السبت 12 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من «هيلارى» لـ«كامالا» البيت الأبيض للرجال فقط

وسط تصفيق الجماهير وخروجها على أنغام أغنية «الحرية» لبيونسيه التى استخدمتها فى حملتها، ابتسمت هاريس ولوّحت للجمهور فى الهواء الطلق قائلةً: «قلبى ممتلئ اليوم، ممتلئ بالامتنان للثقة التى منحتمونى إياها.. لم تكن هذه النتيجة التى طمحنا للحصول عليها وليست ما ناضلنا من أجله، ولا ما صوتنا له، ولكن تأكدوا أن نور الوعد الأمريكى سيبقى ساطعاً ما دمنا نتمسك بالأمل ونواصل الكفاح».



 

بهذه الكلمات جاء خطاب «الهزيمة» لنائبة الرئيس كامالا هاريس بعد أن دمر حلمها بالحصول على لقب «أول رئيسة» للولايات المتحدة بعد هزيمة ساحقة من قبل أشد أعدائها «المجنون» الذى طالما نعته بهذه الصفة وطالما أكدت أنه سيكون سبب دمار أسطورة أمريكا التى لا تهزم.. لكن الشعب الأمريكى أكد أنه يفضل حكم «المجنون» على حكم «المرأة البديلة» ليضع نهاية حكم باراك أوباما وحزبه الديمقراطى ليس فى البيت الأبيض فحسب ولكن داخل الكونجرس أيضًا، ليعطى لترامب وحزبه الجمهورى أربع سنوات من الحكم المطلق دون أى تعكير من المعارضة.

 الفوز المطلق

فى أعقاب خسارة هاريس، ألقى العديد من المحللين باللوم على عدم قدرة حملتها على التواصل بفعاليّة مع الناخبين من الطبقة العاملة، الذين عانوا بسبب التضخم والضغوط الاقتصادية، خاصة قد أظهرت استطلاعات الرأى فى يوم الانتخابات أن غالبية الناخبين يعدون الاقتصاد القضية الأهم، حيث صوت 79 % ممن حددوا الاقتصاد كأولوية لصالح ترامب. ومع ارتفاع أسعار المستهلكين، عانى العديد من الناخبين بسبب تدنى مستوى ثقتهم فى السياسات الاقتصادية للديمقراطيين.

وقد حاولت هاريس الترويج لأجندة اقتصادية تدعم الحريات الإنجابية وحقوق المرأة، إلا أن مخاوف الناخبين تجاه قضايا مثل التضخم والهجرة كانت عاملاً حاسمًا فى نتيجة الانتخابات.

وبينما حققت نائبة الرئيس نسبة عالية من أصوات النساء، إلا أن تأثير القضايا الاقتصادية كان الأقوى، وفى الوقت الذى حاولت فيه كسب تأييد الناخبين من خلال قضايا النساء والأقليات، مثل حقوق الإجهاض وتوفير السكن بأسعار معقولة، بالإضافة إلى وعد بسن قوانين تهم الناخبين من أصول إفريقية خاصة للرجال، إلا أن القضايا الاقتصادية بقيت تتصدر اهتمامات الناخبين.

وقد أظهرت استطلاعات الرأى أن الاقتصاد كان العامل الحاسم لنسبة كبيرة من الناخبين، حيث قال 31 % منهم إن الاقتصاد هو الأولوية الأساسية فى اختيارهم للمرشح. فى المقابل، أشار 14 % فقط إلى حقوق الإنجاب كعامل مؤثر فى قرارهم الانتخابى.

وعلى الرغم من جهود هاريس لتقديم رؤى جديدة لحل مشكلات الطبقة الوسطى، فإن الرسائل الاقتصادية لحملتها لم تلق صدى كافيًا لدى الكثير من الناخبين، مما أسهم فى تعزيز مواقف منافسها ترامب، الذى استطاع استقطاب قطاعات واسعة من الناخبين بسبب وعوده بتحسين الظروف الاقتصادية.

