الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أمريكا هى المعضلة وليست إسرائيل!

أمريكا هى المعضلة وليست إسرائيل!

قطعًا مصر ليست فى حاجة إلى الدفاع عن نفسها ومواقفها، عربيا وفلسطينيا، فتاريخ مصر مع أمتها معروف ومسجل فى العصرين الوسيط والحديث، لكن البعض، تحت ضغط جرائم إسرائيل الوحشية ضد الفلسطينيين، تدفعه مشاعره إلى اللوم والعتاب، وأحيانا إلى الهجوم الأعمى، ويتساءل: لماذا لا تلغى مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل؟، لماذا لا تقطع علاقاتها بها؟، لماذا لا تحرك مصر شاحنات المساعدات الإنسانية إلى غزة دون تنسيق مع إسرائيل؟، وكيف تفرض إسرائيل على مصر ما يمر من معبر رفح وما لا يمر والمعبر لا يخصها وهو بين مصر وغزة العربيتين؟، ألا يعد ذلك حصارا على غزة منذ 17 عاما؟، وقد يتمادى البعض ويشتط إلى حد اتهام مصر بأنها السبب فى خلو غزة من أسلحة الدفاع الجوى التى كان يمكن أن تحمى أهلها من غارات العدو؟، بل أن مصر هى التى لم تسمح بتسليح أهل غزة..إلخ. 



 

هذه كلمات عاطفية انفعالية بتأثير دماء الأطفال المسالة، والأجساد الممزقة والنساء اللائى يلدن فى العراء والمستشفيات المهدمة والمدينة الذى دمرت 80 % من مبانيها، والجوع والعطش والمصابين بعشرات الآلاف الذين يودع أعدادا كبيرة منهم الحياة دون جرعة دواء، ومليون ونصف مليون فلسطينى نزحوا إلى الشوارع فى جنوب غزة.

نفهم نحن المصريين كل هذه الأوجاع ونتألم معهم، بل فقدنا طعم الحياة من جراء ما يحدث لهم، لكن عالم السياسة بلا قلب وبلا ضمير وبلا أخلاق خاصة إذا كانت تحكمه إمبراطورية الشر الجديدة فى العالم، نعم المعضلة ليست إسرائيل على الإطلاق، ولم تكن أبدا، المعضلة هى الولايات المتحدة الأمريكية، التى أرسلت خمسين قطعة بحرية إلى شرق المتوسط، منها حاملتا طائرات، وبالقطع هذه الألة العسكرية العظمى التى تمتع بقوة نيران قنبلة ذرية ليست من أجل تصفية حماس أو الدخول فى حرب مع حماس، لكن هى بمثابة تهديد مباشر إلى دول منطقة الشرق الأوسط، قبل أن تفكر أى دولة فى أن تكون طرفا مباشرا فى الحرب.

وليس الولايات المتحدة فحسب، إذ تمشى فى ذيلها وتحت أبطها بريطانيا الأسد القديم الأليف بعد أن فقد أنيابه الإمبراطورية، إلى جانب الديك الفرنسى الذى ينفش ريشه على الدول الإفريقية ويمص دمها النقى حتى الآن، ويتمرد على سطوة أمريكا بألعاب نارية، من باب تسلية الجمهور !

أى أن إسرائيل مجرد رأس حربة، لكن الحربة فى يد قوة عظمى، وهذا قدر الفلسطينيين وقدر العرب أجمعين أيضا.. على الجانب الآخر روسيا والصين، روسيا تستنزفها الولايات المتحدة والغرب فى حرب طويلة مع أوكرانيا بعد أن فككت الاتحاد السوفيتى فى سباق تسيلح وهيمنة لم يتحملها الاقتصاد الروسى، والصين لا تريد أن تكون طرفا بأى شكل فى نزاعات دولية خارج حدودها، ومشغولة ولها كل الحق فى محاربة فقر نشب أظافره فى شعبها زمنا طويلا، وتمكنت لأول مرة من إيقافه وإجباره على التراجع بعد مئات السنين، ولن تنحرف يمينا أوشمالا عن مشروعها إلا ضد تهديد مباشر لها فى بحر الصين أو فى تايوان، وهى تصطف خلف روسيا كجزء من دفاعها عن مشروعها، فلو انهزمت روسيا، فالدور القادم سيكون على الصين، وهى تدرك ذلك جيدا!

هذه هى البيئة العالمية التى تدور فيها الحرب الإسرائيلية الإجرامية على غزة والضفة الغربية..

أما البيئة العربية الإقليمية فهى تبدو فى البراوز عالما واحدا، لكنها فى الواقع بيئة منقسمة غير متصالحة مع نفسها، إلى حد التصارع الخفى، إخوة يتصارعون على المكانة والدور، وتمده الولايات المتحدة بملوثات دائمة، حتى لا تنجح أى محاولات فى تنظيفه، والمدهش أن العرب جميعا ربما باستثناءات نادرة يصفون الولايات المتحدة التى أعطت ضوءا أخضر لإسرائيل أن ترتكب ما تشاء من جرائم ضد الإنسانية فى غزة بأنها «الصديق الاستراتيجي»، وفعلا الولايات المتحدة لها الثقل الأول فى أى قرار عربى جماعى منذ منتصف الخمسينيات، أى لها مقعد حق النقض فى جامعة الدول العربية، فأموال العرب الخاصة والعامة فى بنوك الغرب ومؤسساته وشركاته العابرة للقارات، وكذلك خصوصياتهم التى تشبه أوراق ضغط مؤلمة عليهم، ولهذا لم تخرج القمة العربية الإسلامية الطارئة بأى قرار عملى يغضب أمريكا، ويؤثر على مسار حرب غزة وتداعياتها الإنسانية، واكتفت بالدعم المعنوي!

