الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ليس دفاعًا عن سامح شكرى!‏ شىء ما فى العقل العربى تعطل!‏

ليس دفاعًا عن سامح شكرى!‏ شىء ما فى العقل العربى تعطل!‏

‏قالها الأستاذ محمد حسنين هيكل واصفًا أحوال العرب دون استثناء فى بداية الألفية ‏الثالثة، ولم أجد أدق منها وصفا للحالة التى ضربت منصات التواصل الاجتماعى، ‏خاصة منصة «إكس»، هجوما وتجريحا فى سامح شكرى وزير خارجية مصر، ثم ‏امتد جزء منها إلى الموقف المصرى من الحرب فى غزة!‏



لم يحاول طويلو الألسن أن يقلبوا عبارات سامح شكرى فى مؤتمر ميونيخ للأمن ‏تقليبًا صحيحًا، ويفهموها داخل سياقها، وإنما استفردوا بألفاظ منها دون ربطها ‏بمعلومات معروفة ومتاحة، وترجموها على غير معناها، ونزلوا فى سامح شكرى ‏تقطيعا وردحا، حتى أن شخصا كتب تويته: «الوزير شكرى كان يريد أن ترضى ‏عنه تسيفى ليفنى.. يا خسارة يا مصر»، يعنى بعد كل ما صنعته مصر، وتصنعه ‏وتقاتل سياسيا من أجله فى كل المحافل الدولية..ينتهى بـ«يا خسارة يا مصر»!‏

كان سامح شكرى فى مؤتمر ميونيخ للأمن يخاطب المجتمع الدولى عن مسئوليته ‏السياسية والأخلاقية والإنسانية عما يرتكبه جيش الإبادة الإسرائيلى فى غزة، ‏ويحذر من عواقب جسيمة لأى عملية عسكرية فى رفح ومحاولات التهجير القسرى ‏للفلسطينيين.‏

قطعا لا تملك مصر إلا القتال السياسى دفاعا عن الفلسطينيين، وأى كلام غير ذلك ‏هو نوع من السفسطة والغباء والجهل والغوغائية، وكما قلنا مرارًا وتكرارًا إن ‏إسرائيل ليست هى المعضلة أو المشكة، إسرائيل هى الممثل الرسمى «للغرب» فى ‏هذه الحرب الإجرامية، أى أن الغرب هو الأصل، وليس شريكًا أو مساهما أو داعما ‏من بعيد، وهذا معناه أن أى دولة عربية بمفردها ليست قادرة على مواجهة هذا ‏التكتل الشرس، لا داخل المنطقة ولا فى المنظمات الدولية.‏

‏كان يفترض أن يتشكل تكتل عربى له موقف محدد معلن تلتزم به جميع الدول ‏العربية، خاصة وهى تملك من القوى الاقتصادية والسياسية ما يمكنها أن تكون ‏عنصرا فاعلا فى هذه المواجهة مهما كانت تكاليفها، لكن العكس هو ما حدث ‏ويحدث، كل دولة تمارس دورها منفردة، بعضها تلعبه بوجهين، بعضها يريد أن ‏يثبت أنه أكثر تأثيرا ويبرهن على المكانة الدولية «الهائلة» التى يتمتع بها، ويقبلها ‏الغرب، نعم.. كثير من الدول العربية لها مصالح حيوية مع أمريكا والغرب الأوروبى، ‏منها استثمارات مالية بالمليارات وأسرار خاصة بالآلاف وتحالفات عسكرية ‏بالعشرات تضمن (الاستقرار)، ولهذا يستحيل لهذه الدول أن تتحرك فى مربعات ‏غير مسموح بها أو تصنع معا مركزا قويا له تأثير دولى، ولا مانع لمن يشاء من ‏فضائياتها من أجل الاستهلاك المحلى وتجميل الصورة أن تشجب أمريكا وتهاجم ‏إسرائيل وتسب بريطانيا، بشرط أن تفعلها مع نفسها منفردة، دون اتفاق جماعى أو ‏رؤية موحدة، وبصياغات تشتبك فى خلافات فنية.‏

باختصار زمام أمور كثيرة فى المنطقة لها «ريموت كنترول» خارجها.

