«روزاليوسف تشهد انسحاب القوات الإسرائيلية فى غزة وأريحا» غزة فى انتظار وصول عرفات!
![](/UserFiles/News/2024/12/01/62515.jpg?241201104309)
غزة وأريحا - نادية أبوالمجد
الكل فى غزة وأريحا فى انتظار وصول الرئيس ياسر عرفات لبدء فترة الحكم الفلسطينى بعد 27 عامًا من الاحتلال الإسرائيلى موعد وصول عرفات لم يتحدد بعد.. ولكن هل سيتحدد الموعد فى مباحثات الأربعاء القادم بالقاهرة بتوقيع اتفاق الانسحاب الإسرائيلى، ودخول أفراد الشرطة الفلسطينية.. أم سيؤجل الموعد إلى تاريخ لاحق كما حدث من قبل..؟!
إسرائيل من ناحيتها أعلنت عن نيتها فى الانسحاب وبدأت بالفعل فى إعادة انتشار قواتها فى غزة وأريحا. روزاليوسف شاهدت انسحاب القوات الإسرائيلية فى غزة وأريحا وهنا تقرير عما حدث.
طبقًا لإعلان المبادئ الذى وقع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية كان يجب الانسحاب يوم 13 ديسمبر الماضى وينتهى بحلول 13 أبريل.
ولكن لما كانت المواعيد غير مقدسة - كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحاق رابين - بعد تأخير بدء الانسحاب أساسًا بسبب قلق الإسرائيليين على أمن المستوطنات حيث لم يكن موضوع أمن الفلسطينيين مطروحًا قبل مذبحة الخليل.. لذا لم يبدأ الانسحاب فى موعده.
وفجأة قررت إسرائيل أن تبدأ فى الانسحاب وإعادة انتشار قواتها، ولكن هل هذا الانسحاب يشكل استعراضًا يعزز من موقف إسرائيل فى مباحثات القاهرة... وذلك بتشغيل ضغط على منظمة التحرير حتى لا تثير عقبات فى اللحظة الأخيرة تعوق الاتفاق الذى كان من المقرر أن يستكمل تطبيقه فى 13 أبريل؟!
فمنذ الأسبوع الماضى بدأ البوليس الإسرائيلى تحت حماية وحدات من الجيش الإسرائيلى فى سحب مستلزماته من مكاتب وأوراق وسيارات ورأينا ناقلات عملاقة وهى تنقل دبابات إسرائيلية من أريحا وغزة إلى داخل إسرائيل.
بعد 7 سنوات من الانتفاضة.. حالة من الفوضى تعم المدينة.. وقد تحولت إلى أرض بدون صاحب كما قال لى أحد محاميى المدينة فمجرد دخولى إلى غزة - عن طريق مخيم جباليا - المخيم الذى فجر الانتفاضة فى ديسمبر 87 ويسكنه بين 70 ، 80 ألف نسمة - واجه سيارتنا ثلاثة شباب يرتدون «عفريتة» بنى من قمة رأسهم إلى إخمص قدمهم وعلى رأسهم عصابة مكتوب عليها «الجهاد الإسلامى» ويحملون البلطات فى أيديهم ويرتدون جوانتيات نايلون ومعهم علب اسبراى.. وأمروا السيارة بالوقوف، ولما توقفنا طلبوا بحزم من سائق السيارة أن يغلق نور السيارة الذى كان قد تركه مفتوحًا بالخطأ.. لأننا فى الصباح.
وفى بداية الأسبوع الماضى.. قامت منظمة حماس الإسلامية بخطف أحد أعضاء فتح وردت فتح على ذلك بخطف أمين سر الجامعة الإسلامية وهو نائب الشيخ أحمد ياسين زعيم منظمة حماس!!
يقدر المحامى فرح أبومدين عدد السلاح فى غزة بما لا يقل عن 18.000 قطعة سلاح معظمها مهرب من إسرائيل حيث يعترف أحد صقور فتح - هكذا يسمى أعضاء الجناح العسكري لفتح أنفسهم - بأن إسرائيل أغرقت المنطقة بالسلاح فى الآونة الأخيرة حتى تقوم حرب أهلية.
وفى الواقع أن إسرائيل تراهن وتستثمر هذه الفوضى لصالحها، فقد بدأت فى تفكيك العديد من وحداتها ومراكزها داخل غزة إلى حيث توجد المستوطنات ولكنها قررت إعادة الانتشار من جانب واحد - من جانبها - حيث إن المفاوضات في القاهرة ما زالت جارية ولم يتم التوصل لاتفاق لدخول قوات الشرطة الفلسطينية لتحل محل القوات الإسرائيلية المنسحبة.. مما وضع المنظمة فى موقف محرج.
