
عاطف حلمي
ضرب الرموز
يلجأ القائمون على عمليات غسل المخ إلى حيلة ماكرة تتركز على التشكيك فى كل الثوابت التى يعتقد فيها الشخص المستهدف ثم نسف هذه الثوابت ليصبح عقل هذا الإنسان فارغًا وتربة مهيأة لغرس أى أفكار أخرى بها.
هذا الأمر يتم بشكل ممنهج منذ فترة على بعض مواقع التواصل الاجتماعى ومن خلال عدد من اللجان الإلكترونية التى تستهدف ضرب الثوابت الوطنية المصرية من خلال التشكيك فى العديد من الرموز والشخصيات التى لعبت دورًا تاريخيًا ووطنيًا بدءًا من شخصيات مثل سعد زغلول الذى وصفوه بأنه مدمن قمار ،وجمال عبدالناصر الذى ادعوا أنه كان يشرب الخمر فى بيت الرئيس المؤمن أنور السادات,وطه حسين الذى اتهموه بأنه عميل للمخابرات الغربية وأنه مرتد، وفى مجال الفن نجدهم يتهمون أم كلثوم بأنها كانت شاذة جنسيًا وأن عبدالوهاب كان زير نساء يخطفهن من أزواجهن، والأمر ذاته بالنسبة لعبدالحليم حافظ وسعاد حسنى والقائمة لا تنتهى.
الملاحظ فى هذه الحملة الممنهجة أنها لا تنقد أو تختلف مع منجزات ومواقف هذه الشخصيات أو إنتاجها الفكرى والفنى، بل أنهم يركزون على سلوك شخصى بالحق والباطل، يتحدثون عن مواقف لا يمكن أن يعرفها إلا الإنسان نفسه، كما لو كانوا يعيشون معه يرصدون كل تحركاته ولو فى المخادع ووراء الأبواب المغلقة.
هذا الأسلوب يكشف عن نوايا خبيثة، وعن فشلهم فى نقد مواقف هؤلاء الأشخاص كشخصيات عامة فيلجأون إلى تشويه سيرتهم الخاصة، كما أنه يجتزأون بعض المواقف من سياق أحداثها التاريخية ومن سياق الثقافة المجتمعية السائدة فى ذلك الوقت.
الملاحظة الثانية أنهم لا يتعرضون لشخصيات مثل حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية ولا لسيد قطب وغيرهما من قيادات الجماعة.
أما الملاحظة الثالثة فهى تكرار هذه الموجة من تشويه الرموز فى العديد من المواقع وحسابات التواصل الاجتماعى بشكل يستوجب التوقف أمام من يقف خلف هذه الموجة، فالهدف النهائى الذين يريدون الوصول إليه، أن رموزنا الوطنية إما عملاء أو خونة أو ساقطين أخلاقيًا، رغم أن الأدوات المستخدمة من قبل هذه اللجان الإلكترونية غير أخلاقية بالمرة فلا يتورعون عن الخوض فى الأعراض وتوجيه اتهامات باطلة لأشخاص غادروا دنيانا ومن ثم لن يستطيع أى منهم الدفاع عن نفسه، بل إن هؤلاء يزعمون امتلاكهم واحتكارهم المطلق للحقيقة وما عداهم فى ضلال مبين.
المؤسف أن البعض ينساق خلف هذه اللجان أما لوقوعه فى فخ غسل المخ وعدم الانتباه إلى أن ما يتم هو عملية تشويه متعمد لسلوكيات شخصية بالغة الخصوصية لا يمكن التحقق من صحتها، فى حين يتم عن عمد تجاهل التعرض لمواقف هذه الشخصيات على المستوى العام، فمن حق أى شخص أن ينتقد مواقف سعد زغلول أو جمال عبدالناصر على المستوى السياسى، أو نقد الإنتاج الأدبى والفكرى لطه حسين أو عباس محمود العقاد، أو الإنتاج الفنى والابداعى لأم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وسعاد حسنى.
والبعض قد ينساق خلف هذه اللجان لا لشيء سوى أننا نعشق جلد الذات، ولا نثق فى أنفسنا، فيصبح من السهل التشكيك فى أى رمز وطنى لمجرد تناول سيرته الخاصة بشكل سلبى.
فى المقابل يتجاهل الكثيرون أن أى رمز وطنى فى أى مجال سياسى او إبداعى، هو قبل أى شيء إنسان مثله مثل أى شخص آخر له حياته الخاصة وحرماته التى تستوجب أن تكون مصانة من المنطلق الأخلاقى والإنسانى، أما ما يجب أن نحاسب عليه أى شخصية عامة فهو السلوك العام والمواقف السياسية أو الإنتاج الفكرى والأدبى والفنى، وفوق كل ذلك، ومع شيوع الكتابة غير الموثقة بشكل مغرض على مواقع التواصل، علينا أن نستوثق من مصادر هذه المعلومات، بل من موثوقية المصدر نفسه.