فى هذه الظروف العالمية والإقليمية غير المواتية تبذل مصر أقصى طاقاتها، للحد من خسائر الفلسطينيين وأوجاعهم فى حدود قدراتها، ويد واحدة لا تصفق فى مواجهة «مجموعة السبع» الكبرى، بل إن 120 دولة صوتت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرار وقف إطلاق النار، لم تقدر أن تحوله إلى قرار نافذ، فكان هو والعدم سواء فى اللحظة المباشرة.

وشيء طبيعى جدا أن تحترم مصر اتفاقية السلام، وهى اتفاقية موقعة بضمان «الولايات المتحدة»، وليس الأمم المتحدة، وبالمناسبة الولايات المتحدة هى التى خططت لحرب يونيو 1967 للتخلص من جمال عبدالناصر الذى كان بمثابة حجر ثقيل فى زور الإمبراطورية الجديدة فى العالم، بمساندة كل حركات التحرر فى وطنه العربى وفى العالم، كما أن علاقاته القوية بالاتحاد السوفيتى القوة العظمى الأخرى لم تمنع عنه الهزيمة، بل إن الاتحاد السوفيتى بشكل ما، لعب دورا فيها حين أقنعه بعدم بدء الحرب حتى لا تتخذها إسرائيل حجة أمام العالم، وكان السوفييت يعلمون بأن إسرائيل أعدت نفسها للحرب فعلا وستبدأها، والحكاية أن عبدالناصر لم يقبل أن تتحول مصر إلى دولة شيوعية كما تصوروا، فكانت هزيمته مطلوبة، إذ تجعله أكثر احتياجا إليهم باعتبارهم طوق النجاة الوحيد من الغرق التام، فيقبل بما كان يرفضه، ويأخذون دورا أكبر مما كان يتمتعون به.

وحاربت مصر فى 1973 بأسلحة رأى كل الخبراء العسكريين فى العالم استحالة نجاحها فى عبور القناة وتحطيم خط بارليف والتقدم شرقا داخل سيناء، إذ كانت أسلحة متخلفة عما كانت تحارب بها إسرائيل، لكن العقل المصرى وإرادة المصريين صنعتا المعجزة، والمعجزة حالة مؤقتة فى الحروب لا استدامة لها، فالحرب تعنى استهلاك أسلحة وذخائر وبشر، والبشر موجودون والحمد لله، لكن كيف تستعوض مصر ما استهلكته من طائرات ودبابات ومركبات ومدافع وصواريخ دفاع جوى. إلخ، بعد أن ساءت العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتى، حدث فعلا بعض التعويض لكن من الجزائر وليبيا، مع وجود قوات من العراق شاركت فى حماية الجبهة الداخلية.. ودمتم!

على الجانب الآخر فتحت الولايات المتحدة ترسانتها العسكرية تغرف منها إسرائيل ما تحتاجه، فتدفق عليها طوفان من المعدات والذخائر، كان بعضها حديثا لم يدخل الخدمة فى الجيش الأمريكى بعد.

كان السلام وقتها حلا فرضه الواقع، لا الأوهام، أملته أوضاع البيئة العالمية والإقليمية التى تعمل لمصلحة إسرائيل، وكان طبيعيا أن يرغب الشعب المصرى إلا قليلا فى السلام، فالمصريون خاضوا ست حروب صعبة فى 25 سنة فقط، 1948، 1956، 1967، حرب الاستنزاف 1968- 1970، 1973، نهيك عن حرب اليمن من 1964 إلى 1967 دفاعا عن حق أهل اليمن فى حياة مختلفة عن حياة العصور الوسطى التى خنقهم فيها حكم الإمام، لا أظن أن شعبا يمكن أن يتحمل كل هذه الحروب فى تلك المدة القصيرة، ثلاثة منها لم تكن تخصه مباشرة، بل كانت دفاعا عن أمته.

ونظمت معاهدة السلام «علاقات الحدود» مع إسرائيل ومنها حدود غزة الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلى، ومنها ممر فيلادلفيا الفاصل بين الجانبين، الذى وقع له اتفاق خاص بين مصر وإسرائيل، وحين انسحبت إسرائيل من قطاع غزة سنة 2005 وأعادته إلى السلطة الفلسطينية، صارت العلاقة مباشرة بين مصر والسلطة، لكن منظمة حماس انقلبت على السلطة سنة 2007 وتحكمت هى فى القطاع، وكانت تربطها علاقات بمنظمات دينية مسلحة فى سيناء وصلت إلى 15 منظمة، أعلنت الجهاد على الدولة المصرية.

وحفرت حماس مئات الأنفاق تحت الأرض تربطها بسيناء والجماعات المسلحة، كانت تستغل هذه الجماعات هروبا وعودة حسب الحملات الأمنية المصرية عليهم، وفى عام 2008 اقتحمت جماهير من غزة الحدود المصرية تحت حماية حماس، ثم لعبت حماس دورا مؤثرا فى زعزعة الأمن فى سيناء، منها قتل جنود مصريين والسيطرة على العريش لمدة 12 يوما، والمشاركة فى هدم السجون المصرية فى أحداث 25 يناير، فكيف تثق الدولة المصرية فى حماس التى تحكم غزة وتفتح معبرها سداحا مداحا؟

قدر الفلسطينيين أن تكون أمريكا عدوهم، وهى قوة عظمى، فى بيئة إقليمية وعالمية عاجزة، لكن الرأى العام العالمى قد يغير هذه المعالات برمتها!