
أسامة سلامة
شبكات السلطة والمال
هل تنتهى رحلة المسئولين مع المناصب برحيلهم عن مقاعدهم؟ وما الطريق الذى يسير فيه الوزراء ورؤساء الهيئات المهمة بعد تركهم المنصب؟ وهل هناك قانون يحكم ذلك؟ هذه الأسئلة المهمة التى تتردد عادة عند كل تغيير وزارى أجابت عليه الكاتبة المتميزة والصحفية البارعة ميرفانا ماهر فى أحد فصول كتابها «شبكات السلطة والمال.. أسرار وكواليس تعارض المصالح» الفائز مؤخرا بجائزة الدولة التشجيعية، تحت عنوان «أصحاب المعالى.. مكانك محفوظ»، تقول ميرفانا: «غالبا ما يكون المسئول له مكان محفوظ فمن المتعارف عليه أن مكافأة نهاية الخدمة تكون عضوية مجلس إدارة شركة أو بنك أو مركز بحثى»، ولكن البعض الآخر يتجهون «إلى الساحة السياسية عبر بوابات الأحزاب، وقد يعود بعضهم للتدريس فى الجامعة إذا كان عضو هيئة تدريس أو يؤسس مشروعا أو شركة خاصة»، وتشير المؤلفة إلى ظاهرة تستحق التوقف وهى «لجوء شركات إلى تعيين مسئولين سابقين مستشارين لها مقابل أجور مغرية للاستفادة من علاقاتهم»، ولكن ما هو رأى القانون؟ تجيب ميرفانا «لا يمنع قانون الخدمة المدنية المنظم لأحوال الموظفين بالجهاز الإدارى عمل الوزراء فى القطاع الخاص عقب تركهم مناصبهم أو إحالتهم للمعاش ويقتصر الحظر على بعض المسئولين فى جهات مثل جهاز حماية المستهلك وهيئة الرقابة الإدارية وهيئة الرقابة المالية وبعض الجهات السيادية بسبب لوائح هذه الجهات التى تشترط مرور عامين على تركهم المنصب ضمانا لعدم إفشاء الأسرار»، وتضيف «أن قانون تعارض المصالح يحظر تولى المسئول الحكومى أى منصب فور ترك مقعده أو وظيفته لمدة ثلاثة شهور وهى الفترة التى تسمى بفترة الريبة» وتشرح «أن هذه الفترة وضعها المشرع حتى يطمئن المجتمع إلى أن هناك مسافة زمنية كافية تفصل بين ما للمسئول من نفوذ وتأثير ومعارف واتصالات وبين رجوعه إلى صفوف المواطنين العاديين»، وتشير الكاتبة إلى أن «القانون يشدد على منع عمل المسئول فى القطاع الخاص لدى شركة أو جهة كانت تابعة أو مرتبطة بعمله السابق أو خاضعة لرقابته إلا بعد موافقة لجنة الوقاية من الفساد» وتضيف «لم يقف الحظر القانونى على المسئول السابق عند هذا الحد ولكنه امتد إلى منع استثماراته فى مجالات كانت تابعة له بشكل مباشر أو أن يقدم استشارات لشركات كانت تابعة أو خاضعة لرقابة الجهة التى كان يرأسها»، وترى ميرفانا أن صدور هذا القانون خطوة أولى وكان يجب أن تلحقها خطوات أخرى مثل أن تصدر له لوائح وقرارات تنفيذية وكذلك تشكيل لجنة الوقاية من الفساد التى نص عليها، وتشرح الوضع قائلة: «آخر التحركات فيما يخص لجنة الوقاية من الفساد كانت عام 2017 بعد صدور القانون بأربع سنوات حينما استعرض مجلس الوزراء مشروع قرار رئيس الجمهورية بشأن تشكيل اللجنة ووجه رئيس الوزراء وقتها بتشكيل لجنة من عدد من الجهات المعنية لمراجعة مشروع القانون، ولم يصدر حتى الآن قرار بتشكيل اللجنة وتسبب هذا الوضع فى أن يكون القانون مجرد حبر على ورق».
ويرصد الكتاب العديد من الشخصيات فى الحكومات السابقة انتقلت من العمل فى الحكومة إلى شركات وبنوك وجامعات قطاع خاص ما يتعارض مع فلسفة القانون ولهذا تقترح المؤلفة زيادة فترة الريبة وإطالتها بحيث تحقق الغرض منها، وتتبع ميرفانا محاولات مواجهة تعارض المصالح، وتقول: «عرفنا فى مصر ظاهرة تعارض المصالح قبيل ثورة يناير بسنوات وأطلق عليه مجازا زواج السلطة بالمال وكثر الحديث عن تعارض المصالح مع التأثيرات الخطيرة للعلاقة الوثيقة بين النظام الحاكم ورجال الأعمال والتى نتج عنها كشف العديد من قضايا الفساد»، وتكشف ميرفانا أنه فى 2011 انطلقت المبادرة المصرية للوقاية من الفساد من خلال مجموعة من السياسيين بهدف وضع برنامج قومى لإعداد مجموعة من القوانين والنظم التى تحد من الفساد، وتم إعداد مسودة قانون لكن الحكومة لم تهتم به، ولكن هذا الجهد لم يذهب هباء فبعد تولى المستشار عدلى منصور الرئاسة مؤقتا اصدر فى 2013 قانون بحظر تعارض المصالح ولكن لم تصدر لائحته التنفيذية ولم يتم تشكيل لجنة الوقاية من الفساد التى نص عليها القانون، ثم صدر قانون الخدمة المدنية فى 2016 والذى أقر نظاما جديدا للتعيينات يحقق الشفافية من خلال المسابقات ومنع الموظف من العمل تحت الإشراف المباشر لأقاربه من الدرجة الأولى، وفى عام 2019 أصدر المعهد القومى للإدارة مدونة سلوك وأخلاقيات الوظيفة العامة التى تحتوى على قواعد لمنع تضارب المصالح لموظفى الدولة، ثم تبنت الحكومة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التى أكدت على ضرورة تطوير بنية تشريعية داعمة لمكافحة الفساد ويتم ذلك من خلال إصدار اللائحة التنفيذية لقانون حظر تعارض المصالح أو إلغائه ودمج محتواه بقانون آخر، وهو ما لم يتم حتى الآن، وترى الكاتبة «أن هذا الوضع جعل القانون معطلا ما يؤدى إلى مخالفته وما يترتب على ذلك من وجود حالات تضارب مصالح»، وتضيف «أن البعض يرى أنه من الطبيعى أن يكون المسئول له علاقات وخبرات متعلقة بالمجال الذى يباشره فهل نأتى بمرشحين خارجين من الكهوف حتى يكونوا مستقلين ومحايدين دون أى انتماء؟» وتجيب «بالتأكيد لا وظاهرة تعارض المصالح موجودة فى كل زمان ومكان وهو وضع يجب التعامل معه بذكاء حتى لا يستغله صاحبه بعيدا عن متطلبات وظيفته».
الكاتبة المهتمة بهذه الظاهرة قسمت كتابها إلى جزءين الأول عن تعارض المصالح فى السلطة التنفيذية بهيئاتها وقطاعاتها المختلفة والثانى يتطرق لتأثير تعارض المصالح فى السلطة التشريعية أى البرلمان، الكتاب مهم ويتعرض بالتفصيل والمعلومات المدققة لقضية خطيرة ويستحق فعلا الفوز بجائزة الدولة التشجيعية.>