
أحمد إمبابى
الإخوان الخائنون كيف تحالف التنظيم الإرهابى مع إسرائيل؟
إذا كانت ثورة 30 يونيو الشعبية، قد أطاحت دون رجعة بتنظيم «الإخوان» الإرهابى ، قبل 12 عامًا من مصر؛ فإن عداءَ هذا التنظيم للدولة المصرية لم ينتهِ، فمساعى عناصره لا تتوقف، فى سبيل التحريض وإشاعة الفوضى والتشكيك والمزايدة، حتى لو تحالف أو توافقت أهدافه مع خصوم يناصبون العداء البيّن للدولة المصرية.
لقد خرجت ثورة يونيو 2013، بَعد أن سقطت كل «أوراق التوت» عن هذا التنظيم الإرهابى، وانكشف المستور عن وجهه الحقيقى؛ بعيدًا عن شعارات سياسية ودينية، طالما ردّدها لمريديه، وتاجر بها لكسب مزيد من المؤيدين، ثم أثبتت تصرفاته عكس ما يدّعى، ومع شهوة السلطة خلعت «الجماعة»، القناع الذي كانت تتجمّل به سياسيًا، وأظهرت حقيقة ما كانت تخفيه، من منهج العنف والتطرف والابتزاز، وهدم كل ما هو دولة.
هذه حقيقة، عاشها الجيل الذي عاصر سنة حكم «الإخوان» وعانَى فيها، ودللت عليها كثير من الوقائع والشواهد، قبل وبَعد ثورة يونيو، فى داخل مصر وخارجها. والمراقب لتجارب حكم «الجماعة» وأذرعها فى المنطقة؛ يجد أن أول أهدافهم هو هدم الدولة، وهذا ما حاولوا فعله فى مصر، والأمر نفسه فى السودان، مع حكم «عمر البشير»، وفى تونس، باعتبار أن الولاء الأول والأخير للتنظيم، وليس للوطن، لذلك تظل «الإخوان»، شوكة فى ظهر الأوطان، فلم تتغير أهدافهم وممارساتهم فى أى بلد تواجدوا فيه.
تساؤلات مريبة
وما بين يونيو 2013، (تاريخ الخلاص من التنظيم سياسيًا فى مصر)، ويونيو 2025، كانت «الإخوان» على موعد مع صفعة جديدة؛ بإحباط أحدث مخططاتها؛ لإثارة فوضى داخلية، تحت ستار «قافلة صمود لفك الحصار عن غزة»، أطلقها عدد من العناصر، لتخرج من تونس، مرورًا بليبيا؛ بهدف الدخول إلى مصر عبر مَعبر السلوم، على أن تنضم عناصر أجنبية، تصل إلى مصر جوًا، مع عناصر من الداخل المصري، بمَعبر رفح الحدودى مع غزة.
والواقع؛ لا يمكن التسليم بالأهداف المعلنة لتلك القافلة، بحكم التساؤلات المريبة التي تحيط بالعناصر المشاركة فيها، وآلية تنفيذها؛ خصوصًا تلك التي تتعلق بعدم احترام السيادة المصرية، والقوانين التنظيمية لدخول الأجانب، والرابط بين العناصر المشاركة فيها، من دول المغرب العربى وأوروبا، وطريقة دخولهم البلاد، جوًا وبرًا، كلها تساؤلات تثير الشكوك حول غايتهم من التوجه لسيناء والوقوف على الشريط الحدودى مع غزة.
أمّا التساؤل الأهم؛ فيتعلق بأسباب حرص القائمين على القافلة، التوجه للحدود المصرية، رغم رفض السلطات المصرية مرورها عبر الأراضى المصرية، قبل وصولها بعشرة أيام،ومع احتشاد عناصر أجنبية عند نقاط تفتيش بمدينة الإسماعيلية، بعد دخولهم البلاد بتأشيرات سياحية، نجد أن القضية أبعد من تسجيل موقف داعم للفلسطينيين؛ وإنما الهدف هو مصر!.
الإخوان والقافلة!
