الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
من الذى حرَّض على قتل وديع الفيومى؟ عندما يندد القتلة بالكراهية والتعصب والعنصرية

من الذى حرَّض على قتل وديع الفيومى؟ عندما يندد القتلة بالكراهية والتعصب والعنصرية

 يبدو أن الرئيس الأمريكى جو بايدن يعانى خللا ما فى «معانى الكلمات» ومدلولاتها، فهو شعر بالصدمة والغثيان عندما علم هو والسيدة الأولى فى البيت الأبيض بالقتل الوحشى لطفل فلسطينى يبلغ من العمر ست سنوات فى شيكاغو بولاية ألينوى، ووصف القتل بأنه جريمة كراهية، ولا يشعر بأى صدمة وغثيان وهو يتابع ويشجع ويعمل على قتل مدنيين فلسطينيين وصل عددهم إلى ما يقرب من 2900 شهيد، حتى كتابة هذا المقال، منهم 1800 طفل وامرأة، لأنها فى عرفه «جرائم دفاع عن إسرائيل»!



وحتى لا نتهم بتأييد قتل المدنيين الإسرائيليين، نحن ضد قتل أى مدنى أيًا كانت جنسيته أو ديانته أو لون بشرته.

لكن من حقنا أن نسأل الرئيس الأمريكى وزعماء الغرب «الإنسانيين» جدًا وشبكات الفضائيات العالمية «المحايدة» جدًا: كم فلسطينيًا قتلتهم إسرائيل فى الضفة الغربية المسالمة فى عام 2022 فقط، وليس فى غزة التى تحكمها حماس؟ 154 إنسانًا، 146 قتلتهم القوات الإسرائيلية: خمس نساء، و43 قاصرًا، أصغرهم عمره 12 سنة، وسبعة فوق الخمسين سنة، أكبرهم عمره 78 عامًا، وخمسة قتلهم مدنيون إسرائيليون «بينهم قاصر»، وثلاثة قُتلوا بالمشاركة بين القوات الإسرائيلية والمدنيين!

جرت هذه الجرائم التى يصنفها القانون الدولى «ضد الإنسانية» دون أن يصدر البيت الأبيض زفرة احتجاج مكتومة دفاعًا عن القيم التى يتحدث عنها الأمريكان ولا يعملون بها، أو يبعث برسالة غضب مكتوبة بحبر سرى إلى الحكومة الإسرائيلية.

نأتى إلى توصيف الرئيس الأمريكى لمقتل الطفل الطفل الفلسطينى بأنها جريمة كراهية سببها الحرب بين إسرائيل وغزة.

والسؤال الساذج: من الذى صنع هذه الكراهية ضد عائلة أمريكية مسلمة من أصل فلسطيني؟

لو راجع الرئيس الأمريكى عباراته وما فعله منذ السابع من أكتوبر بعد هجمات حماس على إسرائيل، لاكتشف أنه «المحرض» ومعه الإعلام الأمريكى مكتوبًا ومسموعًا ومرئيًا على هذه الكراهية، والدليل واضح للغاية..فالقاتل «جوزيف أم كوزبا» هو مالك البيت الذى تسكنه عائلة الضحية، ويبدو من اسمه أنه يهودى ومن أصوله بولندية، ولو كان كارهًا أو يضمر شرًا فى نفسه، ما سمح لهذه العائلة أن تقطن مسكنه بأى حال من الحال، ولكن مع إذاعة مكثفة لأكاذيب وأخبار مفبركة عن قطع حماس لرءوس عدد من الأطفال الإسرائيليين، ومع تزييف صورة لحيوان محروق بالذكاء الاصطناعى على أنه طفل إسرائيلى توسع رئيس الورزاء الإسرائيلى فى نشرها، أجج مشاعر الغضب عند مئات الملايين من الغربيين ومنهم «جوزيف أم كوزبا»، وحين اعتذرت بعض الفضائيات على استحياء عن نشرها تلك الصور والأخبار الكاذبة بطريقة أقرب إلى السرية، كان الوقت قد فات، وفعلت الأكاذيب فعلها فأقدم الرجل العجوز الذى تجاوز السبعين على جريمة الكراهية!

