الأربعاء 13 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ترامب يكسب  ويعكس المألوف فى الانتخابات الأمريكية

ترامب يكسب ويعكس المألوف فى الانتخابات الأمريكية

هاريس تخسر بالرغم من تقدمها بـ330 مليون دولار!‏



 

بالقطع تتعجبون من العنوان وتتساءلون: هل كانت انتخابات على أرفع منصب سياسى فى ‏الولايات المتحدة أم مزادًا على من يدفع أكثر ليفوز بأربع سنوات فى البيت الأبيض؟

بالطبع هى انتخابات على اختيار الرئيس الأمريكى، الذى يصفه كثيرون بأقوى رجل فى ‏العالم، وهو وصف غير دقيق، ولن نقول غير صحيح، لأسباب تتعلق بالقوى الفاعلة فى ‏صناعة القرار الأمريكى، والرئيس ليس أقواها، إذن لماذا حسبنا هزيمة هاريس بالدولارات ‏فى العنوان، وليس بالأصوات التى كسب بها دونالد ترامب؟ ‏

 

فى الحقيقة لسنا أصحاب هذه «الحسبة»، وإنما الأمريكيون أنفسهم، وكما يقول المثل بالطريقة ‏الأمريكية: أهل واشنطن أدرى بشعابها، وهم يؤكدون دومًا أن من يدفع أكثر يفوز غالبًا فى ‏الانتخابات أى انتخابات، ليس فقط على مستوى المحليات فى الولايات الخمسين وإنما فى ‏مجلس النواب ومجلس الشيوخ، والانتخابات الرئاسية بجلالة قدرها، فكيف ضاعت الـ330 ‏مليون دولار هباءً منثورًا ولم تنقذ هاريس؟ يبدو أن شطارة كامالا هاريس المرشح الديمقراطى فى تمويل حملتها الانتخابية لم تسعفها، ‏فقد جمعت مليارًا و270 مليون دولار، بينما لم يجمع ترامب أكثر من 940 مليار دولار، مع ‏أنه رجل مال وأعمال وذات صيت تجارى ودعائى هائل، ويبدو أنه اكتفى أو أدرك أن قواعد ‏اللعبة هذه المرة مختلفة، فاعتمد كليًا على المانحين فائقى الثراء، بينما هاريس فتحت صندوق ‏تبرعاتها للكبار والصغار على حد سواء.. فلم تقطع دولاراتها تذكرة عبور من المجمع ‏الانتخابى إلى البيت الأبيض، على عكس ما حدث فى الانتخابات السابقة، التى فاز بها جو ‏بايدن، وجمع مليارًا وستين ألف دولار، متفوقًا على ترامب الذي توقف تمويله عند 785 مليون ‏دولار.‏

فى دراسة للباحث الاقتصادى «أوين رست» منشورة على موقع «زا كوليكتور»، فى 28 ‏سبتمبر الماضى بعنوان: «دور المال فى انتخابات الولايات المتحدة، هل يمكن تحقيق تمويل ‏عادل للحملات الانتخابية»، و«كوليكتور» مجتمع من العلماء والدارسين، تأسس فى أغسطس ‏‏2019، ويعمل على توسيع فهم الجمهور للعلوم الإنسانية، وأن يصبح بالنسبة لهم ‏مصدرًا قيمًا للمعلومات، وبالفعل يتابعه 3 ملايين شخص شهريًا، ويستهل الباحث أوين رست ‏دراسته بمقدمة مثيرة للغاية: فى الغالب يتذمر مؤيدو الحزبين السياسيين الرئيسيين من دور ‏مثير للجدل يلعبه المال فى السياسة، ويزعمون دومًا بفساده، لأن مانحى هذا المال يتحكمون ‏تمامًا فى المرشحين، فهل المسألة تمضى دائمًا على هذا النحو؟، هل حدثت محاولات لتمرير ‏أى قوانين تحد من الفساد، وتقيد تأثير المانحين على المرشحين؟، هل يمكن فعل أى شىء ‏يجعل ساحة المنافسة عادلة فى مواجهة مانحين أثرياء ذوى نفوذ كبير على السياسيين؟، إليكم ‏نظرة على الدور الحيوى للمال فى الانتخابات الأمريكية من عصر الذهب إلى الآن!‏

طبعًا هذه المقدمة تجزم بأن السياسيين أشبه بالأسرى فى قبضة أصحاب المال الذين يتبرعون ‏لمرشحيهم، ويستعرض الباحث تاريخ هذا الآسر الذى بدأ خفيفًا هينًا غير ملحوظ فى القرن ‏التاسع عشر، ثم راح المال يتسلل بالتدريج حتى ابتلع عالم السياسة.