وفى رحلة التقصّى لإجابات حول التساؤلات المريبة الخاصة بقافلة «صمود»؛ نجد أننا أمام دليل خيانة جديد لتنظيم «الإخوان» الإرهابى، بحق السيادة المصرية، والمزايدة على الدور المصري التاريخى الداعم للقضية الفلسطينية، ويبدو ذلك فى مجموعة من الشواهد والتحركات المدعومة من التنظيم الدولى، وهى:
- رغم أن القافلة، حملت لافتات تدعو لكسر الحصار الإسرائيلى المفروض على قطاع غزة، وعبور الحدود «المصرية- الفلسطينية» لإيصال المساعدات الإنسانية؛ فإنها لم تحمل أو ترافقها أى مساعدات إنسانية للفلسطينيين فى القطاع، وهو ما يثير التساؤل بشأن حقيقة الهدف من تسيير قافلة عبر عدة دول إلى مَعبر رفح.
كما أن الدور الإنسانى لمصر، فى دعم الفلسطينيين، لا يمكن المزايدة عليه، ذلك أن مصر فرضت إرادتها منذ بدء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة فى السابع من أكتوبر 2023، وقادت جهود الدعم الإنسانى والإغاثى للقطاع؛ حيث قدّمت أكثر من 70 بالمائة من المساعدات المقدمة للقطاع، كما أنها لم تغلق مَعبر رفح من الجانب المصري، فى وجه مسار المساعدات، فى مقابل التعنت الإسرائيلى المستمر بوقف حركة المساعدات.
- من بين النشطاء المنظمين للقافلة، سيف أبو كشك، وهو المنسق لحركة شبكة الشباب الفلسطينى بإسبانيا، وهى حركة تابعة لمجلس مسلمى أوروبا التابع للتنظيم الدولى للإخوان، وأيضًا يحيى الصارى، وهو عضو جمعية العلماء المسلمين بالجزائر (جناح الإخوان بالجزائر)، وعبداللطيف المكى، القيادى فى حركة النهضة التونسية، وأيضًا، «مروان بن قطاية»، وهو المتحدث باسم «القافلة»، وهو جزائرى، عضو بحركة (حمس) إحدى أذرع الإخوان بالجزائر، وهو دائم الهجوم على مصر ومؤسّسات الدولة المصرية.
- تداولت الصفحات التابعة لتنظيم الإخوان، على منصات التواصل الاجتماعى، منشورات الدعاية والحشد للقافلة بشكل مكثف، وصاحبت ذلك دعوات «أبواق» الجماعة الإرهابية فى الخارج عبر قنواتهم وصفحاتهم، بالخروج والنزول إلى الشوارع لدعم القافلة، ما يعنى أن الهدف ليس دعم فلسطين، بقدر التحريض ضد الدولة المصرية ومؤسّساتها.
حملات تشويه وتحريض
وما يعزز ضلوع التنظيم الإرهابى، خلف «قافلة صمود»، حملات الإساءة التي صاحبت الموقف المصري الحاسم؛ للحفاظ على السيادة المصرية وأمنها القومى، من قبل صفحات تنظيم الإخوان الإرهابية فى مصر والمغرب الغربى، والدلائل على ذلك عديدة، منها:
- بيان «حركة مجتمع السلم الإسلامية» (حمس)، وهى فرع الإخوان فى الجزائر، الذي أصدرته فى 14 يونيو، عَبر صفحتها الرسمية، وادّعت فيه أن إجراءات السلطات المصرية، «انتهاك قانونى»، وزعمت أن تضييق الإجراءات، وسَحب جوازات السفر واحتجاز عناصر مشاركة فى القافلة، «مخالفة صريحة للأعراف والمواثيق الدولية»، رغم أن القائمين على القافلة، خالفوا كل الإجراءات التنظيمية المتبعة دوليًا.
- الأمر نفسه؛ أساءت «حركة التوحيد والإصلاح» (إخوان المغرب)، وحزبها السياسى (العدالة والتنمية)؛ للموقف المصري، ورفض مصر لدخول القافلة، دون اتباع الإجراءات التنظيمية والقانونية لدخول البلاد.
- أمّا جمعية «الإحياء والتجديد»، وهو المسمى الجديد لإخوان ليبيا، فقد دعت إلى «ضرورة دعم القافلة وعدم عرقلتها، فى الوصول إلى رفح»!.
