السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
السيناتور «شومر» وجمهورية الموز بين إسرائيل وأمريكا!

السيناتور «شومر» وجمهورية الموز بين إسرائيل وأمريكا!

ثمة قول مشهور فى السياسة وفى الحياة نفسها: من يصنع الأزمة لا يقدر على حلها، ‏بالقطع لها استثناءات فى تاريخ الأمم والقادة والأفراد، فتجارب البشر وأفكارهم ‏وطبيعة الحياة لا تمضى على قضبان حديدية، لكن تظل منطقها الصلد، فلو كان ‏صانع الأزمة يعرف أو يفهم «ما يحيط به» ما تجمعت أصلا عناصر الأزمة ‏وأحكمت قبضتها، فالمعرفة الصحيحة هى «سر» القرارات الصائبة أو الأقرب إلى ‏الصحة، وهى التى تفك أى عقدة قبل أن تتحول إلى أزمة أو مشكلة كبرى.‏



وهذا ما سقط فيه بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل وحلفاؤه المتطرفون فى ‏حربهم الإجرامية على غزة، فالصهاينة لا يعرفون جينات الأرض التى غُرِسوا فيها ‏بالإكراه معرفة صحيحة، ولا يعرفون طبيعة الشعب الفلسطينى الذى سُرق منه ‏وطنه بقوة السلاح، ويتصورون أن القوة العسكرية المفرطة هى وحدها القادرة على ‏حسم هذا الصراع، فى منطقة عاشت تاريخها كله فى صراع بين القوة والحق، ‏وأثبتت أن القوة العسكرية مهما علت وتوحشت وطال أمدها، ليس لها إلا مصير ‏واحد هو الانكسار والتفتت!‏

ولم يستطع الصهاينة أن يفرقوا بين الظروف التى أُجبر فيها الفلسطينيون فى 1948 ‏على الهروب من القتل، لاجئين إلى دول الجوار متصورين أنها مسألة أيام أو شهور ‏ثم يعودون إلى ديارهم، والظروف التى يعيشها الفلسطينيون الآن وهم يعرفون تماما ‏طبائع العدو وأن «ترك» الأرض خيانة نهائية لا يمكن أن يقتربوا منها!‏

وأظن أن الولايات المتحدة تدرك ذلك بطريقة ما، وهى جربت الانكسار فى فيتنام، ‏بالرغم من الوحشية التى تعاملت بها مع الفيتناميين، وتريد إنقاذ إسرائيل من هذا ‏الفخ، خاصة وهى دعمت حرب الإبادة الإسرائيلية ضد أهل غزة بكل الإمكانات ‏والوسائل العسكرية والدبلوماسية، فلم تفلح إسرائيل فى تنفيذ مخططها، ومازال ‏الفلسطينيون واقفين على أقدامهم بين ركام بيوتهم وأطلال مدنهم، جائعين نازفين، ‏متمسكين بتراب أرضهم. ‏

نهيك أن إسرائيل خسرت «كل الأكاذيب والأقنعة البرئية» أمام العالم، ولم يعد قادتها ‏قادرين على الخروج من غزة بطريقة تعيد إلى الحياة الإسرائيلية سيرتها التى كانت ‏عليها قبل 7 أكتوبر. ‏

ومن هنا قد نفسر سر الجلبة الشديدة التى سببها السيناتور «تشاك شومر» زعيم ‏الأغلبية فى مجلس الشيوخ الأمريكى وهو يخطب فى قاعته واصفا بنيامين نيتانياهو ‏بأنه «مجنون مثل الجحيم ولن يأخذها بعد الآن وأنه عقبة أمام السلام»، ويدعو إلى ‏انتخابات جديدة بإسرائيل تأتى بحكومة قادرة على فتح ثغرة فى «حزام الألغام» الذى ‏يقاتل داخله جيش الإبادة الإسرائيلى، كنقطة انطلاق إلى «معاهدة سلام» تضمن أمن ‏إسرائيل، وقال: من الواضح أن ائتلاف نيتانياهو لم يعد يناسب احتياجات إسرائيل ‏بعد 7 أكتوبر، لقد تغير العالم بشكل جذرى منذ ذلك الحين، واضح جدا أن ‏الإسرائيليين بحاجة إلى تقييم الوضع والتساؤل: هل يجب علينا تغيير المسار؟

