الأحد 11 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ): أمية القراءة والكتابة.. أم التلاوة والخط؟! "104"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

الكاتبة أمينة ودود مواليد 1952 م، ولدت باسم «مارى تيزلى»، أمريكية من أصل أفريقى، اعتنقت الإسلام 1972 م، وهى طالبة تدرس العلوم فى جامعة بنسلفانيا، وغيرت اسمها إلى أمينة ودود. 

 

حصلت على درجة الماجستير فى دراسات الشرق الأدنى، ودرجة الدكتوراه فى الدراسات العربية والإسلامية من جامعة ميتشغان عام 1988، أمضت فترة الدراسات العليا فى مصر، درست اللغة العربية فى الجامعة الأمريكية فى القاهرة، وتخصصت بالدراسات القرآنية والتفسير الدينى فى جامعة القاهرة، والفلسفة فى جامعة الأزهر. 

عملت كأستاذ مساعد فى مجال الدراسات القرآنية فى الجامعة الإسلامية العالمية الماليزية، ونشرت أثناء وجودها هناك دراسة حول القرآن والمرأة، تشمل إعادة قراءة القرآن من منظور المرأة، وعملت ودود كأستاذة للدين والفلسفة فى جامعة فرجينيا كومونولث، ولها العديد من الأبحاث والمقالات عن الفهم الموضوعى لبعض آيات القرآن الكريم.

 أمية النبي:

قال تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ) الأعراف 158، فى الروايات أن النبى عليه الصلاة والسلام كان لا يعرف القراءة والكتابة، وأن كتبة الوحى كتبوا القرآن على الرقاع والأحجار، وكلمة (الْأُمِّيِّ) تم فهمها على المعنى الشائع وهو عدم معرفة القراءة والكتابة.

والقرآن الكريم نزل بلسان عربى مبين، وهو قول الله تعالى وقوله الحق الذى يعلمنا الاستخدام الصحيح للكلمات، وفيه كلمات لها مفهوم واحد ومعانٍ متعددة حسب السياق.

قال تعالى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) البقرة 78، فالأميون هم الذين لم يكن لهم كتاب سماوى، أو لهم كتاب سماوى ولكن أساءوا فهمه وحولوه من حقيقة إلى ظن، فكلمة أمى فى القرآن لا تعنى عدم معرفة القراءة والكتابة.

وفى قوله تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) العنكبوت 48، بمعنى أنه قبل القرآن لم يتلو كتابًا أو يخطه بيمينه.

والنبى قبل نزول القرآن لم يقم بتلاوة أى نص دينى موجود عند الناس، ولم يقم بخط هذه النصوص بيده، ولكن بعد نزول القرآن قام بتلاوة القرآن من ذاكرته، وخطه بواسطة أصحابه مع الإشراف على التدوين.

وفى قوله تعالى: (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ) النساء 113، بمعنى أنه تعالى علم النبى أشياء جديدة تجعله أكثر تفاعلًا مع الرسالة التى أساسها الكتاب. 

‎وفى قوله تعالى: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) الفرقان 5-6، فالنبى حسب كلام المشركين أنه يكتب، فكلمة (اكْتَتَبَهَا) تدل على تكرار فعل الكتابة.

أن النبى عليه الصلاة والسلام هو وحده المؤتمن على كتابة القرآن، ومن الطبيعى أن يتم تدوين القرآن تحت إشرافه حتى يعرف ما يتم كتابته ويتأكد من صحته.

القراءة والتلاوة: 

هناك فرق بين القراءة والتلاوة من حيث اللغة، كل كلمة لها مفهوم مختلف عن الأخرى ولو بفرق بسيط، ولا يمكن أن يتطابق معنيان لكلمتين مختلفتين فى المبنى، إذا اختلف المبنى اختلف المعنى.

وقد نفى القرآن عن النبى تلاوة أى كتاب سابق أو خطه: (وَمَا كُنتَ تَتْلو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلونَ) العنكبوت 48، ولم ينف القراءة والكتابة، والآية لا تعنى أن النبى لا يعرف القراءة والكتابة، لكن تعنى أن النبى لم يكن يملك مصدرًا دينيًا يعتمد عليه فى رسالته، حيث كان مجتمعه لا يمتلك مصدرًا دينيًا موثوقًا بمصداقية متعارف عليها.

ولا يوجد فى القرآن دليل على نفى القراءة والكتابة عن النبى، ونفى فعل التلاوة للمخطوط لا يعنى نفى فعل القراءة، فالنبى لم يكن له كتاب يخطه، أى لم يكن له مصدر دينى يعتمد عليه، لأن المشركين سيجدونها حجة للجدل والشك فى أن القرآن من عند الله. 

ونزول القرآن بدأ بأمر النبى بالقراءة: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ) العلق 1، والأمر كان بالقراءة وليس بالتلاوة، مما يعنى أن النبى كان قبل نزول الوحى عليه يقرأ.

كما أنه تعالى أمر النبى بتلاوة ما نزل عليه من الوحى: (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقرْآنَ) النمل 92، ولكن ليس من مخطوط لأنه نفى تلاوة المخطوط عنه، مما يعنى أن النبى كان يقرأ بمعنى يفهم، ويتلو من غير مخطوط بمعنى يتلو من ذاكرته.

