلك ضمن خطَّة واستراتيجية ممنهجة وواضحة تتوافق والقضايا المُلحَّة فى المجتمع.
أما المحور الرابع فيقوم على تخصيص مجموعة من البرامج التدريبية والتأهيلية التى تعقدها دار الإفتاء المصرية تكون خاصة بالشباب والفتيات، وذلك بهدف تعزيز الهُويَّة المصرية وترسيخ القيم الدينية والمبادئ الأخلاقية؛ وذلك لأنَّ الشباب هم عماد الحاضر والمستقبل.
فيما شمل المحور الخامس تخصيص مجموعة من المُفتين المتميزين للمشاركة الإعلامية الجادة فى جميع البرامج والقنوات الإعلامية التى ستُعنى بالقضايا المجتمعية المعاصرة والملحَّة، وذلك بهدف بيان الرؤية الدينية المعتدلة نحو هذه القضايا؛ مما يحدُّ بشكل رئيس من ظاهرة فوضى الفتاوى المعاصرة، التى تعمل على زعزعة الاستقرار المجتمعى، وتهدِّد أمنه وسلامته.
مليون ونصف المليون فتوى
وكعادتها قدمت دار الإفتاء تقريرَها السنويَّ لعام 2024، الذى استعرض أبرز ما حققته فى مختلف مجالات الفتوى، وبناء الوعى المجتمعى، وتصحيح المفاهيم الدينية، والتصدى للتحديات التى تواجه المجتمع، بالإضافة إلى دعم الاستقرار المجتمعى وتعزيز القيم الدينية الداعمة لتقدم المجتمع وحفظ أمنه الفكرى.
وشهد العام 2024 نموًّا ملحوظًا فى عدد الفتاوى التى أصدرتها الدار عبر إداراتها المختلفة، حيث بلغ إجمالى الفتاوى الصادرة ما يزيد على 1.422.921 فتوى، شملت الفتاوى الشفوية والهاتفية والمكتوبة والإلكترونية التى وردت إلى المقرِّ الرئيسى للدار أو فروعها فى جميع أنحاء الجمهورية، وعبر تطبيق دار الإفتاء، والبث المباشر، وصفحات التواصل الاجتماعى.
فتاوى الأسرة تتصدَّر القائمة
وقد واصلت فتاوى العلاقات الأسرية والزوجية والطلاق والأحوال الشخصية تصدُّرها لموضوعات الفتاوى التى استقبلتها الدارُ، حيث شكَّلت %67 من إجمالى الفتاوى؛ مما دفع دار الإفتاء إلى تكثيف جهودها فى دعم استقرار الأسرة المصرية وحمايتها من التحديات التى تهدد بنيانها. وقدمت الدار برامج تدريبية وإرشادية للمقبلين على الزواج عبر إدارة الإرشاد الزواجى لتحقيق الترابط الأسرى.
وجاءت الفتاوى الخاصة بالعبادات والمعاملات فى المرتبة الثانية، حيث شكَّلت %25 من إجمالى الفتاوى، بينما توزعت النسبة الباقية على قضايا أخرى متنوعة تهمُّ الناس.
المؤتمرات الدولية
فيما عقدت دار الإفتاء المصرية والأمانةُ العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم مؤتمرها السنوى العالمى التاسع تحت رعاية فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبعنوان «الفتوى والبناء الأخلاقى فى عالم متسارع» يومى التاسع والعشرين والثلاثين من يوليو 2024 بالقاهرة، بمشاركة علماء ووزراء ومفتين من أكثر من 104 دول.
وتفاعلًا مع المبادرة الرئاسية «بناء الإنسان» عقدت دار الإفتاء أُولى ندواتها بعنوان «الفتوى وبناء الإنسان» يوم 8 أكتوبر 2024، تحت رعاية دولة رئيس مجلس الوزراء، بمشاركة عدد من الوزراء وقيادات الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، إلى جانب رجال الفكر والثقافة والإعلام والمجتمع المدنى.
كما عقدت الدار أُولى ندواتها الدولية يومَى 15-16 ديسمبر، تحت رعاية كريمة من فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى تحت عنوان «الفتوى وتحقيق الأمن الفكرى»، بمشاركة واسعة من علماء ومفتين من مختلف دول العالم، بالإضافة إلى نُخبة من أساتذة وعلماء الأزهر الشريف، وذلك بمناسبة اليوم العالمى للفتوى الذى يُحتفى به فى الخامس عشر من ديسمبر من كل عام.