قطعا لا يهتم شومر أو غيره بالفلسطينيين، هو فقط يفكر فى كيفية إنقاذ إسرائيل من ‏الحالة التى وصلت إليها، ولا تملك لها خريطة طريق ولا رؤية منطقية، ويعرف أن ‏بنيامين نتنياهو لم يعد قادرا على فهم «البيئة» المحيطة بالصراع الآن، ولا إدراك ‏المتغيرات التى حدثت فى الرأى العام العالمى، وأن عناده وحرصه على منصبه ‏يقودانه إلى قرارات لا تفضى إلى أبواب مفتوحة! ‏

‏ وشىء طبيعى جدا أن يُحدث خطاب تشاك شومر صخبا شديدا غير مسبوق بين ‏واشنطن وتل أبيب، فهذه أول مرة يتكلم فيها سياسى أمريكى رفيع المستوى وقريب ‏من البيت الأبيض بهذه الكلمات صراحة، ولا تستطيع إسرائيل أن تتهمه بمعادة ‏السامية، لأنه يهودى، لم ترد سيرة إسرائيل على لسانه أبدا دون أن يتطرق إلى ‏أصل اسمه الأخير المشتق من جذر عبرى معناه «الوصى».‏

باختصار خرجت عجلة الدوران السياسى فى واشنطن وتل أبيب عن حركتها ‏المعتادة، وركبها من يؤيد ومن يعارض تلك العبارات القاسية التى نزلت بقسوة على ‏رأس نتنياهو الذى يبدو أن نهايته السياسية ستكون «موجعة للغاية»، وبات السؤال: ‏هل كان خطاب شومر بعيدا عن «رغبة» البيت الأبيض؟، هل يعنى ذلك أن ثمة ‏جديدا مختلفا فى سياسات الرئيس الأمريكى جو بادين مع إسرائيل؟

لا توجد إجابة محددة، فقط قال الرئيس الأمريكى بين مجموعة من موظفيه حين ‏سئل عن الخطاب: خطاب جيد يعكس مخاوف العديد من الأمريكيين.‏

وفسرت دوائر سياسية أمريكية أن الخطاب فى مجلس الشيوخ يمنح بايدن مساحة ‏من الحرية فى التعامل مع إسرائيل، لكن آخرين رفضوا هذا التفسير، ورجحوا عدم ‏تعديل السياسات التى تبناها بايدن منذ السابع من أكتوبر بالرغم من غضبه من ‏نيتانياهو وفريق ثالث وقف فى منتصف الطريق ووصف الخطاب بأنه رسالة قاسية بعض الشىء، لعل نيتانياهو يوافق على صفقة الإفراج عن الرهائن ووقف ‏إطلاق النار وزيادة المساعدات الإنسانية.‏

مثلا قالت الديمقراطية نانسى بيلوسى رئيسة مجلس النواب السابقة: كان خطاب ‏شومر شجاعا وعملا من أعمال الحب لإسرائيل كما نحبها، يجب الاستماع إليه، لأن ‏سمعة إسرائيل فى خطر مع تفاقم الأزمة الإنسانية فى غزة.‏

‏ ولم تمض سوى ساعات إلا وكان وفد إسرائيلى فى واشنطن، ليضع أمام الإدارة ‏الأمريكية «خطة إسرائيل» الحتمية فى الهجوم على رفح وكيفية حماية المدنيين، ‏كمحاولة من نتنياهو تبين أنه يعمل وفق النصائح المطالبة بتقليل الخسائر فى أرواح ‏المدنيين.‏

لكن لن تسد هذه الرحلة الهوة بين البلدين، فالأمريكان يتحدثون عن حل الدولتين، ‏والإسرائيليون يتمسكون باستحالة هذا الحل..‏

وقد وضع الرئيس الأمريكى نفسه فى تناقض واضح، بين اعتباره الهجوم على رفع ‏خطا أحمر لا تعبره القوات الإسرائيلية، وبين تأكيده أنه لن يتخلى عن إسرائيل أبدا، ‏وهى تصريحات لا ترسم أى تصور عن رد فعله منها إذا تجاوزت إسرائيل هذا ‏الخط؟