بالقطع تعنينا الخلاصة وليس التاريخ الممتد لأكثر من 160 سنة، أى بعد نهاية الحرب ‏الأهلية الأمريكية، مع التوسع فى حق التصويت، فقبلها لم يلعب تمويل الحملات الانتخابية ‏دورًا ذا أهمية خطيرة، وكان المرشحون يمولون أنفسهم، ويمنحون الناخبين هدايا بسيطة، ثم ‏بالتدريج عقدت صفقات بين السياسيين والرأسماليين، أى تمويل حمالات انتخابية مقابل عقود ‏حكومية.

وكلما صدرت قوانين لصد فساد التمويل المباشر، تعددت الحيل والألاعيب، باسم «الأموال ‏الميسرة»، التى يتبرع بها «الكبار» للحزب، ثم يحولها الحزب إلى مرشحيه، ويظل المانحون ‏الأثرياء على نفوذهم الهائل فى مراكز صناعة القرار. ‏

باختصار ينتهى الباحث إلى صعوبة هبوط العدالة المالية إلى ساحة الانتخابات الأمريكية على ‏كل مستوياتها.‏

ودراسة الباحث أوين رست فى زا كوليكتور، واحدة من مئات الدراسات فى هذا الموضوع، ‏وقد سبقتها مثلًا دراسة نشرتها «هارفارد بوليتكل ريفيو» فى مايو 2018، للكاتب تشارلز ‏هووا عن تأثير المال فى انتخابات مجلس الشيوخ الأمريكى 2020، ويبدأها برقم مفزع 14 ‏مليار دولار تكلفة الحملات الانتخابية لاختيار أعضاء الكونجرس والرئيس الأمريكى، ويثبت ‏الكاتب أن 71 % من الفائزين فى انتخابات الكونجرس كانوا أكثر إنفاقًا من منافسيهم.

أما فى مجلس النواب فقد فاز أكثر من 90 % من المرشحين الأكثر إنفاقًا فى الانتخابات ‏التى جرت منذ سنة 2000 إلى سنة 2020، وقلت النسبة عن هذا الرقم فى انتخابات 2010 ‏فقط، دون سبب واضح.‏

إذن ليس غريبًا أن نجد للمغنية الشهيرة سيندى لوبر أغنية ذائعة الصيت كتبتها بنفسها ‏وغنتها فى عام 1978 (المال يغير كل شيء)، تسلط فيها الضوء على تأثير المال على الحب ‏والسياسة فى المجتمع الأمريكى، وقد استخدمها بعض الكتاب فى مقالاتهم من باب الدعابة، ‏وهم يتناولون دور المال فى الانتخابات ووصفوا سيندى بـ«الفيلسوفة السياسية العظيمة»، آخرهم ماجى كوريز فى مقالها «كيف يؤثر المال فى الانتخابات؟»، المنشور على (فايف ‏ثرتى آيت بموقع إيه بى سى نيوز) فى 10 سبتمبر 2018.‏

وأثبتت الأيام أن سيندى لوبر كانت تفهم تفاصيل المجتمع الأمريكى وطبيعة العمل فيه أكثر ‏من الذين طالبوا لسنوات طويلة بإصلاح تمويل الحملات الانتخابية، فى معارضة واضحة لما ‏يفعله المال الضخم فى السياسة، وأن هذا المال يشوه الانتخابات من أجل المصالح الخاصة، ‏ويهدد قدسية الديمقراطية الأمريكية، إذ كثف المؤيدون للمال السياسى من نشاطهم ورفعوا ‏قضية فى المحكمة العليا فى عام 2010، عرفت باسم «مواطنون متحدون ضد لجنة ‏الانتخابات الفيدرالية» وقيودها فى التمويل، وحصلوا على حكم برفع القيود وفتح الإنفاق ‏السياسى من الشركات وغيرها من كبار المانحين!‏

