الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. كتالوج الشعب المصرى

ع المصطبة.. كتالوج الشعب المصرى

من الذى قال إن «الشعب المصرى مالوش كتالوج»، بالعكس أرى من خلال مواقف الشعب المصرى خلال التاريخ قديمًا وحديثًا، أن له «كتالوج» واضحًا وبسيطًا ومحددًا به ثوابت ثلاثة لم يتخل عنها طيلة تاريخه.



الثابت الأول يتمثل فى ارتباطه الوثيق بالأرض وهو ما نسميه الانتماء، ومن خلال تجربتى فى الغربة لسنوات كان الأمر الملحوظ من معظم أشقائنا العرب أننا غيورون أشد الغيرة على وطننا بشكل قد يرونه مبالغًا فيه، بينما هو سلوك تلقائى من أى مصرى باستثناء أعضاء الجماعة الإرهابية التى لا تؤمن أصلًا بالأوطان فلا يقبل مصرى أن يتحدث أحد عن مصر بسوء.

الثابت الثانى، التكاتف والتلاحم عند الأزمات، وما أكثر الأمثلة التى رأيناها والتى ضربها الشعب المصرى فى أصعب الظروف، فى حين أن بعض الشعوب تعانى التفكك والتشرذم عندما تجابه أزمة أو حربًا، فنجدها تشهد حالة من انفراط العقد وارتفاع معدلات الجريمة.

أما الثابت الثالث، فيتمثل فى الوعى، وقد تختلف درجات الوعى من المواطن البسيط الذى لم ينل حظه من التعليم إلى المواطن المثقف الحاصل على أعلى الدرجات العلمية، لكن يظل هناك حد أدنى من الوعى، يمثل موروثًا حضاريًا ورثناه منذ آلاف السنين وأصبح لصيقًا بالجينات الوراثية المصرية.

إذن ما هى المشكلة؟

المشكلة تكمن فى افتقادنا للثقة بالنفس ولبعض السلوكيات الحضارية، فبالنسبة للثقة بالنفس، فإن الأمر الواضح أن شرائح كبيرة من المجتمع تعشق جلد الذات ولا تثق فى قدراتنا كأمة لديها مقومات تستحق أن تتبوأ درجات أعلى.

أما السلوكيات الحضارية، فهى تماثل ما تعانى منه بعض الدول، فهناك دول لديها تقدم علمى وصناعات ضخمة وعقول نابغة كما هو الحال فى الهند، إلا أنها لا تزال تصنف ضمن دول العالم الثالث، لا لشىء سوى أنها تفتقد لمثل هذه السلوكيات المتعلقة بالنظافة العامة واحترام إشارات المرور وإدراك قيمة الوقت.

 وفى مصر فإن ما يفصلنا عن النهوض بأنفسنا، عدم تشبعنا بهذه السلوكيات، فلا نحترم مثلًا إشارة المرور ما لم تكن مثبت بها كاميرات تخالف من يكسرها، نحن أيضًا نهتم بنظافة منازلنا من الداخل ولا نجد غضاضة فى إلقاء المخلفات فى الطريق، أو لا نهتم بالمظهر الحضارى الخارجى للبنايات التى نسكن فيها.

حتى نظرتنا للتعليم لا تزال قاصرة على كونه مجرد شهادة بغض النظر عن التحصيل المعرفى والثقافى الذى تدفع الدولة من أجله مليارات الجنيهات، والحصيلة تخريج أنصاف المتعلمين، بل لا نجد غضاضة فى تبرير الغش فى الامتحانات تحت دعاوى كثيرة واهية.

فإذا كان هذا الشعب العظيم وهو بالفعل عظيم تجده صلبًا قويًا فى المواقف الصعبة، إلا أن تخليه عن تلك السلوكيات الحضارية يفقده الكثير من مقومات النجاح والتقدم.

والحل من وجهة نظرى المتواضعة يبدأ بالتعليم، كيف نعد معلمًا حقيقيًا يدرك أن عمله رسالة قبل أن تكون وظيفة لكسب العيش، وكيف ندرك أن تعلم اللغات سواء العربية أو الأجنبية، جدير بالاهتمام الفعلى بهذه اللغات ليس من أجل الحصول على أعلى الدرجات بقدر كونها بوابة رحبة للنهل من معارف وثقافات شتى.

نحن بحاجة إلى إعادة ترتيب أنفسنا وتغيير نظرتنا للمعرفة كوسيلة للتقدم، وفوق كل ذلك الابتعاد عن فنون «الفهلوة» فى أمورنا الحياتية، والالتزام الجاد بقيم السلوكيات الحضارية، وهى بالمناسبة منقوشة على جدران المعابد الفرعونية ومكتوبة فى برديات الأجداد، فأحد أسرار عظمة الحضارة الفرعونية، ان أجدادنا كانوا يولون المعرفة والحكمة أولوية قصوى، ويشددون على السلوكيات الحضارية الرفيعة، فكانوا يعتقدون مثلًا أنهم سيحاسبون بعد الموت عن هذه السلوكيات فتسألهم الآلهة «هل لوثت مياه النيل»، أى أنهم كانوا يعتقدون أن تلويث الشخص لمياه النيل كسلوك غير حضارى كفيل بجعله ضمن المعذبين فى الآخرة.