الأربعاء 11 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ذكريات ومذكرات عن الصحافة والثورة

ذكريات ومذكرات عن الصحافة والثورة

هذا كتاب مهم، أتمنى أن يقرأه الصحفيون خاصة الأجيال الجديدة لأنه يعرفهم بفترة مهمة من تاريخ الصحافة، ويكشف لهم كيف تعاملت ثورة يوليو مع صاحبة الجلالة وما هى طبيعة العلاقة بينهما؟ وكيف أثرت كل منهما على الأخرى إيجابا وسلبا؟ ومن وراء القرارات التى اتخذت لاحتواء الصحافة وهو أمر ما زال مؤثرًا على المهنة حتى الآن، وكيف تعامل كبار الصحفيين والكتاب مع هذه الظروف؟



كتاب «الصحافة والثورة.. ذكريات ومذكرات» للكاتب الكبير رشاد كامل رئيس تحرير مجلة صباح الخير الأسبق والصادر مؤخرًا من دار «نهضة مصر» جمع فيه المؤلف شهادات ومذكرات لتسعة من كبار الكتاب وعدد من الضباط الأحرار الذين تولوا مناصب صحفية أو تماسوا معها بشكل كبير، ومن خلال هذه الشهادات والحوارات نكتشف كيف سارت العلاقة بين ثورة يوليو والصحافة بين مد وجزر؟ فقد لعبت الصحافة دورًا مؤثرًا فى قيام ثورة يوليو، وهو دور تكرر مع ثورتى يناير ويونيو واللتين مهدت لهما الصحافة والإعلام بقوة مثلما حدث مع ثورة يوليو، ويكفى لمعرفة أهمية الكتاب أنه يحتوى على حوارات لعدد من أساطين الصحافة مثل موسى صبرى وأحمد بهاء الدين وفتحى غانم ويوسف إدريس وحلمى سالم وصلاح حافظ ومصطفى أمين بجانب أحمد حمروش الذى كان ضمن الضباط الأحرار قبل أن تختطفه الصحافة وينتقل إليها كاتبًا ورئيسًا لتحرير ومجلس إدارة عدد من المؤسسات الصحافية على رأسها روزاليوسف وكذلك محسن عبدالخالق، وهو ضابط تولى الإشراف على دار التحرير لمدة أربع سنوات ونصف، كما كشفت الحوارات والمذكرات علاقة عدد من كبار الصحفيين الآخرين بالثورة وضباطها قربًا وبعدًا واحتضانًا وإقصاءً مثل إحسان عبدالقدوس ومحمد حسنين هيكل وعلى أمين وكامل الشناوى وغيرهم، وفى الحوارات أيضًا نعرف كيف تعاملت نقابة الصحفيين مع بعض الأزمات الصحفية وعلى رأسها فصل ونقل عدد من الصحفيين إلى مؤسسات غير صحفية وكيف انتصرت لهم وعاقبت رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة الذى كان وراء هذا القرار وأوحى به إلى السلطة وقتها؟ ومن هنا تأتى أهمية هذه الذكريات والمذكرات خاصة أن تأثير ما حدث بين ثورة يوليو والصحافة والصحفيين وعلاقة الشد والجذب بينهما مازال محل نقاش وجدل حتى الآن؟ ولعلنا نحتاج إلى قراءة هذا الكتاب وما يحتويه من معلومات ونحن مقبلون على المؤتمر العام للصحافة والذى سيعقد قريبًا، ولعلى لا أكون مبالغًا أن أقول إن الخطاب الذى كتبته السيدة فاطمة اليوسف إلى جمال عبد الناصر عام 1953 ورده عليها يصلح للمناقشة فى هذا المؤتمر، تقول فاطمة اليوسف فى رسالتها: «تحية أزكّى بها شبابك الذى عرضته للخطر وجهدك الذى تنفقه من أجل هذا الوطن.. إننى أعرف الكثير عن ساعاتك التى تنفقها عملاً بغير راحة، ولكنك وحدك لن تستطيع كل شىء ولا بالمعونة الخالصة