الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الساخـرون  الكبــــار

الساخـرون الكبــــار

كان فكرى أباظة، بالإضافة إلى كتاباته فى الشأن السياسى، ساخرًا أريبًا.. بالغ الطرافة.. استهل كتابه «الضاحك الباكى» بإهداء قال فيه: «كنت سأهديه لها.. ولكن أين هى؟!.. لقد تجسدت فى خيالى ملاكًا جميلًا.. ثم تبخرت.. فلن أهديه لأحد».. أما «أحمد رجب» فقد أهدى كتابه «نهارك سعيد» إلى «السيدة التى تقرؤنى.. ولا تقرأ لى.. زوجتى».. وهو يؤكد فى كتابه أن الخلاف التاريخى بين المرأة والرجل يتخذ شكل الحرب العنصرية، حيث يرى الرجل أنه من الجنس الآرى أو «السوبر مان» فهو الأقوى والأعظم والأفضل والأنبل والأكثر ذكاء.. بينما ترى المرأة أنه من الجنس البربرى المتوحش المولع بالغدر.. وفى أحيان أخرى يتخذ الأمر شكل الاشتباك الحربى الذى تذاع بعده البلاغات العدائية الكاذبة، فتسمع رجلًا يقول بكل ثقة «إننى أتسامح معها لأن التسامح فضيلة الأقوياء».. وتدرك على الفور أن البلاغ الكاذب لأن الرجل يقول هذه الكلمات وهو نزيل عنبر الكسور إثر نقله من البيت.



والحقيقة أن السخرية هى حزب الأغلبية المقهورة التى تسعى إلى التعبير عن واقعها المعاش بالنكتة اللاذعة التى تمثل تعويضًا عن مشاكلها الاجتماعية، ومع ذلك يبقى الأدب الساخر شحيحًا والأدباء الساخرون قلة.. رغم أن الأدب العربى كان زاخرًا بالكثير من الظرفاء من الأدباء والشعراء، منهم الشاعر الكبير «حافظ إبراهيم» و«حفنى ناصف» و«عبدالعزيز البشرى» و«عبدالحميد الديب» بالإضافة إلى «النديم» و«بيرم التونسى» و«فكرى أباظة» و«أحمد رجب» و«محمود السعدنى» و«سناء البيسى».

لم تعجب «حافظ» مرة قصيدة لـ«شوقى» فقال فيها مستخدمًا التورية: «يقولون إن الشوق نار ولوعة/ فما بال «شوقى» أصبح اليوم باردًا؟!».. فرد عليه «شوقى» على الفور: «أودعت إنسانًا وكلبًا أمانة/ فضيعها الإنسان.. والكلب حافظ».

ومع ذلك، فقد ظلا صديقين حميمين.. وتقدم «حافظ» وفود الشعراء التى جاءت من كل البلاد لمبايعة «شوقى» بأمارة الشعر.

وكان «حافظ» و«خليل مطران» يباهى كل منهما صاحبه بأنه أجمل منه مع قلة حظهما من الجمال والوسامة.. وقد اختلفا فى ذلك يومًا فاتفقا على أن يوقع كل منهما على عريضة من أحد أعيان القاهرة «عبدالحميد البنان» تشهد بأنه أجمل من صاحبه.. لكن الرجل رفض أن يوقع على الشهادة لـ«مطران» فما زال يلح عليه حتى أقر بما يريد وكتب له فى النهاية «المقر بما فيه رغم أنفه».. وفى هذا إشارة إلى أنف «مطران» الشوهاء.

وقد قصد «حافظ» مرة قصر عابدين لمقابلة الخديو عباس.. الذى دعاه للبقاء للغداء.. واستقبل حافظ الدعوة بالابتهاج.. لكنه فوجئ بطعام عادى وشحيح لا يتناسب مطلقًا مع عظمة وفخامة السلطان.. وبعد الغداء عاد إلى الخديو لاستكمال الحديث حسب طلبه منه.. فسأله الخديو: «لعلك انبسطت يا حافظ» فقال حافظ على الفور: «الحقيقة يا أفندينا كأننى كنت أتغدى فى بيتنا».

وذات يوم كان حافظ يجلس إلى جانبه الشاعر الصعلوك «إمام العبد» الأسود اللون.. وأخرج قلمه يكتب به فسقطت نقطة حبر أسود على الورق.. فبادره «حافظ» مرددًا «الحق يا إمام.. جفف عرقك».