 الشعب غير مستعد لـ«أول رئيسة»

بالإضافة إلى الصعوبات الاقتصادية، كانت هاريس تواجه تحديًا آخر يتمثل فى كونها «أول امرأة» ملونة تترشح عن حزب رئيسى لمنصب الرئاسة. ومع أن ترشحها أثار موجة من الحماس وحقق أرقامًا قياسية فى جمع التبرعات، إلا أن الجدل حول هويتها العرقية ألقى بظلاله على حملتها. وعلى الرغم من أن هاريس حاولت تجنب التركيز على هويتها الشخصية، مفضلة التركيز على القضايا العامة، إلا أن هذا النهج لم يسهم بشكل فعال فى تعزيز دعم القاعدة الشعبية الديمقراطية.

وكانت تجربة هاريس تشبه إلى حد كبير تجربة هيلارى كلينتون عام 2016، حيث واجهت تحديات مماثلة فى كسب تأييد الشرائح التقليدية فى الحزب الديمقراطى. وعلى الرغم من دعم عدد كبير من الشخصيات العامة والمشاهير، لم تتمكن حملة هاريس من توسيع قاعدتها الشعبية بالشكل المطلوب.

«هيلارى - كامالا» ليست التجربة الأولى التى حاولت فيها المرأة الأمريكية أن تكسب لقب «أول رئيسة» فقبلهما كانت هناك تجارب أخرى اتسمت بالفشل منها فيكتوريا وودهل وشيرلى تشيشولم وجين أوستن، ولم تنجح أى منهن فى الحصول على ثقة الشعب الأمريكى لانتخابها كرئيسة للبيت الأبيض.

فمازال الشعب الأمريكى يحظى بطبقة من المحافظين الذين يرون أن المرأة مازالت غير مستعدة لتولى هذا المنصب، وبالفعل فبرغم كافة الوعود «غير المنطقية» فى بعض الأحيان لكامالا هاريس خاصة للطبقة المتوسطة والدونية من الشعب والحريات المطلقة،فإن ثقة الناخبين فى قيادة المرأة غير كافية.

 أسباب الفشل

وفق مقال للكاتب مايكل هيرش، فى مجلة «فورين أفيرز» أوضح أن من أسباب فشل هاريس أن ترامب قضى سنوات طويلة فى الدعاية لنفسه بحملات التضليل المركز والسخرية التى يتقنها من هاريس، واعتماده على المشاهير والمؤثرين الكوميديين، وتجاوزه مئات التهم الجنائية التى وجهت ضده، وتعود الجمهور على تلك التهم إلى درجة أنها أصبحت ليست ذات أهمية.

وقال هيرش إن هاريس أمضت الكثير من الوقت فى محاولة القول إن ترامب غير لائق للرئاسة، وقليلا من الوقت فى إيصال رسالة متماسكة حول كيف أنها ستكون الخيار الأفضل بالنسبة للشعب الأمريكى.

ورغم تغلبها على ترامب فى مناظرتهما الوحيدة فى 10 سبتمبر، وجمع أكثر من مليار دولار من التبرعات فى 3 أشهر فقط -وهو رقم قياسى جديد- تعثرت هاريس عندما سئلت عن تقديم ملخص لجدول أعمالها حول القضايا الحرجة مثل الاقتصاد والهجرة. وفى النهاية، فشلت هاريس فى إيجاد طريقة رشيقة سياسيا لإبعاد نفسها عن رئيسها جو بايدن الذى لا يحظى بشعبية قوية بين الناخبين بل على العكس كان مثالا حيا لانعدام الثقة فى رئيس المكتب البيضاوى على كافة المستويات داخليًا وخارجيًا.