من كل الذين تعرفهم وتثق بهم، فلا بد لك من معونة الذين لا تعرفهم أيضًا، الذين يعيشون فى جو غير جوك»، وتستطرد: «إنك فى حاجة إلى الخلاف كحاجتك إلى الاتحاد، إن كل مجتمع سليم يقوم على هذين العنصرين معًا ولا يستغنى بأحدهما عن الآخر»، وتضيف: «إنك تؤمن بهذا كله ولا شك فى ذلك، وقد قرأت لك غير بعيد حديثًا تطالب فيه بالنقد والآراء الحرة النزيهة ولو خالفتك، ولكن أتعتقد أن الرأى يمكن أن يكون حرًا حقًا وعلى الفكر قيود؟ وإذا وفرض وترفقت الرقابة بالناس واستبدلت حديدها بحريرها فكيف يتخلص صاحب الرأى من تأثيرها المعنوى؟ يكفى أن توجد القيود كمبدأ ليتحسس كل واحد يديه ويكفى أن يشم المفكر رائحة الرقابة وأن يرى بعض الموضوعات لا تمس ليتكبل فكره وتترد يداه ويصبح أسيرًا بلا قضبان» وتشرح فاطمة اليوسف: «إنى أعرف الدوافع لإبقاء هذه القيود وأنت تخاف أن يستفيد منها الملوثون المغرضون، ولكن صدقنى هذا النوع من الناس لا يكون لهم خطر إلا فى ظل الرقابة وتقييد الحريات، أن الحرية لا يستفيد منها سوى الأحرار والنور لا يفزع سوى الخفافيش» وتستطرد: «لا تصدق ما يقال إن الحرية شىء يباح فى وقت ولا يباح فى وقت آخر فإنها الرئة الوحيدة التى يتنفس بها المجتمع ويعيش والإنسان لا يتنفس فى وقت دون آخر»، وتكشف ما كان يجرى وقتها قائلة: «إنك بكل تأكيد تضيق ذرعًا بصحف الصباح حين تطالعها فتجد أنها تكاد تكون طبعة واحدة والناس يحسون بذلك ولا يرتاحون إليه، لقد أقدمت فى شبابك الباكر على تجارب هائلة وخضت بعضها ورأسك على كفك لا تبالى مصيره وليس كثيرًا عليك أن تجرب إطلاق الحريات»، ورد عبدالناصر بخطاب نشر أيضًا فى روزاليوسف ممتدحًا صاحبة الخطاب ودورها وقال: «أعلنت إننى فى حاجة إلى كل رأى ولن أملّ إعلانه ليس من أجلى وإنما من أجل مصر، أما حاجتنا إلى الاختلاف فأنا مؤمن به وأثق أنه من أسس الحرية» ويضيف: «أنا أكره بطبعى كل قيد على الحرية وأمقت بإحساسى كل حد على الفكر على أن تكون الحرية للبناء وليس الهدم وأن يكون الفكر خالصًا لله وللوطن لا تخرج بهما شهوات وأغراض ومطامع عن هذه المثل إلى انقلاب مدمر يصيب مصالح الوطن بأبلغ الأضرار»، ويستطرد: «لقد قلت بنفسك إنك تعلمين أنى أخشى على البلد من إطلاق الحريات خشية أن يندس بين أمواجها دعاة الهزيمة والتفكك، واسمحى أن أضيف شيئًا آخر هو أننى لا أخشى من إطلاق الحريات وإنما أخشى من أن تصبح هذه الحريات سلعًا تباع وتشترى، ومع ذلك أين هى الحرية التى قيدناها؟ أنت تعلمين أن النقد مباح، بل إننا نرحب حتى بالهجوم علينا إذا كان المقصود منه صالح الوطن وليس الهدم والتخريب» وينهى عبدالناصر رسالته بقوله: «إنى أملك أن أضع رأسى على كفى، ولكن لا أملك أن أضع مصالح الوطن ومقدساته فى هذا الوضع»، وهكذا كان الحوار الراقى والذى كان ينبئ بتصور عبدالناصر للحريات والقيود عليها، ولكن بعد ذلك جرت فى النهر مياه كثيرة خلال عهدى السادات ومبارك أوصلت الصحافة إلى وضعها الحالى.