وطبعا قبل أن يصل الوفد الإسرائيلى إلى واشنطن كان نتنياهو يرد على شومر ‏على فضائية سى إن إن، رافضا إجراء انتخابات جديدة وقال: هذا شىء تفعله إسرائيل ‏والجمهور الإسرائيلى بمفرده ولسنا جمهورية موز، وأنه يمثل السياسات التى ‏تدعمها غالبية الإسرائيليين، وشومر لا يعارضنى وإنما يعارض شعب إسرائيل.‏

ثم أعقبه بيان من حزب الليكود بنفس عبارات رئيسه مع الفضائية الأمريكية، ‏وأضاف: الجمهور الإسرائيلى يؤيد النصر الكامل على حماس، ويعارض عودة ‏السلطة الفلسطينية إلى غزة.‏

فرد كثرة من الأمريكيين وعددوا المرات التى لعب فيها الإسرائيليون ومنهم ‏نيتانياهو نفسه دورا مؤثرا فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية.‏

وطبعا لم يترك الحزب الجمهورى خطاب شومر يمر دون أن يصطاد منه ما يفيده ‏فى الانتخابات القادمة، والجمهوريون لهم علاقات تعاون أيديولوجى مع حزب الليكود، ‏ويعتبرون أنفسهم أفضل صديق لإسرائيل، بينما الحزب الديمقراطى منقسم بين ‏أغلبية مؤيدة لإسرائيل وأجيال جديدة متعاطفة مع الفلسطينيين.‏

ولم يكن الحزب الجمهورى على هذا القدر من الارتباط العاطفى بإسرائيل حتى عام ‏‏1988، ولم يكن يختلف عن الحزب الديمقراطى فى الدعم التقليدى لها، ولكن مع ‏صعود اليمين البروتستانتى الإنجيلى فى تشكيلات الحزب تصاعد التأييد الكلاسيكى ‏إلى التزام دينى، وبات أعضاء الحزب الإنجليين يأطرون الصراع العربى ‏الإسرائيلى بمصطلحات دينية وليست سياسية ولا قومية، وصارت فلسطين أرضا ‏يهودية بالحق الإلهى إلى الأبد، وأن الإسرائيليين ليسوا على خطأ مهما فعلوا فى ‏صراعهم مع الفلسطينيين أو إيران أو جيرانهم من المسلمين، وراحوا يمولون ‏المستوطنات فى الضفة الغربية، لأن ( الرب ظهر لإبراهيم وقال أنا أعطيك هذه ‏الأرض).‏

‏ وكان طبيعيا أن يهاجم دونالد ترامب الرئيس الأمريكى السابق والمرشح الجمهورى ‏فى الانتخابات المقبلة خطاب شومر، وقال إنه يبحث عن أصوات وأضاف: ‏الديمقراطيون فى غاية السوء لإسرائيل، طبعا كان يقصد أن الأجيال الجديدة الشابة فى الحزب الديمقراطى تناصر ‏الفلسطينيين وتشارك فى مسيراتهم، وإن ظلت شريحة غير كبيرة.‏

الغريب أنه فى ظل هذا الصخب اقتحم كاتب سويدى من أصل إيرانى اسمه فريد ‏صابرى الساحة، وكتب مقالا إلكترونيا نقلته «تايمز أوف إسرائيل»، وتصدر موقعها ‏على الإنترنت، بعنوان «الديمقراطى تشوك شومر يحاول أن يعلم إسرائيل»، وشن ‏عليه وعلى بايدن غارات فى غاية العنف والوقاحة، كالتى تشنها إسرائيل على قطاع ‏غزة، وتساءل: كيف له أن يدين الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط، أنها محاولة ‏لصرف الرأى العام عن إدارة بايدن الفاشلة داخليا وخارجيا، فهى لم تنجح فى ‏السيطرة على الإرهابيين الحوثيين الذين تدعمهم الجمهورية الإسلامية فى البحر ‏الأحمر؟..وهكذا، يعنى هو معارض إيرانى يصفى حساباته مع بلاده الأم من خلال ‏قضايا الشرق الأوسط.‏ 

عالم مجنون مجنون حقا.. كله جمهوريات موز!‏