الأربعاء 15 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعدما أصبحت سوريا مقر منتخب ميليشيات العالم: دمشق.. مصير ضائع بين تهور طهران وجنون تل أبيب

تعود جذور التعاون السورى الإيرانى إلى الغزو العراقى لإيران فى عام 1980 والحرب التى أعقبتها والتى استمرت ثمانى سنوات، وعلى النقيض من أغلب الدول العربية التى دعمت العراق رأى الرئيس السورى آنذاك حافظ الأسد أن صعود العراق يشكل تهديدًا لنفوذه الإقليمى، وقد دفع هذا سوريا إلى تقديم دعم حاسم وكامل لإيران أثناء الصراع، مما أرسى الأساس لتحالف دائم نجح فى سد الفجوة بين الاختلافات الطائفية، إذ ينتمى نظام الأسد إلى الأقلية العلوية، فرع غير تقليدى من فروع المذهب الشيعى.



وبعد الصراع العراقى الإيرانى برزت سوريا باعتبارها الحليف الرئيسى لإيران فى العالم العربى وباعتبارها قناة جغرافية حيوية بين إيران وحزب الله، وبالتالى فكان اندلاع الحرب الأهلية السورية فى عام 2011 الذى هدد قبضة نظام الأسد على السلطة بمثابة أزمة استراتيجية كبيرة لطهران كما كان يشكل تهديدًا أمنيًا مباشرًا بسبب ظهور الفصائل الإسلامية السنية مثل جبهة النصرة أحد الأفرع الإرهابية لتنظيم القاعدة، فتحركت طهران بحزم لدعم نظام الأسد وتوفير الدعم المالى والمساعدة العسكرية بما فى ذلك النشر المباشر لقوات الحرس الثورى الإيرانى والميليشيات الشيعية الإقليمية وبعد العدوان الأخير على غزة بات نفوذ إيران أقل ترسخًا وأكثر انتشارًا حيث تنشر طهران مجموعة متنوعة من الميليشيات المحلية والأجنبية لتوسيع نفوذها فى البلاد على نحو أشبه بأساليبها فى العراق وتعمل هذه المجموعات كأداة تكميلية لتعزيز استراتيجية إيران فى دعم نظام الأسد كما توفر هذه الشبكة أيضًا لقادة إيران خطة بديلة محتملة للحفاظ على نفوذ طهران فى حالة الإطاحة بالأسد أو تغير ولائه تحت أى ضغط مباشر من الدول العربية المعتدلة أو الشعب السورى نفسه، خاصة فى الفترة الأخيرة بعد أن تخلت إيران بشكل واضح عن دعم محور المقاومة وأذرعها العسكرية فى أغلب مناطق الهلال الشيعى.

وتعتبر سوريا هى الورقة الأهم والأكثر تعقيدا فى لعبة الحرب بالوكالة الدائرة فى المنطقة فمن ناحية هى الجسر البرى الأساسى الذى يوصل إيران إلى البحر المتوسط ومن ناحية أخرى هى هدف إسرائيلى واضح لضمان عدم ميل ميزان القوى بشكل غير موات يجعل أمنها الوطنى معرضا للخطر الأمر الذى يجعلها دائما عالقة بين تهور طهران وجنون تل أبيب.

