الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
فى ذكراه.. بصمات لا تنسى

فى ذكراه.. بصمات لا تنسى

اتصل بى مخرج يميل إلى سينما الأكشن ولديه مكتبة ضخمة من أفلام «الكاوبوى» الأمريكية ويتشبه بأبطالها فيرتدى قبعة كبيرة و«صديرى» و«بوتًا».. ويدخن الغليون وينفثه فى وجه من يجالسه فى تعال وعنجهية.. وطلب منى سرعة الالتقاء به لأمر مهم جدا.. وما إن التقيت به حتى بادرنى بأنه كتب قصة فيلم أكشن رائعة أعجبت منتجًا وأنه قد وقع اختياره عليّ لكتابة السيناريو والحوار فلما طلبت منه أن يطلعنى عليها.. قال: ليس هناك وقت.. ووضع أمامى رزمة من الأوراق وقلما وأخذ يملى عليّ تصوراته السينمائية لمجموعة من المشاهد التى سيبدأ بها الفيلم.. قال إن المشهد الأول عبارة عن مطاردة فى الشوارع بين البطل والعصابة يستخدمون فيها سيارات السباق السريعة والمسدسات فى ملاحقته حتى يضطر إلى اقتحام (سوبر ماركت) بسيارته فيحطم واجهته.. و.. قاطعته فى دهشة واستنكار: كيف يتم ذلك فى شوارع القاهرة وفى وضح النهار؟!.. قال فى تأفف وضيق: هل تشكك فى قدراتى التكتيكية.. إنى أستطيع أن أنفذ ذلك بمهارة بالغة دون استخدام حيل (الجرافيك).. قلت له إنى لا أقصد كيفية التنفيذ.. ولكن أتحدث عن المصداقية.. منطق الأحداث.. عن..



قاطعنى بنفاد صبر مكملًا: المشهد الثانى عبارة عن مطاردة بين البطل الذى خرج سليما معافى من تحت أنقاض (السوبر ماركت) وبين كلاب العصابة المتوحشة التى تحاصره فى جراج متعدد الطوابق.. المشهد الثالث مطاردة بين شبيه البطل و.. قاطعته مستأذنًا أن أذهب إلى دورة المياه.. وتسللت هاربًا نادمًا على استجابتى لدعوته.. فالرجل يتصور أنك طالما تصديت لفيلم «أكشن» فعليك أن تخاصم المنطق وتعادى الحقيقة.. وتبتعد عن الواقع.. وتنفصل عن البيئة الاجتماعية.. وتولى ظهرك لمعقولية سلوك الشخصيات الدرامية.. وتحركها فى الزمان والمكان.. وأن يتم ذلك كله طبعًا فى إطار خال من المضمون والمعنى والقيمة.. الشطارة فى الإثارة.. أى إثارة.. والمهارة فى التشويق.. أى تشويق!

تذكرت ما سبق بمناسبة مرور ذكرى ميلاد المخرج الراحل الكبير «نادر جلال» (29 يناير 1940) الذى سعى منذ فيلمه الأول إلى مزج الموضوع الاجتماعى ذى الأبعاد الاجتماعية المختلفة ببراعة التكنيك والاستخدامات الفنية (الأكشن) من حيث تكوين اللقطات الجيدة وزوايا التصوير.. والظل والنور.. وحركة الكاميرا.. والأداء التمثيلى المقنع..

وحقق فى مشواره الفنى الطويل من خلال أكثر من 73 فيلمًا أغلبها من أفلام الحركة التوافق بين المستوى الفكرى والفنى والنجاح الجماهيرى.. لقد كان يصنع أفلامًا ممتعة يقبل عليها المتفرج دون أن يفقدها حبكة تستمد أحداثها من الواقع الاجتماعى كمغزى وعبرة ودلالة حتى إذا ما تحرر من صراعات العصابات ومطاردات الشوارع وأوكار تعاطى المخدرات.. قدم أفلامًا لها قيمة سياسية وإنسانية راقية.. «الإرهابى».. و«مهمة فى تل أبيب» و«بخيت وعديلة» و«أرزاق يا دنيا».. إن بصمات «نادر جلال» الإبداعية لا تنسى.