وقد قابل أطفال الانتفاضة انسحاب الجنود بالحجارة وزجاجات المرطبات المكسورة داخل قسم البوليس المواجه لبلدية أريحا ولقد رد عليهم الجنود فورًا بالرصاص المطاطى وبعض القنابل الصغيرة.. وترددت أصداء هذه الاشتباكات فى هذه البلدة الصغيرة - مساحتها ما زالت موضع خلاف بين الطرفين وسكانها لا يتجاوزون الـ50 ألف نسمة ويتميزون بالهدوء ليس مثل غزة - ويستعدون لاستقبال الرئيس ياسر عرفات بتحضير قصورهم وشعارات فتح وأعلام فلسطين فى كل مكان حتى على نقطة البوليس الإسرائيلية وتسمع صوت المطرب راغب علامة يتردد فى عدد من المقاهى والمطاعم التى افتتح أغلبها بعد توقيع إعلان المبادئ فى 13 سبتمبر 93.
عندما سألت أحد الأطفال الذين يقذفون الحجارة عن: «لماذا ما زالوا يرمون الحجارة رغم أنهم ينسحبون، فقال بحزم: «لأننا عايزينهم يفتكروا الأيام الأخيرة دائمًا».. هذا هو وداعنا لهم، ولقد رفضت أريحا تغيير توقيتها تبعًا لإسرائيل وبقيت مثل الأردن.
لا توجد فى أريحا مستوطنات، ولكن يوجد معبد يهودى صغير اسمه «السلام على إسرائيل» وطبعًا هو تحت سيطرة إسرائيلية وتوجد نقطة إسرائيلية لحمايته.. ولقد صرفت مبالغ كبيرة لترميمه مؤخرًا. الطريف أن هذه المبالغ صرفت من موازنة الإدارة المدنية.. وهى من الضرائب التى تجبى من الفلسطينيين!!
أما مدينة غزة - ويصل سكانها إلى مليون نسمة - فلها طابع خاص حيث إن أغلبها مخيمات للاجئى حرب 1967.. كثير من البيوت مبنية من الصفيح.. والمجارى طافحة فى كثير من هذه المناطق.
ولا يمكن أن تصدق بأی حال من الأحوال أنها تبعد حوالى ساعة ونصف الساعة بالسيارة من القدس.. حيث لا مجال للمقارنة.
أول ما يلفت النظر فى غزة - بجانب عدد السكان الضخم - هى حوائطها.. فكلها تحولت لمنشورات ترحب بالشرطة الفلسطينية. والقيادات الفلسطينية وتندد بالإسرائيليين.
ولم يفوت الجيش الإسرائيلى الفرصة.. فقد دعا الصحفيون الأجانب للقيام برحلة ليروا بأنفسهم مواقع البوليس والجيش الإسرائيلى القديمة.. والمواقع الجديدة التى انسحبوا إليها.. فهم يديرون المعركة السياسية والإعلامية بمنتهى البراعة.
وفى طريقنا إلى قاعدة الجيش حيث ستبدأ الرحلة.. شاهدنا عددًا من المستوطنين من مستوطنة «نتسريم» - إحدى الشوكات الإسرائيلية فى جنب غزة - تسكنها عائلة وهم يسورون المستوطنة بأسلاك شائكة إضافية بعد أن سمعوا بأخبار إعادة الانتشار والبنادق الأوزى على أكتافهم والقلنسوات على رؤوسهم.
بعد ذلك وصلنا لقاعدة الجيش.. بعد السؤال عن البطاقات الصحفية والتفتيش دخلنا. توجد فى مدخل القاعدة قطع أسمنتية كبيرة ومسورة بأسلاك شائكة عالية جدًا.. فيها عدد هائل من الجنود من الجنسين - المجندون فى البدل الكاكى والمجندات فى بدل بنى - كل مواطن فى إسرائيل عليه حتى بعد أن ينهى أو تنهى خدمتهم العسكرية أن يخدم فى الجيش لمدة شهر فى السنة حتى يصل لسن الخمسين.
وقال لنا أحد الضباط الإسرائيليين إنه يعتبر نفسه محظوظًا وسعيدًا أن يخرج من هذه المنطقة - خان يونس - حيث كان يتصارع طول الوقت مع أطفال الحجارة.. لأن هذه ليست حربًا.
وقد أضرت بمعنويات الجيش كثيرًا.. أن تضرب أو تقتل طفلًا لأنه يرمى حجرًا وتفتيش بيوتهم وقلبها رأسًا على عقب.
ومنذ الانتفاضة.. لا يمكن لعربة من عربات الجيش الإسرائيلى أن تسير بمفردها.. ونحن كنا فى موكب من 3 عربات جيش بجانب سيارة تقل خمسة صحفيين آخرين.