ولهذا يتفق المفكرون السياسيون والخبراء على أن صحة الديمقراطية الأمريكية قد تراجعت ‏فى السنوات الثلاثين الأخيرة، وأن تآكلًا قد حدث فى مؤسساتها، وله أشكال متعددة: تلاعب ‏فى الانتخابات، تجاوزات من السلطة التنفيذية، قوانين صادرة من المجالس التشريعية فى ‏العديد من الولايات تستهدف الحد من وصول الناخبين إلى صناديق الاقتراع، تسييس إدارة ‏الانتخابات، منع المنافسة عن طريق الغش فى الدوائر الانتخابية.

ويقول اثنان من كبار علماء السياسة هما دانييل زيبلات وستيفن ليفينسكى مؤلفا كتاب (كيف ‏تموت الديمقراطيات، ما يخبرنا به التاريخ عن مستقبلنا): أن الطريق إلى انهيار عملية ‏الانتخابات خادع إلى حد كبير، فلا يزال الناس يدلون بأصواتهم، ويحافظ المنتخبون بقشرة ‏من الديمقراطية، فى حين يجردون الديمقراطية من جوهرها!‏

ولهذا مجلة الإيكونوميست لا تصنف الولايات المتحدة الآن بين الديمقراطيات المتكاملة فى ‏العالم، وتضعها وسط الديمقراطيات المعيبة مثل اليونان وإسرائيل وبولندا والبرازيل.‏

وقد أوقف فوز دونالد ترامب عمليات البحث عن إجابة سؤال شغل كوكب الأرض برمته، ‏قبل أن يشغل عقول الأمريكيين جميعًا: ماذا يمكن يحدث إذا خسر هو وفازت كامالا ‏هاريس؟، هل تتكرر أعمال العنف الخطيرة التى حدثت بعد هزيمته أمام جو بايدن فى ‏الانتخابات السابقة؟، هل يقتحم مؤيدوه مبنى الكابيتول ويدخلون فى معركة مع الشرطة ‏مجددًا؟

قبل إعلان النتائج بأيام جهزت الشرطة والحرس الوطنى وبعض وحدات الجيش الأمريكى ‏نفسها لاضطرابات مدنية واسعة، وأنشأت حواجز حول المواقع الحيوية فى واشنطن، ‏الكابيتول والبيت الأبيض ومقر إقامة هاريس، وكان الجميع يتوقع احتجاجات كبيرة فى جميع ‏أنحاء البلاد!‏

وقد سألت مجلة تايم دونالد ترامب خلال الحملة الانتخابية، عن احتمال تكرار العنف الذى ‏حدث من أنصاره عند خسارته فى 2020، فقال: أعتقد أننا سنحقق انتصارًا كبيرًا، ولن يكون ‏هناك عنف.‏

وعند الضغط عليه، أجاب، اعتقد أننا سنفوز، وإذا لم نفز، كما تعلم، فهذا يعتمد على نزاهة ‏الانتخابات، لا أعتقد أنهم سيكونون قادرين على فعل الأشياء التى فعلوها فى المرة السابقة، لا ‏أعتقد أنهم سيكونون قادرين على الإفلات من العقاب.‏

وأعلن فى مقابلات صحفية عديدة وبطريقة تبدو كما لو أنها رسائل موجهة، بأنه من غير ‏المرجح أن يعترف بالهزيمة هذه المرة، وقال: إن الطريقة الوحيدة التى يمكن أن تفوز بها ‏كامالا هاريس هى الغش.‏

وكتب مؤيدوه من النشطاء على صفحات التواصل الاجتماعى أنهم مستعدون لتحدى النتائج!‏ وجاءت النتائج بردًا وسلامًا، ورحل غضب مؤيديه، وفاز ترامب ليدخل العالم إلى متاهة ‏الأفعال وردود الأفعال غير المنضبطة!‏