الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. نون النسوة فى خطر

ع المصطبة.. نون النسوة فى خطر

بدعة جديدة دخلت المجتمع المصرى من دون استئذان قد يجدها البعضُ أمرًا تافهًا إلا أنها تعكس مدى قوة عاصفة الردة غير الحضارية التى تضربنا من كل اتجاه، البدعة تمثلت فى حرص البعض على محو اسم العروس من كارت الدعوة لحفلات الزفاف والاكتفاء بكتابة الحرف الأول من اسم العروس بـأن يكون مثلًا «M» أو «م» متبوعًا بلقب كريمة فلان الفلانى.



ما يثير التساؤلات أن الآنسة «إم» أو «م» أو أيًا كان اسمها، كانت منذ فترة وجيزة طالبة فى الجامعة أو المدرسة ينادونها باسمها جهارًا نهارًا دون خجل من اسمها أو شعور بأن هذا الأمر معيب.

الأكثر إثارة فى الأمر أن هذا الاسم الذى يخجل منه ذوو العروس كان مدعاة للفخر عند ولادتها، وربما استغرقوا أيامًا من أجل اختيار الاسم الأجمل لها، ثم تبعوه بألقاب تدليل لها حبًا فيها وزهوًا بهذا الاسم، فما الذى جعلهم يتحولون 180 درجة ويصبح التصريح باسم ابنتهم مصدر خجل؟

ولعل أخطر ما فى الأمر أن مثل هذا التصرف سواء بقصد أو بغير قصد فيه حط من شأن العروس لا لشىء سوى أنها أنثى، وهو تصرف يترك فى وجدانها أنها فى درجة أدنى من الذكر.

الخطورة أيضًا فى أن هذه الأفعال تنافى الواقع، فالمرأة ليست فقط نصف المجتمع؛ بل هى أكثر من ذلك بكثير، فهى الأم والزوجة والأخت والابنة، وهى المصنع الحقيقى للرجال، فعندما نرى طفلًا صغيرًا مهذبًا ونظيفًا نشيد بالأم التى أحسنت العناية بتربية ابنها، وعندما نجد طالبة أو طالبًا مهندمًا ومؤدبًا ومتفوقًا فى دراسته نشيد بالأم أيضًا، فالأم هى مَن تصنع رجال ونساء المجتمع، فهل يجوز أن نجعلها تبدأ حياتها الزوجية وهى تشعر بأن هناك مَن «يستعار» من اسمها؟ 

وهل بناتنا أفضل من أمهات وزوجات وبنات الأنبياء أو أفضل من بقية النساء اللاتى خلدهن التاريخ لأدوارهن البطولية وذُكرت أسماؤهن فى الكتب السماوية قاطبة، أمْ نحن نزايد على النصوص الدينية ذاتها؟!

ما يحدث الآن سيجعلنا عمّا قريب نرى لافتة طبيبة أو محامية باسم عيادة الدكتور أو مكتب المحامية «إم» أو «إن» أو ما شئت من الحروف المجهلة.

قد يقول قائل، هل هذه هى القضية التى تشغلنا الآن؟

ربما يجدها البعضُ أمرًا تافهًا فى وسط مشكلاتنا الحياتية الحالية؛ لكنها فى واقع الأمر عرَض لمرض خطير، مرض اسمه الجهل الغاشم الذى يدفعنا دفعًا نحو هوة التخلف حالكة الظلام، وهو جهل يحمل فى طياته روح البداوة التى تتنافى مع روح التحضر التى كانت على مدار قرون طويلة روحًا مصرية جعلتنا أول من أشعل مشعل الحضارة بينما كان العالم المتحضر اليوم يتخبط فى غياهب الجهل.

ما تعكسه مثل هذه التصرفات ليس ردة للخلف، فإذا عدنا للخلف إلى الماضى القريب فى الستينيات أو حتى الثلاثينيات لوجدنا أن نظرتنا للمرأة كانت أرقى وأكثر تحضرًا، فكانوا لا يخجلون من ذكر اسم العروس مسبوقًا بعبارات الفخر والاعتزاز مثل «ربة الصون والعفاف، أو سليلة المَجد الآنسة فلانة الفلانية»، أمّا إذا عدنا إلى العصور بالغة القدم لوجدنا المرأة فى أبهَى صورها بجوار زوجها على جدران المعابد وفى مختلف الأعمال الفنية التى صورتها فى وضع يليق بكونها ليس نصف المجتمع بل وأكثر.

ما تعكسه مثل هذه التصرفات لا يمثل ردة للخلف ولا قفزة للأمام؛ بل «انحراف» عن خط التقدم والتحضر نحو صحراء وبادية جرداء تجرد المجتمع من أبسط أسُس التحضر.