وبعد أن وصلنا لقاعدة خان يونس.. وجدنا الاستعدادات للانسحاب من هناك تجرى على قدم وساق.. فمعظم الغرف أصبحت على البلاط.. حتى الجنود المتبقين ينامون على أسرة فى خيم. منصوبة بحديقة القاعدة والتى كانت غالبًا مركز شرطة دير البلح... حيث وجدت هذه اليافطة معلقة بالمقلوب على أحد حوائط المبنى.. حتى أجهزة الاتصال والتليفون بالمركز على الأرض والجنود والمجندات جمعوا أغلب حوائجهم، كما كانت توجد أكياس ضخمة من الزبالة جمعوا فيها جرائدهم والكثير من مخلفاتهم، وكان بعضهم يعمل على نزع المازوزا - وهى عبارة عن مستطيل من المعدن يعلق على مداخل الأبواب ليميز أن سكانها يهود - ويقول الذين كانوا مسئولين فى المركز. لقد جمعنا 99 من أشيائنا.. وقد تم كل هذا بصورة مفاجئة حيث صدرت لنا الأوامر قبل 24 ساعة فقط - يوم الاثنين الماضى - ولقد تركنا للفلسطينيين الأبواب والحوائط فقط.. حيث إنه للأسف لم نستطع أن نأخذها معنا.. وأنا سعيد لأنى سأغادر هذا لأنى على الأقل لن أكون مضطرًا لأن أستمع لصوت المؤذن فجر كل يوم.
لكن عبر ضابط آخر -لم يفصح عن اسمه- عن اضطرارهم لترك هذا الموقع قائلًا بعصبية: عندما تنجو من محرقة الهولوكوست وننجو من الحرب مع العرب فإنه من الصعب أن نترك هذا المكان.. لأن دماء جنودنا هنا.. لم يكن يجب أن نتركه.
بعد عدة كيلو مترات.. وصلنا إلى الموقع الجديد لقاعدة جوش كثيف.. من الطريف أنها كانت مستوطنة سابقة تدعى كريات تسادة وكانت تسكنها 18 عائلة - لم يتبق منها إلا عائلتان.. ما زالتا تصران على عدم الانتقال إلى مستوطنة أخرى قريبة.
هذه القاعدة الجديدة -أو المستوطنة القديمة- تقع على هضبة عالية.. وتطل على البحر وسيستعمل الجيش أماكن المستوطنين السابقين ، وهى المبانى التى على عجلات وما زالت محتفظة بكونها مستوطنة.. حيث تملأ الخضرة المكان وما زالت مراجيح الأطفال فى مكانها.. وقد تناثر بعض الجنود يلعبون الطاولة.. وبعض المجندات يمشين فيها.. وبعض الجنود يدهنون بعض المبانى.
وكثير من الجنود والضباط عبر عن فرحته بكونه فى مكان هادئ الآن.. مسترخيًا بعيدًا عن حجارة الأطفال.. وأقرب إلى اليهود الذين يسكنون المستوطنات وفى حمايتهم.. وبعيدًا عن العرب الذين يكرهونهم.
والعلاقات قوية بين الجنود والمستوطنين.. حيث عبرت سيدة من إحدى العائلتين اللتين تسكنان المستوطنة، بأنها غير منزعجة على الإطلاق من انتقال الجيش ليعيش معهم فى نفس المكان.. لأن المستوطنين والجيش يعيشون معًا لعدة سنوات لدرجة أنهم أصبحوا كالمتزوجين وهم يساعدون بعضهم البعض.
وترفض هذه السيدة وزوجها وطفلاها الانتقال من هذه المستوطنة - بينهم 67 مترًا فقط - مهما كانت الإغراءات ليس لأسباب عقائدية أو دينية، ولكن لأنها تعيش فى هذا المكان منذ سنوات وتعودت عليه. وعبر العقيد مائير بن شاى المسئول عن قاعدة خان يونس الجديدة عن سعادته بالانتقال لهذا المكان.. ورجوع الجيش لمهامه الأساسية.. بعد أن كان يلعب دور البوليس.. ويتمنى أن تتسلم الشرطة الفلسطينية مسئولياتها وألا يضطروا للعودة مرة أخرى وأخذتنا العربة الجيب فى طريقنا إلى القاعدة الرئيسية مرة أخرى.. وقام الملازم فى السيارة.. بتقبيل يدى فتاتين مجندتين فى القاعدة كانتا تمشيان فى دلال واضح.. مرتديتين البنطلون الكاكى وتى شيرت أبيض إحداهما شعرها على الموضة هنا، الشعر الغجرى المجنون، وتبادلوا كلمات غزل بالعبرية.
الفلسطينيون فى غزة سعداء لكن بقلق لعدم وصول الشرطة الفلسطينية من جانب. ولتواجد الإسرائيليين فى غزة عند المستوطنات، كما أنه ليس من الواضح ما هو القانون الذى ستتبعه الشرطة عندما تصل.. كما أن بعضهم يشعر أن تضحيات القطاع.. آلاف الشهداء والجرحى والمعوقين منذ الانتفاضة وقبلها كانوا يأملون فى أكثر من ذلك.