وبالتالى؛ فإن الحشد الإخوانى للقافلة، التي رفعت هتافات ذات طبيعة إخوانية، لا يمكن فهمه على أنه دعوة حسنة النية؛ وإنما مخطط مرصود بدقة من المؤسّسات والأجهزة الأمنية المصرية، التي كانت له بالمرصاد، رغم كل الإساءات والمزايدات التي نالت من الدور والموقف المصري التاريخى.
الإخوان وإسرائيل نفس الهدف
صحيح أن الدولة المصرية ومؤسّساتها تعاملت، بمهنية ويقظة مع «مخطط القافلة»، حماية لأمنها القومى وسيادتها؛ إلاّ أن تحريض الجماعة الإرهابية، ضد الدولة المصرية فى هذا التوقيت، لا يستدعى فقط التوقف مع الدعوات الإخوانية لإثارة الرأى العام الداخلى، (وهذا هدف أساسى للعدو)، ولكن أيضًا استحضار مواقف تنظيم الإخوان، «الداعمة لمخطط تهجير الفلسطينيين من أرضهم»، وهو نفس هدف الاحتلال الإسرائيلى؛ لتصفية القضية الفلسطينية.
فرغم ما ترفعه «الإخوان» من شعارات للدفاع عن القضية الفلسطينية، وحشد الجهود الشعبية والإغاثية لها؛ فإن تحركاتها ودعواتها لتهجير الفلسطينيين ثابتة، بعديد من المواقف والدلائل، وأبرزها ما يلى:
- شهادة رئيس السلطة الفلسطينية، الرئيس محمود عباس أبو مازن، فى أكتوبر 2023، حينما كشف عن «عرض من الرئيس الإخوانى المعزول، محمد مرسى، بالحصول على قطعة أرض من سيناء لتوطين الفلسطينيين بها، ضمن مشروع إسرائيلى أطلق عليه (جيورا آيلاند) بهدف تصفية القضية الفلسطينية تمامًا»، وقال أبو مازن حينها، إنه «رفض هذا العرض، لأن الفلسطينيين لن يتركوا أرضهم».
- تتسق شهادة أبو مازن، مع دعوات عناصر التنظيم عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى، بضرورة فتح الحدود المصرية؛ لتهجير الفلسطينيين وتوطينهم فى سيناء.
باعوا القضية
وليس هذا الموقف الوحيد، الذي نستدل به على متاجرة الجماعة الإرهابية، بالقضية الفلسطينية، فهناك كثير من التناقضات بين ما يعلنه التنظيم ومواقفه على أرض الواقع منذ تأسيسه على يد حسن البنا.
فعلى مَرّ عقود طويلة، رفعت الجماعة شعارات الدعم للقضية الفلسطينية، وتتخذ منها سبيلاً لتجنيد مزيد من الأتباع، والمزايدة ببُعد الصراع الدينى بين الإسلام واليهودية، ورفع شعارات الجهاد وتحرير الأرض، والقدس، وزايدت بالهجوم على اتفاقية كامب ديفيد، والمواقف الرسمية العربية، ورغم ذلك؛ كانت مواقف الجماعة عكس تلك الشعارات، والأمثلة على ذلك ما يلى:
1 - بعد وصول الإخوان للسلطة فى مصر، عام 2012، ظهر الود والصداقة فى رسالة الرئيس الإخوانى المعزول، محمد مرسى، إلى الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز، استهلها بوصف بيريز، «عزيزى وصديقى»، واختتمها بعبارة «صديقكم الوفى»!.
2 - رغم ما ترفعه الإخوان وحركة حماس من شعارات للمقاومة فى غزة؛ فإنها صمتت أمام مشاركة «الحركة الإسلامية، فى إسرائيل» برئاسة منصور عباس، وهى خرجت من رحم تنظيم الإخوان، فى «حكومة التغيير» الإسرائيلية، برئاسة نفتالى بينيت، فى عام 2021، وروج منصور عباس لتلك الخطوة بالقول إنها ستسهم فى تحسين أوضاع المواطنين العرب فى إسرائيل والذين يَشكون من التمييز وإهمال الحكومة لهم!.
3 - أمّا الأغرب فى تلك المواقف؛ فكان موقف أحد قادة حركة حماس، وهو موسى أبو مرزوق، حينما سُئل، بعد بدء العدوان على غزة فى السابع من أكتوبر، عن سبب عدم اضطلاع حركة حماس بحماية المدنيين فى القطاع من القصف الإسرائيلى، داخل الأنفاق؛ حيث قال إن «الأنفاق فى غزة بُنيت لحماية مقاتلى حماس من الطائرات، والمدنيون أغلبهم من اللاجئين مسؤوليتهم تقع على الأمم المتحدة»!.