وعلى الرغم من أهمية سوريا ونظام الأسد بالنسبة لإيران فإن العلاقة بينهما ليست حميمة وأصبحت تواجه تحديات أكثر وضوحا فى الأشهر الأخيرة أهمها أن إيران والأسد لا يشتركان فى رابطة أيديولوجية أو طائفية قوية كما أصبح الأسد لا يعتمد على طهران بشكل مطلق بعد أن دخلت إيران فى خلافات غير مباشرة مع قوات الأمن التابعة للأسد وأعضاء الجناح الأكثر قومية فى حزب البعث الذين يتوخون الحذر من نفوذ إيران المتوسع وإمكانية التدخل الإيرانى الطويل الأمد فى الشئون السورية وتجلت هذه الاختلافات الديناميكية فى عدم رغبة الأسد فى تقديم الدعم القوى لحماس حتى على المستوى الخطابى فسوريا هى العضو الوحيد فى محور المقاومة الذى لم يصطف بالكامل خلف حماس، الأمر الذى يشير إلى أن الأسد ربما يعتقد أنه قد يكسب أكثر إذا عرض موقفًا أكثر حيادية من حيث عدم الانجراف إلى صراع مباشر مع إسرائيل وعدم إثارة حفيظة مصر والأردن والدول العربية فى الخليج وشمال إفريقيا من خلال تشجيع التصعيد إلى جانب إظهار وجه أكثر مسؤولية للغرب كما تعتبر روسيا أيضا تحديًا كبيرًا على الأراضى السورية وكان على قادة إيران أن يديروا علاقاتهم مع روسيا فى سوريا بشكل عقلانى فموسكو حليف رئيسى للأسد لكن مصالحها وأهدافها تتعارض معظم الوقت مع مصالح وأهداف طهران، والأمر الأكثر أهمية هو أن روسيا كانت تهدف منذ فترة طويلة إلى تعزيز مؤسسات الدولة السورية والجيش السورى فى حين ينصب تركيز إيران على إنشاء وتعزيز الميليشيات والوكلاء الذين يعملون جنبا إلى جنب مع مؤسسات الدولة الرسمية وتظهر أيضًا خلافات بين طهران وموسكو بشأن طموحات الأولى لاستخدام سوريا كقاعدة ضد أعدائها وفزاعة للعرب وإسرائيل فعلى النقيض من إيران كانت روسيا منذ فترة طويلة تزرع علاقات وثيقة مع إسرائيل تهدف من خلالها إلى زيادة أهميتها الاستراتيجية من خلال التدخل بين الأطراف الإقليمية المتصارعة مما يؤثر بشكل مباشر على المصالح الإيرانية ولا سيما عدم منع الهجمات الإسرائيلية على الأصول الإيرانية فى سوريا والعمل على منع إيران من إقامة وجود دائم على الحدود الجنوبية لسوريا، لكن جاءت حرب أوكرانيا لتدفع روسيا إلى الاقتراب من إيران وحرب غزة لتعرقل العلاقات الإسرائيلية الروسية ورغم كل ما يدور من صراعات فى سوريا تحاول إيران بشتى الطرق التعاون مع المجتمعات المحلية وتقدم لها الدعم من أجل ترسيخ نفوذها من القاعدة إلى القمة، خاصة بين المجتمعات الشيعية والأقليات الدينية الأخرى كما تعمل على تعزيز قيمها ورموزها الأيديولوجية والثقافية فى سوريا بما فى ذلك الثورة الإسلامية وشهداء الشيعة والأعياد والطقوس الإيرانية، وكان هذا النهج واضحا بشكل خاص فى المناطق الواقعة إلى الغرب من نهر الفرات فى محافظة دير الزور الشرقية والتى أصبحت فعليا منطقة النفوذ الأساسية لإيران فى سوريا وهناك تشجع إيران التحول إلى المذهب الشيعى بين السكان المحليين فضلاً عن هجرة واستقرار قوات المرتزقة الشيعة الأفغان والباكستانيين فى تلك المناطق.

