الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
750 قاعدة أمريكية فى العالم وشباب أمريكا يتمرد على الخدمة العسكرية!

750 قاعدة أمريكية فى العالم وشباب أمريكا يتمرد على الخدمة العسكرية!

يا ترى.. كم جنديًا أمريكيًا فى منطقة الشرق الأوسط؟



السؤال منطقى للغاية، بعد أن بدأت حرب غزة تُغَفل العالم برغبته، وتتمدد إلى لبنان واليمن وسوريا والعراق، وقد تتسع أكثر، طالما أن الغرب السياسى فقد قيمه وأخلاقه وإنسانيته، واصطف إلى جانب جيش الإبادة الإسرائيلى وهو يرتكب أكبر جرائم ضد الإنسانية فى الخمسين سنة الأخيرة ضد الفلسطينيين، وما زال يصر على استكمالها فى رفح الفلسطينية على الحدود المصرية مباشرة.

وأيضًا لأن وزير الدفاع الأمريكى «لويد أوستن» قد هدد بـ«نشر مزيد من القوات الأمريكية فى المنطقة»، ردًا على تحذير أصدره وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان قبل أسابيع للحكومة الإسرائيلية بأن توقف غاراتها الجوية على غزة قائلًا: أى شيء ممكن أن يحدث فى أى لحظة، وسوف تخرج المنطقة عن السيطرة!

 

تحديدًا يوجد 30 ألف جندى فى قواعد عسكرية فى إسرائيل وقطر والسعودية والكويت والإمارات والعراق وسوريا والأردن،  وهم جزء من 173 ألف جندى يتمركزون فى 750 قاعدة عسكرية فى 80 دولة حول العالم، منهم 54 ألفا فى اليابان، و36 ألفًا فى ألمانيا، و25 ألفًا فى كوريا الجنوبية.

وبالطبع يزيد عدد القواعد الأمريكية عن عدد القواعد العسكرية الخارجية لكل الدول الكبرى غربية وشرقية مجتمعة بما فيها روسيا والصين، حسب إحصاءات منشورة فى يونيو 2023، وقد بدأ الأمريكان فى تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية مع جلوسهم على قمة النظام العالمى الجديد مع الاتحاد السوفيتى، وهذا يفسر أسباب وجود أعداد كبيرة منها فى اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية، 312 قاعدة.

عمومًا لكل قاعدة هدفها الخاص. عادة ما تكون من أجل هدف أمنى محدد أو ترتيب أوضاع إقليمية بشكل عام، أو دعم حلفاء إذا دخلوا فى حروب أو فرض طوق حول دول ترى الولايات الأمريكية خطورة فى تمددها خارج حدودها، أو حماية مصادر مواد خام مهمة، كما تلعب دورًا فى علاقات هذه الدول بأمريكا نفسها أو مع دول العالم الأخرى.

لكن أعجب وصف لهذه القواعد هو ما يأتى على ألسنة المسئولين فى الإدارة الأمريكية، خاصة الرئيس الأمريكى ووزير الدفاع ووزير الخارجية ومستشار الأمن القومى أيًا كان الحزب الذى تمثله الإدارة، وهو أن هذه القواعد هى لتعزيز الديمقراطية فى العالم، من فضلكم لا تعتبرونها نكتة أو سخافة سياسية، فالشيطان دومًا يلبس مسوح الرهبان!!

المدهش أن رغم هذا التوسع الهائل فى أعداد القوات العسكرية الأمريكية فى الخارج، يتمرد الشباب الأمريكى الذى يصفونه بجيل زد على الخدمة العسكرية، ونشرت مجلة نيوزويك تحقيقًا على موقعها الإلكترونى، عقب هجمات حماس الناجحة على إسرائيل فى 7 أكتوبر الماضى، عنوانه: الأمريكيون لا يريدون أن يقاتلوا من أجل بلادهم مجددًا.

قالت فيه: أظهر استطلاع للرأى أجرى مؤخرًا، أن غالبية الأمريكيين فى سن الخدمة العسكرية ليسوا على استعداد للالتحاق بالجيش، إذا دخلت الولايات المتحدة فى حرب كبرى، وتبدو الثقة العامة فى القوات المسلحة تتضاءل، ففى العام الماضى مثلاً فشلت القوات الجوية الأمريكية فى أن تصل إلى رقم عشرة آلاف مجند كانت تحتاج إليهم بالفعل، بل قل عدد المنضمين إلى البحرية بنحو 6000 شخص عن العدد المطلوب، باختصار انخفض عدد العاملين بالخدمة الفعلية فى كل أفرع الجيش الأمريكى بنسبة 39 % عما كان عليه فى عام 1987!

لم تقل المجلة أن التكنولوجيا الحديثة تلعب أدوار البشر فى مهام عسكرية كثيرة، يؤديها الذكاء الاصطناعى، لكن قطعًا نسبة الـ39 % رقم كبير جدًا، إذ تظل التحركات على «الأرض» وشغلها والسيطرة عليها مهامًا لا يستطيع الإنسان الآلى أن يؤديها أو تنجزها الطائرات دون طيار.

والعنصر الأهم أن الولايات المتحدة لم يحدث أن دخلت حربًا واستخدمت فيها كامل قوتها العسكرية، لا فى الحرب العالمية الثانية ولا بعدها، ولا تعلم بدقة متى تحتاج إلى ذلك، فى عالم مضطرب جدًا وأحواله متوترة للغاية، لاسيما هى رقم واحد فى صناعة الاضطرابات وتدبير الأزمات وإشعال الحرائق فى العالم، وتجر خلفها أوروبا الغربية خادمًا مطيعًا!