موقف تاريخى ثابت
ورغم المزايدات والإساءات؛ فإن مواقف الدولة المصرية تجاه القضية الفلسطينية راسخة وثابتة ولم يتغير هدفها الساعى لدعم حقوق الفلسطينيين؛ حيث تواجه مصر بكثير الصلابة موجات العدوان الإسرائيلى على الفلسطينيين فى غزة والضفة، وباقى الأراضى الفلسطينية، وهذه المواقف هى:
- رفض لمخططات التهجير: منذ بداية الحرب فى غزة، وقفت مصر قيادةً وشعبًا ضد مخططات التهجير القسرى للفلسطينيين. وأعلنت مصر بشكل قاطع أن تهجير الفلسطينيين، سواء إلى سيناء أو الأردن أو أى مكان آخر، هو خط أحمر لن تسمح بتجاوزه، وأكدت أن مصر لن تشارك فى أى ظلم تاريخى بحق الشعب الفلسطينى، ولن تسمح بتهجيره قسرًا أو طوعًا.
وعلى المستوى الشعبى؛ رفض المصريون بجميع فئاتهم وأطيافهم أى محاولات لتهجير الفلسطينيين، وندّدوا بانتهاكات الاحتلال الإسرائيلى وجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطينى. وعلى الصعيد الدبلوماسى؛ واصلت مصر لعب دورها الفاعل فى الدفاع عن القضية الفلسطينية فى جميع المحافل الدولية.
- الوساطة لوقف إطلاق النار: تلعب مصر دورًا محوريًا فى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة؛ حيث قادت المفاوضات بجهود مشتركة مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية، ونجحت فى تطبيق فترتَىّ هدنة لوقف إطلاق النار، منذ بدء العدوان فى السابع من أكتوبر 2023، آخرها فى يناير الماضى، وتواصل جهودها، من أجل استكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بشكل كامل فى القطاع.
- تقديم المساعدات الإنسانية: فرضت إرادتها بحشد الجهود الدولية لنفاذ المساعدات الإنسانية للقطاع، حتى إن أكثر من 70 بالمائة من المساعدات التي قدمت للقطاع كانت من مصر، وتبذل القاهرة جهودًا دولية؛ من أجل استئناف دخول المساعدات للقطاع.
- السلام الشامل: حيث تسعى القاهرة، لوضع حل شامل للقضية الفلسطينية، يقضى بإقامة دولة فلسطين المستقلة، على حدود الرابع من يونيو 1967، وبما يساهم فى إرساء السلام الشامل بالمنطقة.
- إعادة الإعمار: حيث تسعى مصر إلى تعزيز الجهود الدولية لإعادة إعمار غزة وتأهيل البنية التحتية، مع التأكيد على أن يتم ذلك فى ظل بقاء الفلسطينيين على أرضهم.
تلك مواقف مصرية ثابتة، التي يمكن أن تحقق هدف كسر الحصار الإسرائيلى، وليست مزايدات القوافل التي ظهرت أخيرًا، ومنها قافلة «البنيان المرصوص» التي تتجه من تركيا للأردن.
لكن الأهم هو التقدير المصري، الذي يرى أن الحل الشامل والمستدام للقضية الفلسطينية، سيكون السبيل الوحيد؛ لإرساء السلام العادل فى المنطقة، ويضمن الاستقرار والأمن لها، وفوق كل ذلك، سيفوّت الفرصة على «الجماعات الإرهابية» التي طالما تستغل القضية الفلسطينية، كذريعة لتبرير عملياتها الإرهابية فى المنطقة ودول العالم.
فى سبيل كتابة هذا المقال، قرأت تحليلات ومقالات، للباحث والكاتب ماهر فرغلى، والباحث محمود الطباخ، والكاتب طارق الحميد، كما تم رصد صفحات وبيانات أذرع الإخوان فى تونس والجزائر والمغرب وليبيا، وتابعت صفحات بعض القائمين على «قافلة صمود»، واطلعت على حوارات سابقة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، والقيادى فى حركة حماس موسى أبو مرزوق.