فماذا تفعل مصر فى بيئة إقليمية كلها حقول ألغام سياسية واقتصادية؟

أن تدافع وتقاتل من أجل فلسطين سياسيا ودبلوماسيا، أولاً من أجل أمنها القومى ‏المباشر، وثانيًا: من أجل القضية التى تبنتها من 75 سنة ولا يمكن أن تخون نفسها، ‏بغض النظر عن مواقف ومصالح الآخرين مع الدولة الصهيوينة!‏

باختصار كان سامح شكرى يبلور موقف مصر من حرب غزة الإجرامية فى ‏مؤتمر ميونيخ للأمن مدافعا عن الفلسطينيين، وكانت تسيبى ليفنى حاضرة اللقاء ولم ‏يعجبها الكلام، وهبت تدافع عن إسرائيل وتحمل حماس مسئولية جرائمها فى غزة، ‏وترفض وقف القتال: «وقف الحرب دون تغيير حقيقى سيكون بمثابة جولة جديدة، ‏ولن يوجد أمل بالمنطقة، حماس جزء من المشكلة وليست من الحل»!‏

هنا رد سامح شكرى السؤال المسموم إلى نحر إسرائيل وسياسة اليمين المتطرف ‏بقيادة بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء، وطبعا لأنه وزير خارجية فى محفل دولى، ‏وليس ضيفا فى برنامج تليفزيونى ولا فى ندوة عامة، تخرج عباراته فى صياغة ‏دبلوماسية وقال: (يقينا أن حماس كانت خارج الأغلبية المقبولة للشعب الفلسطينى ‏والسلطة الفلسطينية فى الاعتراف بإسرائيل وحق التواصل إلى تسوية، ورافضة ‏التنازل عن دعم العنف).. (يجب أن يكون هناك محاسبة لماذا تم تعزيز قوة حماس ‏فى غزة وتم تمويلها، من أجل إدامة الانقسام بين حماس وبقية الكيانات الرئيسية ‏الميالة لصنع السلام سواء السلطة أو فتح أو الرأى العام؟)‏. من فضلكم دققوا فى العبارات حرفا حرفا..‏

فى الجزء الأول.. لا يتحدث عن انتخابات أو سلطة او اختيارات شعبية، وإنما عن ‏سلام وتسوية وقال إن غالبية الشعب الفلسطينى والسلطة الفلسطينية المعترف بها ‏دوليًا مع الاعتراف بإسرائيل مقابل التسوية والسلام، وأن حماس خارج هذه ‏الأغلبية، والعنف وسيلتها لتحقيق أهدافها فى دولة فلسطينية.‏

هل فى هذه العبارة افتراء على حماس أو هجوم عليها؟، بالقطع لا.. لأن موقف ‏حماس معلن فى دستور تأسيسها، وهذا ليس حكما عليه وإنما توصيف له.‏

فى الجزء الثانى يوجه اتهاما مباشرا إلى حكومة إسرائيل بأنها هى التى سعت إلى ‏تقوية حماس فى القطاع مقابل إضعاف السلطة فى الضفة الغربية، لتمنع التسوية ‏والسلام وإقامة دولة فلسطينية، أى أن سياسات إسرائيل الرافضة للسلام هى جوهر ‏المشكلة.‏

والسؤال: هل هنا أى تحميل على الشعب الفلسطينى؟

بالقطع إسرائيل هى المشكلة وتيارها الدينى المتعصب بجنون هو صانع الكارثة ‏والقابض عليها بأسنانه ومخالبه، ورأت حكومة نيتانياهو فى حماس «وسيلتها» إلى ‏وأد السلام وتصفية القضية الفلسطينية، وهذا لا علاقة له بما تريده حماس وما تعمل ‏له، فالفلسطينيون لهم الحق فى مقاومة الاحتلال الإسرائيلى بكل السبل والوسائل، لا ‏تسلبه منهم أى إدعاءات من المحتل أو الداعمين له فى أوروبا وأمريكا!‏