ولنأخذ اعتراف جاستين هندرسون خبير سابق فى البحرية الأمريكية عن دور بلاده فى حربى أوكرانيا وغزة، دليلًا على فهم الوظيفة التى كلفت بها أمريكا نفسها فى العالم، إذ قال لـ«نيوزويك»: نحن نمول حربين، لكننا فى الواقع لدينا قوات على الأرض، وطائرات دون طيار فوق غزة، لذلك نحن منخرطون فعلاً، ولسنا متأكدين مما يحدث فى تايوان، هذا وقت مضطرب للغاية بالنسبة لنا، لأننا لا نعرف ما الذى سيحدث! وبسبب عدم معرفتهم لما سوف يحدث، تنفق الولايات المتحدة القوة العسكرية الأكبر على كوكب الأرض ما يقرب من 40 % من كل الميزانيات العسكرية التى تنفقها دول العالم على جيوشها، تعادل مثلًا ثلاثة أضعاف ما تنفقه الصين رقم 2 فى الإنفاق العسكرى، وأكثر مما تنفقه الدول العشر التالية لها مجتمعة، وأمريكا نفسها هى وطن «أكبر مقاولى الدفاع» الدوليين، تحديدًا أربعة من الخمسة الأوائل فى العالم..إلخ. و«مقاول دفاع» مصطلح حديث يقصد به مؤسسة عسكرية محترفة تقدم خدماتها، من خبرات واسعة فى العمل بالجيوش والتسليح بكل أنواعه ودرجاته، لإحدى القطاعات العسكرية أو الاستخباراتية للدول والحكومات وأحيانًا للمؤسسات والمنظمات الخاصة.

ويقدر «هوب أوديل» فى تقرير كتبه على موقع «بلو ماربل»، فى 25 أكتوبر الماضى أن الولايات المتحدة أنفقت 877 مليار دولار فى عام 2022، وهو مبلغ أكبر مما صرفته الصين وروسيا والهند والسعودية وبريطانيا وفرنسا وكوريا الجنوبية واليابان وأوكرانيا مجتمعين!

بل إن أمريكا صرفت من فلوس دافعى الضرائب الفدرالية، من أكتوبر 2001 إلى سبتمبر 2020 ما يزيد على 6.4 تريليون دولار على الحرب فى أفغانستان والعراق وسوريا وباكستان!

ومؤكد أن جيل زد يعلم هذه الحقائق ويفزع منها ويكاد يجن من حجمها، خاصة وهو يتوجع من مشكلات كثيرة حوله مثل المشردين بلا مأوى فى شوارع المدن الكبرى وتحت الكبارى فى دولته التى يصنفها بأنها الأغنى فى العالم، وتقدر الإحصاءات عددهم بـ700 آلف مشرد حاليًا، وقد زادات أعدادهم فى عام 2023 بنسبة 12 %، فى الوقت الذى طالبت فيه الإدارة الأمريكية من الكونجرس اعتمادًا إضافيًا بعشرات المليارات من الدولارات، دعمًا للحرب فى أوكرانيا وغزة.

بالقطع لا يستطيع جيل زد استيعاب هذا التناقض، ويرى أن هذه المليارات يمكن أن تحل مشكلات المشردين من جذورها، وبعضهم من قدامى المحاربين!، وأيضًا يمكن أن توفر لها فرص أوسع فى حياة أفضل.

وفى استطلاع لمؤسسة جلوب فى سبتمبر 2023، أى قبل هجمات 7 أكتوبر على إسرائيل بشهر، أكد أن %25 من جيل زد ضعيف الثقة فى المؤسسة العسكرية.

وفى استطلاع آخر لمجلس شيكاغو للشئون العالمية، يؤمن %50 من هذا الجيل بأن الولايات المتحدة يجب أن تبتعد عن شئون العالم الخارجى، وأكبر من الثلث يرى وجوب تخفيض ميزانية الدفاع بها.

وفى استطلاع ثالث أجراه معهد الأبحاث «إيشلون انسايتس»، فى نهاية أكتوبر الماضى، على 1029 ناخبًا محتملًا، نفى 72 % منهم استعدادهم للتطوع فى الخدمة العسكرية إذا دخلت أمريكا مرحلة جديدة من صراع كبير فى العالم، والسبب أنهم لا يرون سببًا له أو خطرًا يهدد الولايات المتحدة تهديدًا حقيقيًا، فى الوقت الذى أكدوا استعدادهم للموت في سبيل بلادهم إذا تعرضت للغزو.

وقد حاول علماء الاجتماع وعلم النفس أن يفسروا هذه الظاهرة الجديدة، بعضهم قال إن جيل الإنترنت تعود على الإشباع الفورى، أى شيء يرغب فى الحصول عليه صار ممكنًا دون أن يتحرك من مكانه، وقد يحصل على شهادة جامعية وهو فى غرفة نومه، فكيف له بالتدريب البدنى الشاق فى الواقع كما يشاهده فى مقاطع الفيديو.

وبعضهم حَمَّل الإعلام وأفلام هوليوود مسئولية عزوف الشباب، فهما يقدمان صورًا غير جذابة للجنود فى حياة محفوفة بالمخاطر، تنتهى باضطرابات جسدية وعقلية عند قدامى المحاربين، ينتج عنها 24 حالة انتحار يوميًا!

ويبدو أن الإدارة الأمريكية لا يعنيها جيل زد ولا هذه الأرقام والإحصاءات، وتفضل أن تمضى فى إشغال العالم بحرب فى اليمن والعراق وسوريا وإيران، ولا توقف الحرب الإجرامية فى غزة.