الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«يوسف إدريس»  درة الدرر

«يوسف إدريس» درة الدرر

«يوسف إدريس» (17 مايو 1927 – 1 أغسطس 1991) هو درة الدرر فى تاريخ فن كتابة القصة القصيرة وأحد روادها العظام فى القرن العشرين.. وإذا كان بعض النقاد قد أطلقوا عليه تشيكوف العصر الحديث ولم يرحب بما تصوروه إشادة كبيرة به فإنى أشاركه عدم الترحاب، فالحقيقة بلا منازع أنه تجاوز بموهبته الطاغية وعبقريته السامقة «تشيكوف» فما أرحب ما تحفل به قصصه وما أجمل ثراء عالمه وخصوبته وتنوعه وبراعته فى خلق شخصياته الدرامية بأبعادها الاجتماعية والنفسية والإنسانية بمهارة.. وتحليله العميق لنوازعهم وأحلامهم وهمومهم ومعاناتهم وسبر أغوارهم وتعرية مثالبهم وكشف عوراتهم.. بقدرة فائقة على اقتناص اللحظة وتكثيفها وانتقاء التفاصيل الموحية ببلاغة وطرافة.. والتقاط الصور المرئية بعين لاقطة وحس إنسانى براق.. وهو كما يرى الناقد الكبير «فاروق عبدالقادر» يتميز قصصه بحشد هائل من البشر فلاحين فقراء وعاطلين ومهمشين وعمال تراحيل وموظفين صغار وشيوخ قرى وأبناء ليل.. وعاهرات.. وبلهاء من مرضى الأجساد والعقول.. ملاك أراضى.. أطفال ومراهقين فى المدارس والحقول.. دراويش.. مساجين وعسكر داخل الأسوار العالية.. أساتذة فى الجامعة وأطباء كبار.. ومسئولين بين أيديهم الحل والعقد. 



والقرية المصرية فى عالم يوسف إدريس هى منطقته الحية البراقة.. أو كما يقول عنه القصاص «المنسى قنديل» أن ظلام القرية رابض فى أعماقه وأصوات النداهة ما زالت تدوى به كلما جمع شتات نفسه.. والشيخ «يسمع كل شيء ويعرف كل الأسرار فلا يملك إلا التظاهر بالبلاهة والجنون.. والفلاحون يصرخون من قسوة الجوع فلا تهبط موائد من السماء ولا يحزنون...» كل هذا التراث يحمله «يوسف إدريس» فى صدره كالتعويذة تمنحه لونًا متميزًا بنكهة خاصة.

أصدر يوسف إدريس ثلاثة عشر مجموعة قصصية.. الأولى هى «ارخص ليالى» 1954 (وكان عمره لا يتجاوز الأربعة وعشرين.. وبمجرد صدورها أحدثت دويًا كبيرًا فى الاوساط الأدبية.. وبشرت بتيار جديد فى فن صياغة القصة القصيرة بأسلوبها المميز المعنى بالمواقف المدهشة والتفاصيل الموحية والتخلص من زخارف البيان والبديع واستخدام العامية الساخرة وسبر أغوار الشخصيات وعلاقتها بالواقع المعاش) – والعتب على النظر – جمهورية فرحات – حادثة شرف – آخر الدنيا – أليس كذلك – العسكرى الأسود – لغة الاى اى – النداهة – أنا سلطان قانون الوجود – بيت من لحم – هذا بالإضافة إلى روايات «الحرام» – «قاع المدينة» – و«قصة حب».

وإذا كان يوسف إدريس قد فرض نفسه وظله الفارع على القصة المصرية القصيرة فأصبح أعظم كتابها منذ البداية وحتى اليوم دون منازع.. فإن السينما ظلمته بالقياس بغيره من الأدباء الكبار مثل نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس.. رغم أن إبداعاته هى الأكثر تعبيرًا عن البيئة المصرية الأصيلة.. كما أن قلمه كان يرسم الشخصيات والأجواء الاجتماعية بعبقرية.. ولم تستطع السينما أن تنهل – كما وكيفًا – من بحر أدبه الفياض وعمق رؤيته للعالم الفريدة.. فلم يظهر اسمه إلا (11) مرة فقط.. منها تسع مرات عن قصص وروايات له.. لم تقدم السينما فى معظمها إبداعاته بنفس مستواها الروائى فيما عدا «الحرام» و«لا وقت للحب» و«النداهة».>