وإذا كان الرئيس الأمريكى قد أقر «بحق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها»، فهو لا يعترف ولا يرى حقًا للفسطينيين فى الدفاع عن أنفسهم، ونكرر أننا ندين أى اعتداء على المدنيين، لكن هناك فرق بسيط للغاية، أن يُعتدى على مدنى أعزل اغتُصبت أرضه وحقه فى دولة لها حدود يعيش فيها، وبين أن يُعتدى على مدنى أعزل بنى بيته على أرض اغتصبتها قواته العسكرية ويحثها على مزيد من هذا الاغتصاب، ليس هذا تبريرًا أو إعطاء شرعية لقتل المدنيين الإسرائيليين، لكن لنفهم نفسية الفلسطينيين المعتدى عليهم لأكثر من 75 عامًا، بكل وسائل العدوان وأساليب الاعتداء، ثم نطلب منهم أن يقبلوا ذلك ويتعاشوا معه ويصمتوا ويموتوا كمدًا فى شتاتهم أو سجونهم!

وإذا أخذنا جريدة نيويورك تايمز أكبر جريدة داخل الولايات المتحدة الأمريكية نموذجًا للتحريض، وقرأنا عددًا واحدًا صادرًا فى 16 أكتوبر ماذا سنجد فيها؟ هل نجد حقائق الصراع بعيدا عن انحيازات دينية وأيديولوجية أم نجد واقع القوة كما تحسبها المصالح الأمريكية الإسرائيلية بغض النظر عن الحق؟

كتبت نيويورك تايمز «موقفها» فى الافتتاحية تحت عنوان فى غاية الكذب «إسرائيل تكافح من أجل مجتمع يقدر حياة الإنسان»، وأكبر دليل على تضليل هذا العنوان أن إسرائيل قتلت 22 من أسراها عند حماس فى غاراتها على غزة، أى كانت فكرة الانتقام العشوائى الجماعى المبالغ فيه، أهم مليون مرة من حياة أسراها، فمن المؤكد أنها تدرك أن حماس لن تحتفظ بهؤلاء الأسرى فى ملاجئ خارج حدود العقاب الجماعى لغزة، وإنما فى مناطق تتعرض للقصف، فأين ذلك المجتمع الإسرائيلى الذى يقدر حياة الإنسان؟

الوصف الثانى الكاذب هو وصفها لهجمات حماس «بأنها تشبه الهجمات الإرهابية» على واشنطن ونيويورك فى 11 سبتمبر، والفارق كبير، فهجمات حماس ارتكبتها حماس فعلا بكل تفاصيلها التى قد نختلف مع بعضها ونرفضه، دون أن نصادر حق حماس فى الدفاع عن شعبها، فحق مقاومة المحتل تصونه كل القوانين والأعراف الدولية، وما فعلته حماس سبق وفعله الجيش الجمهورى الإيرلندى - على سبيل المثال- بأساليب مختلفة ضد إنجلترا، لا أبرر ولكن أقصد أن الغايات قد تنحرف إلى أساليب لا يقبلها الاحتلال، والغرب له تاريخ فى استعمار الشعوب، ولهذا يكره أى حركة تحرر أو كفاح مسلح، مع أن التاريخ لا يذكر محتلًا ترك أرضًا استعمرها من باب القيم أو تأنيب الضمير أو السلام!

