الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أطروفات الحكمة

أطروفات الحكمة

جذبتنى أطروفة ساخرة تحمل معنى ودلالة مهمة عرضتها المخرجة «إيناس المصرى» على صفحتها على «الفيس بوك».. تقول الأطروفة أن حمارًا أعلن لحيوانات الغابة فى حضور النمر مشيرًا إلى بعض الأعشاب مؤكدًا أن لونها أزرق.. لكن النمر بادر بدهشة واستنكار مرددًا فى حسم أن لون الأعشاب أخضر.. فاحتدم الجدل بينهما.. وأصر كل واحد منها على اللون الذى اختاره.. فاقترح أحد الحيوانات المتحلقين بالاحتكام إلى ملك الغابة الأسد المهيب.. فذهب إليه الجميع فى عرينه.. وبدأ الحمار فى الصياح منفعلًا: «يا سمو الملك أليس العشب أزرق؟!.. أجاب الأسد فى تؤدة وهدوء وحنكة: إذا كنت تعتقد أن لونه أزرق.. فهو أزرق ما دمت تتصور ذلك.. اندفع الحمار صائحًا مهللًا وهو يتراقص: يحيا العدل.. هذا النمر لا يفقه شيئًا.. ويصر على إزعاجى بترديده للخرافات.. وينبغى عليك أيها الملك العظيم أن تعاقبه على ذلك عقابًا مغلظًا.. يستجيب الأسد لطلب الحمار ويقرر معاقبة النمر بثلاثة أيام من الصمت.. لا يتحدث فيها إلى أفراد القبيلة.. يرقص الحمار فرحًا بهذا الحكم ويهتف فى مواجهة الحيوانات: «العشب أزرق كما قلت لكم.. بينما ينفرد النمر بالأسد ويسأله فى دهشة بالغة وحنق لماذا عاقبتنى وأنت تعلم علم اليقين أن العشب أخضر؟ يجيبه الأسد أن العقاب لا علاقة له بلون العشب.. ولكن لأنه ليس لمخلوق ذكى مثلك أن يضيع وقته الثمين فى الجدل مع الحمار.. ومن الحكمة أنه إذا علا صوت الجهل أن ينسحب صوت العقل والمنطق.



تذكرت بمناسبة تلك الأطروفة الحكيمة.. سواء كانت من بنات أفكار المخرجة أو مستوحاة من تراث – أن هناك حكيمًا يدعى «إيسوب» عاش فى القرن السادس قبل الميلاد تضاربت الأقوال حوله.. فمن الباحثين من ينكر وجوده أصلًا ويعتقد أن اليونانيين القدماء كانوا مولعين بنسبة الأعمال إلى مؤلف ما.. فإن لم يجدوه اخترعوا له مؤلفًا.. ومنهم من يرى أنه شخصية شبه أسطورية.. وأنه المؤلف لمئات من الحكايات الخرافية التى نسبت إليه.. وتحمل مغزى أخلاقيًا أو حكمة تلخص معنى فلسفيًا.. وقد غلبت على الحكايات المنسوبة إلى «إيسوب» أنها تأتى على لسان حيوانات الغابة.. «منها حكاية ترجمها د. إمام عبدالفتاح» فى كتابه عنه.

الحكاية أن ثعلبة سخرت ذات يوم من لبؤة لأنها لا تنجب أبدًا سوى شبل واحد فى كل مرة.. فأجابتها اللبؤة: واحد فقط.. نعم لكنه أسد..

والمغزى الأخلاقى لتلك الحكاية أن القيمة الحقيقية تكمن فى نوعه لا عدده.. أى أن المهم هو الكيف لا الكم.

وأنا أهدى هذه الحكاية لمحدودى الموهبة من مؤلفى وكتاب السيناريو للأفلام والمسلسلات التليفزيونية الذين يمطروننا بوابل من أعمالهم الغزيرة السطحية.