 نقطة تحول

وأعاد هيرش الانتباه إلى أنه خلال مقابلة مع «بوليتيكو» خلال الأسابيع الأخيرة قبل الانتخابات، وضع مدير حملة ترامب جيسون ميلر إصبعه على ما أسماه نقطة التحول فى السباق، وهى إجابة هاريس الفاشلة على سؤال سهل من مذيع تليفزيونى ودود، صنى هوستين، الذى سأل هاريس عما إذا كانت فعلت أى شيء مختلف عن بايدن على مدى السنوات الأربع الماضية، إذ قالت هاريس «لا يوجد شيء يتبادر إلى الذهن»، وهى إجابة قال الكاتب إنها أرعبت مستشاريها. وحاولت هاريس فى الأسابيع اللاحقة تصحيح هذه الكبوة، حيث قالت فى حديثها لشبكة CNN بأن «إدارتها لن تكون استمرارا لإدارة بايدن»، لكن الخسائر قد وقعت بالفعل.

وقال هيرش إن أداء إدارة بايدن كان ضعيفا، حيث يعتقد ثلثا الناخبين أو أكثر أن الأمة كانت على المسار الخطأ، وكان هذا ميراثا استحال على هاريس التحرر من ثقله.

وأوضح أنه بعد تأخير بايدن الطويل فى الانسحاب من الحملة، تم دفع هاريس من ظلال نائب الرئيس إلى الرأى العام، ولكن لم يكن لديها أكثر من 3 أشهر لتقديم نفسها. وكان أمام ترامب 8 سنوات ليفعل الشيء نفسه، بما فى ذلك السنوات الأربع من ولايته الأولى كرئيس و4 سنوات منذ ذلك الحين.

 إنه «ترامب»!

فى المقابل أوضح الكاتب أن كافة المحاولات لتشويه صورة ترامب كرئيس أمريكى متهم فى نحو 91 قضية جنائية لم تؤت بثمارها لهاريس، موضحًا أن الشعب الأمريكى قد اعتاد الأخبار السيئة على ترامب واعتاد على طريقته فى الحديث وإدارة الأمور، موضحًا أن قاعدة ترامب الجماهيرية على تدفق الأخبار السلبية عنه، لدرجة أنه لا يبدو أن اتهامه بالقضايا الجنائية وإدانته بـ34 منها، أو أنه تمت مساءلته برلمانيا مرتين، أصبحت ذات أهمية.

وتطرق الكاتب الأمريكى إلى ما سماه موهبة ترامب التى لا مثيل لها فى الهيمنة على التصعيد فى وسائل الإعلام، والتى تستحوذ دائما على العنوان الأكبر من خلال إيجاد شيء أكثر فظاعة ليقوله، واصفا إياها بأنها كانت حاسمة فى جذب العديد من الناخبين. وقال إن كل اسم شائن أطلقه ترامب على هاريس «منخفضة الذكاء»، و«كامالا المجنونة» وما إلى ذلك حصل على تغطية واسعة وجديدة.

موضحًا أن الحملة الرئاسية لعام 2024 كانت بمثابة لحظة من الاستقطاب الأقصى فى الحوار السياسى الأمريكى، حيث كافح الجمهور للعثور على مصدر موثوق للحقيقة. وأصبح النقاش السياسى مثالا واضحا للروايات الكاذبة، وتزييفا الحقائق، مدفوعا فى الغالب بأكاذيب ترامب التى لا حصر لها.

وكان سباق 2024، حسب هيرش، منحرفا أيضا بسبب حملات التضليل الأجنبية التى نشرها خصوم الولايات المتحدة مثل روسيا والصين وإيران، وغيرها التى كانت عمليات نفوذها أكثر تعقيدا وانتشارا بكثير من ذى قبل، فى حين تخلت شركات التكنولوجيا الأمريكية عن معظم جهودها الرقابية واستسلمت جميع منصاتها لمثل هذه الانتهاكات.. بعبارة أخرى، أصبح عام 2024 بيئة مثالية لعودة ترامب.