أما ما حدث فى 11 سبتمبر فهناك روايتان متناقضتان، رواية أمريكية رسمية ورواية أمريكية غير رسمية، الرواية الرسمية ترى فى الـ19 متهمًا مسلمًا وعربيًا كل الجناة، والرواية غير الرسمية فتشت ونقبت عن الذين يقفون خلف الهجمات ولا يظهرون فى الصورة، والرواية مكتوبة فى كتب ألفها أمريكيون ومدعمة بشهود ووثائق، وأيضا موجودة على مواقع إلكترونية أسسها أمريكيون..لكنها تظل رواية هامشية، تشبه عملية قتل الرئيس الأمريكى جون كينيدى!

تقول افتتاحية نيويورك تايمز إن حماس أخذت أطفالًا رهائن، ولم نر صورة واحدة لطفل رهين، ومن هنا أناشد حماس أن تبادر بالإفراج عن الرهائن المدنيين فقط: النساء وكبار السن والأطفال إذا كان ذلك صحيحًا، دون الرهائن العسكريين، لحين الوصول إلى اتفاق لوقف الجرائم ضد المدنيين الفلسطينيين، وإطلاق سراح الرهائن المدنيين مبادرة عظيمة لإبداء حسن النية وإظهار وجه آخر لها، يعزز من موقف الأطراف الدولية المناهضة لما ترتكبه إسرائيل من جرائم.

لكن أعجب ما قرأت فى الافتتاحية هذه العبارة «لا يمكن لإسرائيل أن تكسب هذه الحرب بمجرد قتل جميع الإرهابيين، وهى مصممة على كسر قوة حماس وهى تستحق فى هذا الجهد دعم الولايات المتحدة وبقية العالم، لكن لا يمكن أن تنجح إلا من خلال التمسك بقواعد ومعايير السلوك التى تتجاهلها حماس بشكل متعمد، ينبغى ألا يغيب عن بالنا التزامها بحماية من لم يحملوا السلاح»!

كم يكذب كاتب هذه العبارة؟

كتبها بعد أسبوع كامل من شن غارات انتقامية عشوائية على غزة، أغلب القتلى فيها أطفال ونساء ممن لا يحملون رشاشًا ولا سكين مطبخ، ومن الضحايا «55 عائلة» «محيت تماما، وقتل كل أفرادها، كما دمروا 170 بيتا فى المدينة المنكوبة على غرار ما فعله النازيون فى سيتالنجراد الروسية».

هل يعلم هذا الكاتب أن إسرائيل قتلت قبل هذه الحرب عشرة آلاف فلسطينى، منهم 2000 طفل؟ أتصور أن حماس تقلد نهج إسرائيل ومعايير سلوكها، وهذا هو الخطأ الذى وقعت فيه بتراكم الغضب والاعتداء على شعبهم والإحساس بالإهانة!

ومن فرط عدم إنسانية الكاتب وصف عبارة وزير الدفاع الإسرائيلى «إن إسرائيل تحارب الحيونات البشرية» بأنها نتاج «العاطفة الشديدة»، وهو وصف عنصرى يجرمه القانون أى قانون فى أى بقعة على ظهر الأرض إلا فى إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما المؤيدين لاغتصاب الشعب الفلسطيني فى حياة كريمة!

وفى العدد نفسه عزف على نفس الأوتار «بيرت ستيفنز» بمقال «حماس تتحمل اللوم عن كل موت فى هذه الحرب»، وهو مقال تحريضى وقح، بأن لا تعمل إسرائيل حسابًا لأى أصوات تطالبها بالتعقل، «فلا ينبغى للعالم الأوسع أن يكافئ حماس بسذاجتنا خشية أن نحول أنفسنا مرة أخرى إلى أغبياء مفيدين لحماس».

وكذلك توماس فريدمان: لماذا تتصرف إسرائيل بهذه الطريقة؟

هذه مجرد نماذج من «التحريض» على الكراهية والقتل، والنتيجة أن «جوزيف أم كوزبا» قتل الطفل وديع الفيومى وهو على بعد عشرة آلاف كيلومتر من الصراع فى غزة؟

ولن يتوقف القتل دون سلام عادل.