الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
طه حسين بصيرة حاضرة

طه حسين بصيرة حاضرة

هل ما يزال أثر العميد وبعد كل هذه السنين قابلًا للتداول والتفاعل أو أنه صار جزءا من تاريخ المعرفة وأن القضايا التى عالجها تقادمت والمسائل التى تصدى لها بعدت عنا؟ سؤال مهم أجاب عنه الكاتب الكبير والمفكر اللامع الدكتور عمار على حسن فى كتابه «بصيرة حاضرة.. طه حسين من ست زوايا»، الإجابة واضحة من عنوان الكتاب فبصيرة عميد الأدب العربى ما زالت حاضرة وموجودة، ويرى المؤلف أن «أثر طه حسين لم ينته، ولا يبدو أنه سينتهى، فالرجل ضرب سهمه فى كل اتجاه، وأنتج من الأفكار والآراء والأساليب والطرائق والتصورات والإجراءات حول التحديات التى واجهت المجتمع فى زمنه وعن القضايا التى أخذت بعقول الناس ونفوسهم، ما يصلح أن نعود إليه دون انقطاع، نظرًا لاستمرار المشكلات قائمة، وبقاء التساؤلات عالقة».. ويستطرد «عمار» شارحًا: «هذه العودة تمتد من اللغة وبيانها، إلى الأدب وألوانه، ثم الفكر وشئونه، والنظر إلى المشكلات الاجتماعية الجوهرية حول التعليم والثقافة، وعلاقة الدين بالدولة والديمقراطية، وتمكين المرأة، وحقوق أصحاب الهمم، ناهيك عما يُحسب لطه حسين فى تطوير منهج البحث والدرس، من هنا فإن البحث فى منجز طه حسين ليس بحثًا فى الماضى، إنما هو جزء من الوقوف على الكثير من معانى الآنى والآتى، نظرًا لأن نص الرجل وأسلوبه وتصوره، لا تزال جميعها قادرة على إفادتنا فى مواجهة بعض ما يعترض طريقنا إلى التقدم»، ولكن كيف يمكن أن  نقيس أثر طه حسين فى حياتنا المعاصرة؟ يرى «عمار» أنه يمكن ذلك من خلال عدة نقاط:



 1 - معرفة حجم وقيمة ما كُتب ويُكتب عن طه حسين حاليًا من شهادات وذكريات ومقالات ودراسات وكتب وأطروحات جامعية، وما يُقام عنه من ندوات ومؤتمرات.

 2 - مدى قدرة ما تركه على الاستجابة للتحديات الراهنة أو الإجابة عن أسئلة زماننا واستمراره فى أداء هذا الدور فى المستقبل المنظم.

3 - ما تحمله خصائص أسلوبه من قدرة على إفادة الجيل الحالى من الكتاب والباحثين، حيث إحكام الصياغة والتعبير عن المعنى بشكل جلىّ لا غموض فيه ولا اعوجاج.

 4 - ما يمكن أن تمدنا به آراؤه وتجربته العملية ومواقفه من رؤى وطرائق تساعدنا على النهوض بالتعليم والثقافة فى واقعنا المعيش.

5 - ما وقع فيه طه حسين من أخطاء أو مزالق، ويجب علينا أن نتجنبها، بقدر ما نتجنب ارتكاب مبالغة إيجابية أو سلبية، فى التعامل معه شخصيًا، موزعة بين «تدنيس» و«تقديس».

6 - ما حدث من تطور لطه حسين فى مجال السرد والنقد والدراسات التاريخية وتأريخ الأدب، وما حدث بعده، سواء فى النظريات والأطر التفسيرية، أم فى مناهج تناول النص والفكر والاقترابات العلمية التى تجعله ماثلًا للإفهام.

وفى سبيل هذا البحث العميق عن عميد الأدب العربى عاد «عمار» إلى «ما كتب عنه وهو كثير وغزير وإن تفاوتت قيمته واختلفت اتجاهاته، وتباينت أنواعه بين المقال السيَّار والدراسة الأكاديمية والكتاب الذى يؤلفه كاتب أو باحث انجذب إلى طه حسين وانكب على سيرته ومنتجه فى عرض وشرح وتفسير مدح وإعلاء  أو نقد ولوم وإبخاس»، ويستطرد المؤلف «أن كثيرًا من الكتابات العابرة والمكررة عن العميد  دارت حوله ولم تنفذ إلى جوهر ذاته وفكره وفنه».

 عن المنهج يرى عمار «أنه يقوم على «الصرامة العلمية»، وتقليب كل ظاهرة أو حدث على شتى وجوهه، وبناء استراتيجيات ناجعة فى الحجاج، ورفع الالتباس عن قضايا شائكة، وعرض مختلف الآراء حوله، وإعلاء قيمة الشك فى سبيل الوصول إلى الحقيقة».

أما عن النص «فقد كان شفاهيًا، لأنه ابن الإملاء، ومميز يدل على صاحبه بلا عناء ولا عنت، وإيقاعى تحضر فيه الموسيقى، وهو تكرارى متنوع حافل بالتناص، ويسعى إلى أداء وظيفة، أو ينهض بالمهمة أو الرسالة التى كان يحملها  على عاتقه».

 وعن زاوية الذات، يقول عمار «رغم رحيله عن دنيانا منذ نصف قرن ما يزال طه حسين يقدم لنا نموذجًا للمثقف المتكامل، فهو باحث وأديب وناقد ومؤرخ وعالم اجتماع ومترجم وصحفى وسياسى، ارتقى مع توالى إنتاجه ورسوخه، ليصبح مفكرًا.

وفى زاوية  الصورة  تتعدد صور العميد فهو «قاهر الظلام، والتلميذ النجيب، والأستاذ البارع، وصاحب المكانة الرفيعة والمجدّد، والمتحايل، والذى صار أسطورة، والمواطن العالمى».

أما عن الموقف «وقف طه بين موقفين فى طرح أفكاره، الأول كان سافرًا متسمًا بالعناد، ورأيناه فى معاركه ضد المنفلوطى حول اللغة، ومحمد حسين هيكل حول الفكر، وجورجى زيدان حول التاريخ.

وأخيرًا زاوية الأفق: فقد تحقق جزء من مشروع طه حسين، وما لا يزال بعضه ينتظر، ومصيره هو نصًا ومنهجًا وموقفًا، وهو الرجل الذى كان يخشى موت الكاتب بعد رحيله عن الدنيا، أى ضياع منجزه بعد تحلل جسده، ليصير مجرد ذكرى تُستعاد بين حين وآخر، أو لا يلتفت إليها أحد.

تعجز مساحة المقال عن الإلمام بجميع جوانب الكتاب الرائع وأتمنى أن تتم طباعته فى مصر فهو من منشورات مركز أبو ظبى للغة العربية وأن يتاح للباحثين والقراء فى مصر.