الجمعة 27 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
المقاومة والحرية  أسئلة ما بعد الحرب على غزة

المقاومة والحرية أسئلة ما بعد الحرب على غزة

ستنتهى الحرب على غزة إن آجلا أو عاجلا، وأيا ما كانت نتائجها فإنها تطرح تساؤلات مهمة يجب البحث عن إجابات لها تستند إلى تحليل منطقى للأحداث وقراءة المواقف بعيدا عن العاطفة الجياشة التى قد تجرنا إلى نتائج نتمناها ولكنها غير دقيقة، ومن هنا تأتى أهمية كتاب «المقاومة والحرية.. غزة وسردية البطولة والإبادة» للمفكر الكبير والمثقف الموسوعى نبيل عبدالفتاح والصادر مؤخرا من دار «ميريت»، قدم المؤلف عبر فصول الكتاب قراءة واعية للحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة، والتى شكلت حسب قوله «ذروة الحد الفاصل بين خطاب الإبادة والمقاومة تحت وطأة الاحتلال الاستيطانى وأساطيره التوراتية التأويلية المحلقة والمتجذرة فى بعض من العقل السياسى اليمينى واليمينى الدينى المتطرف، وبين خطاب الكفاح الوطنى من أجل الاستقلال والحرية».. ويشرح عبدالفتاح جانبا من تداعيات هذه الحرب «من قلب التراجيديا الإنسانية انفجرت حروب اللغة والمصطلحات والخطابات المتصارعة إسرائيليا وأمريكيا وأوروبيا التى انحسرت عنها وجوهها الأخلاقية والإنسانية والقانونية الدولية فى مواجهة خطاب الشرعية والقانون الدولى – والحرب – والإنسانى، والقيم الإنسانية المنتهكة من إسرائيل وقادتها وجيشها وداعميها الدوليين فى مراكز الغرب الإمبريالى العولمى»، ويرى عبدالفتاح أن «صراع السرديات والتأويلات حول الحرب وجرائمها لم يقتصر على اللغة وإنما امتد إلى قلب الثورة الرقمية وبعض مواقع التواصل الاجتماعى الكونية، وجماهيرها الرقمية والفعلية الغفيرة عبر المشهديات المرئية والصور والفيديوهات الطلقة والمنشورات والتغريدات التى وثقت - ولا تزال- الإبادة على نحو أدى إلى تحفيز بعض اتجاهات إنسانية من ثنايا الضمير الكونى»، ولأن عبدالفتاح مفكر صاحب رؤية ثاقبة وهو من أهم العقول البحثية فى العالم العربى فقد كان واعيا بضرورة النظر إلى تداعيات الحرب فى المستقبل على العالم ودول المنطقة، ولذا طرح عدة تساؤلات مهمة يجب أن نستعد لها من الآن وأن نعرف موقفنا منها:



أولا: مدى جدوى مقولات السياسة الإسرائيلية اليمينية: أن السلام الإسرائيلى مقابل السلام العربى والتطبيع الكامل مع الدولة والمجتمع الإسرائيلى، فهناك تساؤلات وشكوك حول جدواه وفاعليته فى الحد من النزعة العدوانية والاستعلائية للصهيونية وخاصة من غلاة اليمين المتطرف.

ثانيا: سؤال عن حرية الإنسان العربى الفرد والشعوب إزاء السلطات الشمولية التى تعتقل الحريات الشخصية والعامة فى سياجاتها وقيودها الأمنية دونما اهتمام بإرادة الشعوب، وسوف يطرح الفلسطينيون ذلك فى ضوء ما حدث مرارا وتكرارا من حماس والسلطة الفلسطينية من انتهاكات لحريات الشعب فى الضفة وغزة، ذلك على الرغم من دور حماس كمقاومة مسلحة للاحتلال وسعيها من أجل تحرير الأسرى والتحرر من الاحتلال الاستيطانى وإقامة الدولة الفلسطينية.

ثالثا: أسئلة حول مدى المركزية الأمريكية والأوروبية كنماذج ملهمة للمفكرين والمثقفين العرب ولبعض القوى الاجتماعية العربية كمسارات للتقدم والحداثة والمرور عبرها من حالة التخلف، وربما تدور الأسئلة مجددا عن أسباب الفشل التاريخى فى اللحاق بالتطورات التقنية والعلمية والفكرية فائقة السرعة بالرأسمالية الغربية والكونية؟

رابعا: أسئلة الاستبداد العربى وعوامل وأسباب تشكله تاريخيا واستمراره ومعه السلطات الدينية التابعة والجماعات الدينية وخطاباتها التأويلية النقلية المعادية للحريات الفردية والعامة وللعقل والفكر النقدى وقضايا التمييز ضد الأقليات الدينية والمذهبية وحريات التدين والاعتقاد واللاتدين والتحول الدينى؟

خامسا: أسئلة حول التمايزات الطبقية فى النظام الاجتماعى والاقتصادى ومشكلاتها المتفاقمة وعسر الحياة للأغلبيات الشعبية والفئات الوسطى وتزايد الذين يعيشون ما وراء خط الفقر.

سادسا: أسئلة حول أسباب انهيار أنظمة التعليم وسياساته ومناهجه ومخرجاته والفجوة بينه وبين سوق العمل ومعها أسباب التخلف العلمى والتقنى والاجتماعى.

سابعا: أسئلة حول الإسلام وتحديات التقدم التكنولوجى المذهل وعالم الذكاء الاصطناعى الذى وصل إلى ما يمكن تسميته الاناسة الروبيتية وتأثير كل ذلك على الإنسانية، وأيضا على العقل النقلى الاتباعى والسلطات الدينية التسلطية والجماعات الدينية السياسية والسلفية والراديكاليات الجهادية.

ومما سبق يرى عبدالفتاح، وهو من أبرز المفكرين العرب الذين يستشرفون المستقبل، أن «مآلات الإبادة والحرب الإسرائيلية تفتح بعض الأبواب لتغييرات مستقبلية فى بعض الدول والمجتمعات العربية فى ظل التغيرات الجيلية الشابة وتفاقم المشكلات الاجتماعية والسياسية وأثر الثورة الرقمية على هذه الأجيال، وكذلك أثر الحرب على الفلسطينيين وعلى يقظة جزئية لفكرة العروبة ومن ثم ازدياد الفجوات بين بعض الأجيال الجديدة وبين دول اليسر المالى العربى وأيضا بينهم وبين بعض أنماط السلوك الاجتماعى والخطابات الرقمية إزاء شعوب دول العسر، وستدخل المنطقة فى مرحلة بها بعض القلق واللا يقين والاضطراب السياسى والتوترات الاجتماعية والسياسية الداخلية». الكتاب فى فصوله المتنوعة يمثل سردية مهمة تتضمن تحليلا عميقا عن الحرب ووقائعها وأبعادها المختلفة واستشراف ما بعدها حين تسكت البنادق وتتوقف القذائف.