استهداف إسرائيل لسوريا

قامت إسرائيل باستهداف الأراضى السورية 138 مرة 112 منها بغارات جوية و26 برية أسفرت تلك الضربات عن إصابة وتدمير نحو 254 هدفًا ما بين مستودعات للأسلحة والذخائر ومقرات ومراكز حكومة وآليات عسكرية وتسببت تلك الضربات بمقتل 274 من العسكريين بالإضافة لإصابة 204 آخرين 25 من الجنسية الإيرانية من الحرس الثورى 54 من حزب الله اللبنانى 28 عراقى و80 من الميليشيات التابعة لإيران من الجنسية السورية و25 من الميليشيات التابعة لإيران من جنسية غير سورية و62 من قوات النظام بالإضافة لاستشهاد 51 من المدنيين بينهم 6 أطفال و13 سيدة إلى جانب إصابة نحو 58 منهم، فضلًا عن مقتل رجل الأعمال المقرب من إيران براء قاطرجى وابن عمه، فيما توزعت الاستهدافات على دمشق وريفها وبعض المحافظات الأخرى منها درعا وحمص والقنيطرة وطرطوس ودير الزور وحلب وحماة واللاذقية والسويداء، ويشير المرصد السورى إلى أن إسرائيل قد تستهدف بالمرة الواحدة أكثر من محافظة وكانت أشهرها الغارة الجوية الإسرائيلية التى نفذت فى أبريل 2024 نفذت إسرائيل على مجمع السفارة الإيرانية فى دمشق، مما أدى إلى تدمير المبنى الذى يضم قسمها القنصلى وقتل فى الغارة ستة عشر شخصًا من بينهم ثمانية ضباط من الحرس الثورى الإسلامى ومدنيان سوريان.

استغلال إيران للأراضى السورية

بدأ استغلال إيران العميق للأراضى السورية بعد تشتت انتباه روسيا بسبب انخراطها فى غزو أوكرانيا، وقد استلزم هذا الغزو تحولًا فى الاستراتيجية العسكرية الروسية فى سوريا وتغيير روتينها المتمثل فى تناوب الأفراد ربع السنوى بين سوريا وغيرها من المواقع النشطة، ونتيجة لذلك أعادت روسيا تشكيل انتشار قواتها داخل سوريا بما فى ذلك الانسحاب الملحوظ من جنوب سوريا وأسفرت هذه التحركات عن فراغات فى السيطرة فى المناطق الجنوبية والساحلية والوسطى من سورياو اغتنمت إيران هذه الفرصة وتحركت بسرعة لملء هذه الفراغات وأسست موطئ قدم لتعزيز نفوذها من خلال أدوات القوة الناعمة وتعززت جهود إيران بعد زلزال فبراير 2023 وباستخدام حلفائها المحليين سهلت إيران توزيع المساعدات وأسست دورًا خدميًا فى المنطقة مدركة أن الكارثة يمكن أن تزيل الحواجز التى كانت تعيق انتشارها على طول الساحل السورى.

وضعت طهران استراتيجية متعددة الجوانب لاستغلال الأراضى السورية بما يخدم مصالحها وتوسع نفوذها فى الشرق الأوسط وتتمثل الاستراتيجية فى إنشاء قواعد دائمة فى سوريا لإيواء أفراد فيلق القدس والميليشيات الشيعية الأجنبية تحت قيادته وتشمل المنشآت الإيرانية فى تلك القواعد المقر العام ومراكز القيادة والسيطرة الإقليمية وخلايا الاستخبارات وكتائب الطائرات بدون طيار ومدرجات الهبوط ومستودعات الأسلحة والمعدات الثقيلة وغيرها من المرافق اللوجيستية وأيضا أقامت على بناء مصانع لتطوير ترسانات الصواريخ والقذائف التى تمتلكها الميليشيات الشيعية المتمركزة فى سوريا وخاصة حزب الله اللبنانى ويشكل هذا الجهد جزءًا من حملة تشنها قوة القدس لتوسيع مدى الصواريخ والقذائف التى تستخدمها الميليشيات الخاضعة لقيادتها وزيادة دقتها وهى الحملة التى أطلق عليها مشروع الدقة بالإضافة إلى توسيع المرافق اللوجستية لنقل الأفراد والأسلحة والمعدات إلى سوريا بما فى ذلك المرافق فى مطار دمشق الدولى وغيره من المطارات فى سوريا ومرافق الانتقال على الحدود العراقية السورية كجزء من الممر البرى لنقل المعدات الثقيلة والتشكيلات الأكبر من الأفراد على الأرض إلى سوريا إلى جانب تأمين الممر البرى على جانبى الحدود العراقية السورية من خلال نشر كتائب من الميليشيات الشيعية بشكل دائم عند نقاط العبور المختارة.