وكلمة تلى غير قرأ، كلمة قرأ تدل على جمع شىء إلى شىء آخر من جنسه لوجود علاقة بينهما وفق نظام معين، فمثلًا يقول العرب عن المرأة الحامل أنها «قرأت»، بمعنى جمعت حملها الذى استمر ولم يسقط وتعلق بها وهو من جنسها الإنسانى.

ولذلك فالإنسان عندما يقرأ شيئًا ما من صحيفة أو كتاب يقوم بجمع المعلومات المتعلقة بموضوع ما إلى بعضها البعض، ويصنفها ويحللها ليصل إلى نتيجة يبنى عليها موقفه من الموضوع ويحكم عليه.

ولذلك يوجد فرق بين القارئ والتالى، فالمذيع للأخبار يتلو نشرة الأخبار ولا يقرأها، قال تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) النحل 98، فالقراءة تستلزم الفهم، وقوله تعالى: (وَإِذَا قرِئَ الْقرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الأعراف 204، فالاستماع للقرآن يكون بتركيز لتدبر المعانى ووعيها.

كتب وخط:

كلمة كتب تدل على القيام بجمع الأشياء المتجانسة إلى بعضها، والذى يخط الكلام هو كاتب لأنه يجمع الحروف إلى بعضها، وكذلك المؤلف لأنه يجمع الأفكار مع بعضها، والكاتب يمكن أن يكون هو المؤلف فقط، ويقوم غيره بالخط.

فالنبى كان يكتب الرسائل، بمعنى يفكر فى صياغتها ويمليها على الناسخ ليخطها، وكان النبى يقرأ الرسائل بمعنى يفهمها من خلال أن يتلوها عليه أحد أصحابه من المخطوط، فكلمة كتاب تدل على الأشياء المجموعة من جنس واحد.

قال تعالى: (هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ) الجمعة 2، والأمية الاجتماعية تعنى نوعية المعرفة الثقافية فى انتقال المعلومة فى مجتمع، فالمجتمع العربى فى القرن السابع كان أميًا لأنه ينقل المعرفة شفويًا، أما المجتمعات غير الأمية فتنقل المعرفة بالتدوين والتوثيق للثقافة والتاريخ فى كتب تكون كمرجع لهم. 

الأمية فى القرآن تعنى وجود أفراد ليس لهم معرفة سابقة بالدين، فاليهود ليسوا أميين لأن لهم كتاب التوراة لكن منهم أميون لا يفهمون التوراة: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) البقرة 78. 

فهناك مجتمع ثقافى غير أمى مقابل مجتمع أمي: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِمًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِى الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) آل عمران 75، بمعنى أن أهل الكتاب يقولون أن الأميين لا يمتلكون أدوات معرفية فى المعاملات التى تتطلب مصداقية، لأنهم مجتمع شفوى لا يعرف العقود والتدوين والتوثيق. 

الجهل والأمية:

كلمة (جهل) لا تعنى عدم المعرفة أو العلم، وإنما تعنى صدور السلوك من إنسان دون ضوابط سواء أكان عنده علم أم لم يكن، فالجاهلية مرتبطة بالسلوك لا بالعقل أو العلم: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة 50. 

وفى تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ) الأعراف157، اضطروا لتحديد عدم العلم بتلاوة المخطوط أو نسخه فقط، مع أن نفى تلاوة الخط أو نسخه موجود فى قوله تعالى: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَاتَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) العنكبوت 48، فالنبى عندما نزل عليه القرآن صار يتلوه من ذاكرته، فقد نفى تعالى عن النبى تلاوة أى كتاب سماوى أو غيره قبل القرآن، ونفى عنه خط أى نص بيده.

فكلمة الأمية لا علاقة لها  بعدم معرفة تلاوة المخطوط أو نسخه، فالإنسان يمكن أن يكون أميًا وهو يتقن الخط وتلاوته، وقد يكون عالمًا وتنتفى عنه صفة الأمية رغم أنه لا يتقن الخط ولا تلاوته.

وأن النبى كان يقرأ ويكتب فلا علاقة له بتلاوة المخطوط، لأن مفهوم القراءة غير مفهوم التلاوة، فالقراءة من قرأ وتدل على الفهم والتحليل والاستنباط.

مثل الأديب طه حسين، كان قارئًا يفهم وكاتبًا يؤلف رغم أنه لا يرى، ولا يتلو المخطوط ولا يخط بيده، ولكنه قارئ وكاتب وله مؤلفات كتبها، ولكن لم يخطها بنفسه، فالباحث يكتب بحثه بمعنى يجمع الأفكار وقد يمليها على شخص يخطها له.

لقد كان النبى عليه الصلاة والسلام يملك القدرة على القراءة بحيث يفهم الخطاب ويحلل الكلام، كما يملك القدرة على الكتابة بعقله، بحيث يجمع الأفكار مع بعضها بشكل متجانس ومنضبط، ولذلك حسب مفهوم الكلمات فى القرآن كان النبى عليه الصلاة والسلام قارئًا وكاتبًا ولكن لا يتلو المخطوط ولا يخطه.