فلسطين.. لاتطبيع قبل السلام
أحمد حمروش
كانت فلسطين تعيش معى فى الفترة الأخيرة طوال الوقت.. فى اليقظة والأحلام.. فى الحوار مع الأصدقاء وفى سماعة الإذاعة والمشاهدة فضائيات.. فى مأساة الحاضر التى تبعث الضيق والتوتر والغضب.. فى الذكريات التى تعيد الماضي.. وفى التطلعات إلى المستقبل وما يمكن أن يحمله لنا من سلام يوفر حياة أفضل.. أو تواصل فيها حكومة إسرائيل أعمال العدوان والتدمير والاغتيال ومحاولة تثبيت الاستعمار الاستيطانى
كانت الأحوال فى فلسطين تفرض نفسها.. وكانت الأحوال فى غزة هى قمة المأساة.
وما من حرب تحرير وطنية قد امتدت كل هذه السنوات التى لم تتوقف فيها الدمار وتتساقط الضحايا وتنزف الدماء كل يوم تقريبا.. وما من شعب فى العالم لم يحقق إقامة دولته المستقلة مثل شعب فلسطين.
وانتهت القمة العربية التى لم توفر لفلسطين أكثر من بيانات التأييد ولم تتخذ خطوات عملية.. بل إن وزراء خارجية بعض الدول العربية قد استقبلوا وزيرة خارجية إسرائيل وكأنه نوع من التطبيع والرضا بما ترتكبه حكومة إسرائيل.. وهو أمر يتناقض مع إرادة الشعوب العربية التى ترفض التطبيع إلا بعد السلام الشامل والعادل... وأمامنا مثال واضح فى الدول التى عقدت حكوماتها معاهدات مع إسرائيل.. فإن شعوبها لاتزال ترفض التطبيع مع شعب إسرائيل قبل أن يتحقق السلام الكامل لشعب فلسطين.
ثم كانت زيارة جيمى كارتر رئيس الولايات المتحدة الأسبق ومهندس اتفاقيات كامب ديفيد محورا من محاور الاهتمام..
فقد حملت لنا جديدا تمثل فى رفض حكومة إسرائيل الترحيب به أو السماح له زيارة غزة لأنه قرر مقابلة زعماء حركة حماس فى دمشق واعتبرت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية أن فى ذلك تقوية وتعزيزا لفئة رافضة للسلام واعتبرت فى ذلك ممالأة لفلسطين رغم حرص الرئيس كارتر على التأكيد بأنه قادم إلى المنطقة من أجل إقرار السلام.
وانتهت زيارة جيمى كارتر دون نتيجة إيجابية من أجل تحقيق السلام.. لأن حكومة إسرائيل لاتزال تصر على موقفها العدوانى، ولأن بعض المتطرفين الفلسطينيين لا يقبلون على تحقيق الوحدة الوطنية بما يعطى السلطة الوطنية بقيادة محمود عباس فرصة المواجهة مع إسرائيل بفكر واحد وحركة واحدة. وكانت زيارة محمود عباس إلى واشنطن بعد مؤتمر القمة العربى تأكيدا على رغبته فى تحقيق السلام وإدراكه للدور الذى يمكن أن تلعبه أمريكا فى هذا المضمار.. ومع ذلك فإن هناك خطوطا لا يتجاوزها محمود عباس فى قراراته وحركته إيمانا منه بأنها إرادة شعبه الذى طالت معاناته وأهدرت حقوقه.. ولذا فإن الإدارة الأمريكية فى مساندتها غير المشروطة لحكومة إسرائيل تتخذ موقفا بعيدا عن العدل والحق والحياد.. وتدفع حكومة إسرائيل إلى مزيد من العنف والعدوان.
وكان لى حوار هذا الأسبوع مع (أبومازن) محمود عباس عندما طلبت منه الموافقة على ترشيح الأمانة العامة لمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية لسعيد كمال الأمين المساعد لجامعة الدول العربية سابقا كعضو فى أمانتها العامة وترحيب محمود عباس بذلك وموافقته ما يشغل مقعد فلسطين فى منظمة التضام.
وبعيدا عن الحاضر ومآسيه.. تعود بى الذكريات إلى ما تعرض له شعب فلسطين من أحداث مأساوية لحقت قادته وبسطاء الناس فيه.. وتذكرت أبوجهاد (خليل الوزير) الذى التقيت به عام 1968 مع زملائه أبوعمار ياسر عرفات وأبوإياد (صلاح خلف) وأبوالهول (هايل عبدالحميد) وأبواللطف (فاروق قدومي) وحديثى معهم الذى نشرته وقتها فى روزاليوسف.. ووقفت عند ذكرى رحيله العشرين يوم 18 إبريل 1988 التى تمت بعملية اغتيال قام بها الموساد وقادها (إيهود باراك) بعملية عسكرية من البر والبحر فى تونس واغتياله مع عدد من حراسه.. وأخذت أحصى عدد الجرائم التى ارتكبها الموساد ضد زعماء إسرائيل فى الماضى والحاضر.. والتى تطالعنا بها الأنباء كل يوم.. وأيقنت أن لا بد من مواجهة هذا الأسلوب بالمقاومة الشعبية والتضامن العربى ورفض كل أشكال التطبيع قبل التوصل إلى تسوية سليمة.
هذه الحالة المأساوية التى يواجهها شعب فلسطين تفرض على الدول العربية ألا تجنح إلى التطبيع منفردة، وأن تتمسك بمبادرة القمة العربية التى تجعل السلام شرطا وأساسا للتطبيع.