مخاوف إسرائيل من تحالفات إيران

تتمحور مخاوف إسرائيل حول تصميم إيران على أن تصبح القوة المهيمنة فى الشرق الأوسط من خلال استخدام أساليب غير متكافئة تعمل على تضخيم مزاياها السياسية والأيديولوجية والعسكرية التى تركز على الصواريخ الباليستية وبرنامج الأسلحة النووية والزراعة الصبورة للوكلاء الأجانب وإنشاء جسر برى يربط طهران بالبحر المتوسط وخاصة بعد أن أعلن مسؤول إيرانى عام 2018 أن إيران تنوى بناء خط سكة حديد يربط الخليج بالبحر الأبيض المتوسط من البصرة فى جنوب العراق إلى البوكمال على الحدود العراقية السورية وصولًا إلى دير الزور فى شمال شرق سوريا وأشار إلى أن المشروع سيكون جذابًا للصين التى تحرص إيران على تعزيز علاقاتها الاقتصادية معها للتعويض عن العقوبات الأمريكية وتم بالفعل توقيع مذكرة تفاهم بشأن مشروع سكة ​​حديد مصمم لربط مدينة البصرة الغنية بالنفط فى جنوب العراق بالحدود الإيرانية ومن غير الواضح ما إذا كان هذا المشروع جزءًا من خط السكك الحديدية إلى البحر الأبيض المتوسط الذى تم ​​الإعلان عنه، وجاء تصريح رئيس شركة السكك الحديدية العراقية أيضًا عن إنشاء خط سكة حديد عابر للحدود الوطنية بين إيران والعراق وسوريا ليتك نوايا إيران فى إنشاء جسر برى ورغم أن الصين لم تعلن عن خطط لتطوير شبكة للسكك الحديدية عبر العراق وسوريا إلا أنها عملت مع إيران فى إطار مبادرتها حزام واحد طريق واحد.

استراتيجية الأسد للتعامل مع الوضع الراهن

منحت التحديات الإقليمية للأسد فرصة المناورة بين إيران وروسيا وتأمين الدعم من كليهما مع الحفاظ على درجة من الاستقلال، ويسعى الأسد الآن إلى استخدام جهود التطبيع المتسارعة التى تبذلها سوريا مع ممالك الخليج لتنويع مصادر دعمه بشكل أكبر ولن يفوت القادة فى طهران أن هذا التنويع قد يقيد حرية إيران فى التدخل فى مستقبل سوريا ويحد من نفوذها السياسى بعد أن تتمكن سوريا من إعادة الإعمار الاقتصادى والقلق بالنسبة لطهران هو أن دول الخليج العربية التى طبعت العلاقات مع إسرائيل من خلال اتفاقيات إبرهام قد تحاول التوسط بين سوريا وإسرائيل لإقناع الأسد بالتوصل إلى نوع من الاتفاق مع إسرائيل أو على الأقل الحد من قدرة إيران على توسيع بنيتها التحتية المعادية للجميع فى سوريا.

لا شك أن هناك توافقا كبيرا بين كل من الاستراتيجية الإيرانية التى تهدف فى الأساس إلى إضعاف الدول العربية وإدامة الحرب الأهلية الطائفية والحفاظ على دورة العنف الطائفى الدائرة بشكل جنونى حتى تتمكن إيران من تصدير أيديولوجيتها وتنمية ميليشياتها التى تعمل خارج سيطرة الحكومات والتى يمكن لإيران استخدامها لإرغام تلك الحكومات على دعم المخططات التوسعية لإيران فى المنطقة والاستراتيجية الإسرائيلية التى تسعى إلى الاستيلاء على أكبر قدر من الأراضى العربية وضمها إلى مشروع أرض إسرائيل الكبرى سواء من خلال الحروب العسكرية أو الدبلوماسية أو حتى اتفاقيات التطبيع .