هناء فتحى
عكس الاتجاه.. هل يصلح متحف الهولوكوست ما أفسدته دولة الاحتلال؟!
ليس أكبر من هذا دليل على هزيمة إسرائيل منذ طوفان الأقصى وحتى غرقها فى مياهه الجارفة للآن؛ أن تنشر النيويورك تايمز -مؤسساها يهوديان- وموقع شبكة NBC News لصاحبها اليهودى «نوح أوبنهايم» يوم الجمعة الماضية 24 مايو خبرا صغيرا يتيمًا ذليلًا بلا إعادة ولا تحليل ولا تحقيق ولا استكمال الخبر، مجرد خبر صغير يقول (يا حيطة دارينى) عن استضافة متحف الهولوكوست بمدينة نيويورك لآلاف من طلاب المدارس فى الصف الثامن لتذكيرهم بما يسمى محرقة اليهود، والدعوة والتذاكر والانتقالات والوجبات مجانية، وغير هذان المصدران لم تنشر صحيفة أو مجلة أمريكية هذا الأمر.. وللعلم أو للتذكير أو للتفكير: تقع ال New York Times وشبكة ال NBC فى الأفينيو الخامدس (فيفث أفينيو) بحى مانهاتن بمدينة نيويورك وهو نفس الشارع الذى يقع فيه متحف الهولوكوست وهو نفس الشارع الذى يضم فى أوله مبنى الأمم المتحدة.
أما السؤال: لماذا تحرك متحف الهولوكوست بنيويورك ولم يتحرك فرعه الكائن بالعاصمة واشنطن؟ تجيب عن هذا السؤال حراكات ومظاهرات واعتصامات مدينة نيويورك وشوارعها وجامعاتها وطلابها وأساتذتها الذين انتفضوا نصرة لفلسطين ولغزة منذ طوفان الأقصى، مدينة نيويورك التى قامت من رقادها ونفضت عن نعشها الخشبى أكاذيب اليهود كلها وسارت بلا كفن ووصلت لأقصى جامعات الولايات الأخرى منددة بمزاعم اليهود وكذب رئيس وزرائها ومجلس حربها مرددين فى نفس واحد لم ينقطع Ceasefire now، ذلك الغضب الذى جعل فلسطين ضميرًا وقلبًا لسانًا وشعارًا وزيًا وكوفيةً وانتفاضةً أمريكية غير مسبوقة فاقت عددا وزخمًا تلك التى قامت منذ أعوامٍ أربعةٍ إثر مقتل المواطن الأسود «جورج فلويد» وبسببه قامت ثورة (حياة السود مهمة) الثورة أو الحركة الواسعة التى أخمدتها السيدة الهندية الأمريكية الجنوبية بمراوغة وبخدعة لا تجيدها إلا نعومة السيدة «كمالا هاريس» بتسلمها منصب نائب الرئيس النائم بايدن، فذهب المتظاهرون إلى بيوتهم وفى بطونهم مليون بطيخة صيفى وقد سلّموا ثورتهم لأيادٍ أمينة.
ستفشل دعوة المتحف فى تحقيق أهدافها لأن المواطنون هذه المرة ليسوا كما كانوا فى 2020، ولن تُبدّل ولن تمحو زيارة طلبة المدارس لمتحف الهولوكوست ما يشاهدونه عينى عينك من إبادة جماعية لأهالى غزة على الهواء مباشرةً، ستفشل الدعوة لأن كثيرًا ممن يتظاهرون فى المدارس والجامعات يهود، ستفشل الدعوة لأن أول مظاهرة مليونية من أجل غزة قامت إثر طوفان الأقصى فى حيّ بروكلين الذى يعجُ باليهود السود الأثرياء منهم آباء وأمهات وأبناء من رواد وطلبة وأساتذة جامعة كولومبيا، أول جامعة تنتفض فى العالم، ستفشل الدعوة لأن طوفان الدول - البعيدة - التى اعترفت أخيرا بفلسطين بدأ ينهمر، ستفشل الدعوة لأن قادة دولة الاحتلال تحت مطرقة الجنائية الدولية، ستفشل الدعوة لأن نظاما سياسيا عالميًا أكثر صدقًا وأخلاقية بدأ يبزغ تحت ذات السماء الأمريكية الغائمة، نظامًا (صُنِعَ فى أمريكا) الجديد سوف يكنس كل مؤسساتها الحقوقية والإنسانية القديمة ولسوف يقطع الحبل المجدول الملفوف حول رقبة تمثال الحرية، الرأس المشنوق الكائن فى الجهة المقابلة من مانهاتن على مياه الأطلسى.
وستفشل الدعوة لأن مسألة زيارة المتاحف ليست حدثًا جللًا، بل ليست ذات بال على الإطلاق فى المجتمع الأمريكى، مجرد زيارة سهلة ومعتادة يقوم بها الجميع كل يوم، والمتاحف نفسها كثيرة جدا ومتنوعة ما بين متاحف الآثار ومتاحف الورود والحشرات مثل البق والصراصير، وجميعها مجانية، حتى متحف المترو بوليتان الشهير تستطيع أن تدخله بدولار واحد فقط والذى يقع بجوار متحف المحرقة وبجوار الصحيفة وشبكة الراديو والتليفزيون.
ستفشل الدعوة لأن أصحاب الـNew York Times والـNBC News يسبقهم تاريخهم وسيرة أُسَرهم وعائلاتهم وتسبقهم سمعتهم بمكرهم ونفاقهم وبمواقفهم وألاعيبهم كيهود (قرارى) يهودٌ يتلاعبون بالبيضة وبالحجر وبالتاريخ وبالجغرافيا وبالحزبين الجمهورى والديمقراطى وبالمواطن الأبيض والأسود وبالإفريقى والأروبى وبالقضايا الكبرى التى هزت يوما ما مجتمع مدينة نيويورك مثل حكاية فضيحة اليهود مُلاك الصحيفة الذين جلبوا الأفارقة عبيدا فى قصورهم وتاجروا فيهم قبل الحرب الأهلية بعشر سنوات منذ العام 1851 حين أسست عائلة ريموند وجورج جونز الصحيفة وكانت والدة «جورج جونز» شغوفة باقتناء العبيد، وهو الحال الذى ادعى عكسه أبناء العائلة أيام ثورة جورج فلويد 2020، لكن دفاتر العائلة فُتِحَت ونُشرت فضائحهم.. أما موقف «نوح أوبنهايمر» مالك شبكة أن بى سى فكان أكثر نفاقًا حين قام بطرد أحد أهم محررى الشبكة الذى فضح امبراطور صناعة السينما «هارفى واينشتاين» الزنديق والمغتصب والمسجون بعدة تهم أخلاقية.
ستفشل الرحلة لأن نتنياهو سيتم اعتقاله فى بلاد كانت تتواطأ مع مذابحه، وقد أعلن المستشار الألمانى «إيلاف شولتز» أن بلاده ستعتقل نتنياهو لو حلّ بها، ألمانيا التى كانت تدفع لليهود فواتير ما اقترفته وما لم تكن قد اقترفته، ألمانيا التى تقام رحلة طلبة مدارس نيويورك لمتحف المحرقة (على حِسِها وبسببها) ثمة بلاد أخرى ستفعل ذلك.
ستفشل رحلة طلاب مدارس مدينة نيويورك لأنهم هم من أشعل الغضب العالمى ضد الصهيونية تزامنا مع طوفان الأقصى والإبادة الجماعية للغزاويين.>