وحدة حوار
وتعد وحدة حوار من الوحدات التى كان لها نشاط كبير فى دار الإفتاء خلال عام 2024 حيث كشفت الإحصائيات الصادرة عن الوحدة أنها تعاملت مع 1485 حالة فى الفترة من 1 يناير إلى منتصف شهر ديسمبر 2024، تنوعت تصنيفاتها ما بين: مسائل فى الإلحاد، قضايا العقيدة، ومسائل فى الشريعة، ومسائل فى القرآن والسُّنة، بالإضافة إلى مشكلات اجتماعية، ومشكلات نفسية، ووسواس قهرى، وحالات تميل للانتحار، فضلًا عن قضايا المرأة والحجاب وغيرها.
كما أصدرت وحدة حوار كتاب «الدليل الإرشادى للإجابة عن أسئلة الأطفال الوجودية» الذى يقدم حلولًا مبتكرة للأسئلة الفكرية المتكررة، بالإضافة إلى إعداد مطويات توعوية تغطى أهم القضايا الفكرية والدينية، وكتابة ونشر مقالات متخصصة على بوابة دار الإفتاء المصرية، تناولت قضايا حساسة مثل الإلحاد والهوية الجندرية.
وواصلت وحدة حوار خلال العام 2024 التوسع فى تناول قضايا مثل: الانتحار، الهوية الجندرية، العنف الأسرى، التطرف، والإلحاد، مستهدفة تقديم حلول شاملة تتناول الأبعاد الدينية والاجتماعية والنفسية لهذه المشكلات، فى إطار يحقق التوازن الفكرى ويعزز قيم التسامح والحوار.
مركز ضد التطرف
وأعلنت دار الإفتاء المصرية عن إطلاق مركز الإمام الليث بن سعد لفتاوى التعايش، حيث تمَّ عرض فيلم تسجيلى تعريفى بالمركز، تناول رؤيته وأهدافه ومجالات عمله، مسلطًا الضوء على دَوره فى تعزيز قيم التعايش والوسطية، ويهدُف المركز إلى إحياء تراث الإمام الليث بن سعد عبر نشر أعماله وتنظيم ندوات تناقش أفكاره ومنهجه، إلى جانب تعزيز الفقه الوسطى المصرى وترسيخ مبادئ التعايش والسلام.
كما يركز المركز على مكافحة خطاب الكراهية من خلال برامج تدريبية ودراسات متخصصة، وتشجيع البحث العلمى حول فقه التعايش عبر مسابقات للشباب، بالإضافة إلى تنظيم ندوة سنوية تحمل اسم الإمام الليث لمناقشة قضايا الفكر الإسلامى المعاصر.
كما شهد عام 2024 إعلان دار الإفتاء المصرية عن الميثاق العالمى لدور الفتوى لتحقيق الأمن الفكرى، والذى يُعدُّ الثامن ضمن مواثيق الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم منذ إعلان القاهرة عام 2015. وأهمية هذا الميثاق تنبع من طبيعة المرحلة الراهنة المليئة بالصراعات الفكرية والاجتماعية، مما يتطلب من العلماء والمفتين أداء دَورهم فى تحقيق الاستقرار الفكرى والاجتماعى.
وتناول الميثاق مواجهة إشكاليات عصرية ومنها: الإلحاد، والسيولة الأخلاقية، والتطرف الفكرى، والفوضى فى إصدار الفتاوى. وبيَّن أن الميثاق يسعى إلى تقديم خطاب شرعى مستنير يتَّسم بالعقلانية والوسطية، مع تعزيز الوحدة الوطنية والقيم المشتركة بين أفراد المجتمع، بما يسهم فى التنمية الشاملة.
الميثاق استهدف إنشاء منصات رقمية رسمية للفتوى، وتنظيم دورات تدريبية للمفتين، وتعزيز التعاون مع المؤسسات التعليمية والحكومية، وإطلاق مبادرات دولية لتفعيل دَور الفتوى فى مواجهة الأزمات الفكرية.
