الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
لأننى أحبك

لأننى أحبك

انتهيت من تلك الرواية فى 36 ساعة أو أقل.. رواية مترجمة للكاتب الفرنسى (غيوم ميسو) البالغ من العمر 49 عامًا، وتتصدر رواياته أكثر الكتب مبيعًا.. جذبتنى الرواية لأنها أولًا تقدم الحب فى زمن فَقَدَ معنى الحب.. وثانيًا والأهم لأنها تقدم الحب بمفهوم غير دارج أبدًا، ألا وهو مفهوم الصفح، والفصح أو العبور..



تحكى الرواية ثلاث قصص لمآسى بشرية تتعرض لها شخصيات الرواية.. مآسى الفقد، والموت، والفقر، والظلم، والقتل الخطأ.. وتنتج تلك المآسى مشاعر الخوف، والغربة، والحزن، والندم، والألم النفسي، والرغبة الشديدة فى الانتقام.. ويذهب الكاتب بالقراء فى رحلة نفسية عميقة مليئة بالتفاصيل وشيقة للغاية لأنها تفحص الوجدان الإنسانى والمشاعر الطبيعية التى لا يعبر أحد الحياة دون أن يختبرها مرة ومرات.

ولكن براعة الكاتب ليست فى تصوير المآسى فحسب، ولا فى تجسيد المشاعر بدقة فقط، بل فى حل معضلة المعضلات ألا وهى الصفح عن الذات وعن الآخر.. وعبور المآسى الشخصية للبدء مرة أخرى، ولمعاودة حب الحياة، ومن ثَمَ للولادة الجديدة.. وأين هو هذا العلاج؟ إنه الحب.

يأتى الحب فى الرواية على عدة مستويات تمثل العلاقات الإنسانية الحقيقية.. صداقة بين طفلين تجمعهما الظروف السيئة والفقر الشديد وقسوة الزمان والمكان والمجتمع.. ويجمعهما أيضًا الأمل والطموح والحب المتبادل الذى يجعلهما يتقاسمان كل شيء.. الطعام الشحيح والكتب المهترئة والأفكار الإيجابية.. فينهلان من العلم ويستطيعان التغلب على ظروفهما.. ويعبر كل منهما مأساة يساعده الآخر على اجتيازها بمنح صاحبه معان نبيلة للحب: الاهتمام الشديد، والوقت الكثير، والفهم لوجدان الآخر، ومشاركته مشاعره.. يبقيان كل فى حياة صاحبه للأبد.

علاقة أخرى عنوانها الحب المنقذ هى الزوج والزوجة اللذين يفقدان طفلتهما الوحيدة وينتج عن ذلك إصابة الأب بحالة من الاكتئاب والهيام على وجهه فى الشوارع أملًا فى أن يجد ابنته.. وتظل الزوجة تحمل له الحب ذاته الذى بدأت به حياتهما.. هو نفسه يظل على حبه لها رغم مأساته والكارثة التى لم يستطع أن يتحملها.. وتتطور أحداث الرواية ليعبرا مأساتهما ويعودان لحياة جديدة بالحب القديم.. ويكللهما ميلاد جديد بل ميلادان لطفلين آخرين.

حب آخر عجيب بين هذا الطبيب النفسى الناجح الأربعينى وتلك الفتاة التى أنقذها من الفقر ومن رغبة الانتقام التى تملكتها لتصير طبيبة ناجحة.. وفى منتصف العشرينيات من عمرها تتأكد تمامًا من أن شافيها الذى يكبرها بحوالى عشرين عامًا هو حبها الوحيد والحقيقى والذى لا يمكن أن تتنازل عنه.. الطبيب النفسى كان له ماض صعب.. شعور الذنب الذى لازمه طوال أربعين سنة لم يشفه منه غير تلك الفتاة الفقيرة التى قرأته منذ الوهلة الأولى كما قرأها هو.. وبعد سنوات من رعايتها عن بُعد، يكتشف هو أيضًا أنها ضالته المنشودة، وأنهما قد جمعهما تاريخ مشترك من الفقر والظلم والألم ثم النجاح والتميز.

«وبوصفه طبيبًا نفسانيًا، كان يعرف أن العملية العشقية لا تعدو كونها شأنًا يتعلق بالبيولوجيا، وبالهرمونات، وبالنواقل العصبية»، ولكنه لم ينجح فى إقناع ذاته بالبُعد عنها.. لماذا؟ لأن الرواية ترقى بالحب فوق تلك المحاولات العلمية الفاشلة لتفسيره.. وتسمو بمشاعر الحب الصافى بين البشر كاحتياج حقيقى للحياة وكشفاء من جروح الماضى.. فيقول الكاتب على لسان أحد أبطال الرواية: «لأن الحب هو الشيء الوحيد المهم فى الحياة».. وينهى روايته بعبارة سوف لن يفهمها خطأ مَن قرأ الرواية جيدًا.. سوف لن يفهمها القارئ على أنها تعبير عن حب بين رجل وامرأة فقط.. تنتهى الرواية بعبارة: «لأنه حيث نتحاب لا يخيم الليل أبدًا».. حيث توجد محبة حقيقية، تنقشع أى ظلمة.. وقد تم شفاء كل الأبطال لأنهم وجدوا مَن يحبهم، وأعطوا هم أيضًا حبًا.. كل منهم يستطيع أن يقول للآخر: لقد تم شفاؤك وشفائى وولدنا من جديد (لأننى أحبك).