ومنذ هجوم حماس الناجح على إسرائيل فى 7 أكتوبر وعشرات الأقلام والكتابات ‏الإسرائيلية تُحمل نتانياهو المسئولية المباشرة وتكشف تفاصيل سياساته مع حماس، ‏مثلا كتب «أدام راز» فى هأرتس مقالا بعنوان «تاريخ مختصر لتحالف نيتانياهو- ‏حماس»، قال فيه: كانت سياسية نيتانياهو أن يحافظ على حماس فى السلطة، وقدم ‏لها يد العون بطرق مختلفة لتزيد قوتها العسكرية والسياسية، وسمح بتحويلات ‏نقدية، حيث يأتى المبعوث القطرى إلى غزة ويذهب كما يشاء، كان هدفه هو إيذاء ‏محمود عباس ومنع تقسيم أرض إسرائيل إلى دولتين.‏

وكتب «ديمترى شومسكي» فى هاأرتس أيضًا: «لماذا أراد نيتانياهو تقوية حماس؟»، ‏وأجاب: الخلاف بين حماس فى غزة والسلطة الفلسطينية فى الضفة، يزيد من الشلل ‏الدبلوماسى ويزيل إلى الأبد خطر المفاوضات حول تقسيم إسرائيل إلى دولتين، ‏بحجة أن السلطة الفلسطينية لا تمثل كل الفلسطينيين، وقال إن نيتانياهو ما بين عامى ‏‏2012 و2018، كما هو مثبت بالوثائق، منح قطر الموافقة على تحويل مبلغ ‏تراكمى يبلغ مليار دولار إلى غزة، وصل نصفها على الأقل إلى حماس، وجناحها ‏العسكرى، ونقل شومسكى عن صحيفة جيروزاليم بوست إن نيتانياهو فى اجتماع ‏خاص مع حزبه الليكود فى 11 مارس 2019، برر خطواته المتهورة بأن تحويل ‏الأموال جزء من استراتيجية تقسيم الفلسطينيين ومنع إقامة دولة فلسطينية.‏

وهو نفس ما كتبته تال شنايدر فى «تايمز أوف إسرائيل» بعدها، وقاله يهود أولمرت ‏رئيس وزراء إسرائيل السابق لموقع بوليتكو الأمريكي: فى السنوات 15 الماضية، ‏بذلت إسرائيل كل ما فى وسعها لتعزيز حماس، كانت غزة على وشك الانهيار لأنها ‏بلا موارد، وامتنعت السلطة الفلسطينية عن منح حماس أى أموال، «بيبى» أنقذهم، ‏وعقد صفقة مع قطر ونقلوا إليهم ملايين الدولارات.‏‎ ‎

نلفت النظر مرة أخرى هنا أننا لا نقيم حماس، ولا نقلل من حقها فى الدفاع عن ‏وطنها، فقط نفسر تصريحات سامح شكرى كما نطقها وليس كما فهمتها عقول ‏معطوبة، أخذت هذه العبارات ووصفتها بأنها صادمة، وأن الوزير يجهل أن حماس ‏حظيت بتأييد كاسح فى انتخابات 2006، وما زالت تتفوق فى انتخابات الجامعات، ‏وأنه من المؤسف أن يتساوى وزير عربى مع أهداف المحتلين، ويريد أن يحاسب ‏الشعب الفلسطينى الذى فوض حماس ودعمها.‏

طبعا الوزير المصرى لم يقل هذا على الإطلاق، وصوب عباراته على حكومة ‏إسرائيل التى قوضت فرص السلام والتسوية، بتعنتها ورفضها إقامة دولة فلسطينية، ‏ولم ينحرف بأى لفظة إلى الشعب الفلسطينى الذى يدافع عنه..فكيف يطالب ‏بمحاسبته؟

المدهش أن فضائيات عربية من إياها نقلت «صدمة» المنصات بالتفصيل مع كلام ‏سامح شكرى دون أن تشرحه أو تفسره، فالحرائق مفيدة وجزء من «الدور» وأيضا ‏تدغدغ مشاعر العامة.‏