تعزيز التواصل العالمى
وفى إطار دَورها الريادى، عزَّزت دار الإفتاء حضورَها العالميَّ خلال عام 2024 من خلال العديد من الزيارات والجولات الخارجية، حيث شارك فضيلة الأستاذ الدكتور شوقى علام - مفتى الجمهورية السابق- ممثلًا لدار الإفتاء المصرية فى عدد من المؤتمرات الدولية فى البرتغال وسنغافورة وأذربيجان والإمارات والمملكة المغربية والجزائر.
كما شارك الأستاذ الدكتور نظير عيَّاد منذ تولِّيه منصبَ الإفتاء فى شهر أغسطس 2024 فى فعاليات ومؤتمرات دولية وأممية، وألقى كلماتٍ مهمةً فى محافلَ دوليةٍ كُبرى. حيث زار كلًّا من: البرتغال، وأوزبكستان، وأذربيجان، وروسيا، والبحرين... وغيرها؛ لتعزيز التعاون الإفتائى ومدِّ جسور الحوار والتعاون مع دول العالم.
التواجد الرقمى
واستمرَّت دارُ الإفتاء المصرية خلال عام 2024 فى تعزيز وجودها الرقمى عبر مواقع التواصل الاجتماعى، محققة إنجازاتٍ بارزةً فى تقديم خدماتها الإفتائية والدينية. وَسَعَتِ الدارُ للاستفادة من الأدوات التكنولوجية الحديثة والذكاء الاصطناعى، إلى جانب إمكانيات السوشيال ميديا، لتوسيع قاعدة متابعيها، وبناء الوعى المجتمعى، وتصحيح المفاهيم، وَفق منهجية علمية وسطية لمواجهة الغلو والتطرف، ومعالجة الظواهر والمشكلات الاجتماعية.
وشهدتِ الصفحةُ الرسمية لدار الإفتاء على فيسبوك تطورًا ملحوظًا خلال العام، حيث زاد عدد المتابعين بمقدار 1.200 مليون مشترك ليصل إلى أكثر من 13.7 مليون متابع، فيما بلغ عدد الأشخاص الذين وصلت إليهم منشورات الصفحة حوالى 70 مليون شخص، مما يعكس تأثير الدار المتزايد على المجتمع الرقمى.
وتمتلك دار الإفتاء المصرية حضورًا قويًّا عبر 22 صفحة على موقع «فيسبوك» بلُغات مختلفة، بالإضافة إلى حساباتها على منصات مثل: X (تويتر سابقًا)، إنستجرام، وتيك توك، يوتيوب، تليجرام، وساوند كلاود، وقناة خاصة على واتس آب.
وقد وصل إجمالى عدد المتابعين لجميع المنصات إلى أكثر من 15.5 مليون متابع، منهم أكثر من 13.7 مليون على صفحتها الرسمية على «فيسبوك». وبلغت نسبة التفاعل على مختلف المنصات خلال عام 2024 أكثر من 180 مليون تفاعل.
كما خصَّصت دار الإفتاء على مدار العام 2024 خدمة يومية يظهر فيها أحد علمائها للإجابة عن أسئلة المتابعين مباشرة لمدة ساعة يوميًّا وَفْقَ جدول محدد، مع الردود المكتوبة على الأسئلة لتعزيز الفائدة.
كما قدَّمت الدارُ خدمةَ البثِّ المباشر بمشاركة متخصصين فى الإرشاد النفسى والاجتماعى، إلى جانب العلماء الشرعيين، لحلِّ المشكلات الأسرية والحفاظ على استقرار الأسرة المصرية، خاصة فى قضايا الطلاق، باستخدام وسائل توعوية مبتكرة تجمع بين البُعد النفسى والشرعى.
الحملات التفاعلية
وأطلقت دارُ الإفتاء المصرية خلال عام 2024 العديد من الحملات التفاعلية التى لاقت صدى واسعًا لدى المتابعين، مثل: حملة «بداية جديدة لبناء الإنسان»، استجابةً للمبادرة الرئاسية، والتى تفاعل معها عدد كبير من المستخدمين، وحملة «خُلُق يبنى»، للمساهمة فى مواجهة السيولة الأخلاقية وإعادة منظومة القيم الأخلاقية فى المجتمع، وحملة «لو كنت على نهر جارٍ»، التى جاءت للتوعية بأهمية الحفاظ على المياه من الهدر ومن التلوث.